خاض علماء الإسلام في مجال "تفسير الأحلام وعلم الرؤى"، من ابن سيرين، إلى أبي قتبة الدينوري، إلى عبد الغني النابلسي، إلى ابن شاهين.. وغيرهم، وكشفوا النقاب في عملهم عن أسرار النفس البشرية، وأماطوا اللثام عن علم الرموز الذي غالبًا ما يستخدم من قبل بعض الجماعات السياسية السرية والعلنية للتواصل فيما بينهم. وأكاد أجزم أن عملهم هو الذي وضع حجر الأساس لتطور علم النفس باتجاه الغوص عن أعماق النفس البشرية وسبر أغوار اللاشعور الشخصي والجمعي.
ما فعله علماء الإسلام هو وضع حجر الأساس لتطور علم النفس، وسبر أغوار اللاشعور الشخصي والجمعي
يعتبر سيجموند فرويد أبا مدرسة "التحليل النفسي"، ويعتبر كتابه "تفسير الأحلام" هو أهم أركان مدرسته التي أسست للعلماء الذين أكملوا المشوار بعده بتفرعات مدارسهم المختلفة عنه، ولكن الخوض في كتب "تفسير الأحلام" لدى العلماء المسلمين قبل فرويد بمئات السنين سيكشف أنه أخذ عنهم الكثير الكثير، هو وغيره من أرباب مدرسته.
لنتذكر أن العالم طبل وزمر لاكتشاف العالم الفرنسي شامبليون أسرار حجر رشيد الذي أماط اللثام عن أسرار اللغة الهيروغليفية، وفتح أمام الفكر البشري خزانة الأسرار الفرعونية، لنكتشف فيما بعد أن العالم الكلداني العبقري ابن وحشية، وهو من علماء القرن الثالث الهجري، فك أسراراها قبل شامبليون بأكثر من ألف سنة.
وفضل المسلمين على العلم أكبر بكثير من أن تدمره حركات متطرفة غبية، يجري التسويق لها ورعايتها على أنها هي الإسلام. لقد فتح المسلمون أبواب إمبراطوريتهم لعلماء الشعوب الأخرى فكان للسريان دور كبير في ترجمة علوم الشعوب الأخرى وتطويرها لخلق اتجاهات معرفية جديدة، وكان للفرس والهنود دور بارز أيضًا، لذلك عندما نتحدث عن حضارة إسلامية فإننا نتحدث عن حضارة تشربت ثقافات شعوب الأرض، وشرعت أبوابها للعلم والنور، وأعادت إنتاجها علمًا ونورًا أخذه الغرب ليخرج بنورها من عصور ظلامهم المقيتة ليبدؤوا في بناء حضارتهم.
هناك أثر لكتب تفسير الأحلام عند العلماء المسلمين على نشوء مدراس التحليل النفسي وتطوير علم النفس البشرية
للأسف غالبًا ما تستخدم كتب تفسير الأحلام في الحضارة الإسلامية على أنها مجرد خزعبلات لا قيمة لها، في حين أن دراسة علمية تخضع لشروط البحث العلمي الدقيق ستكشف لنا الكثير من الأسرار، وستكشف أن منهجًا لا يختلف كثيرًا عن المنهج الذي اعتمده فرويد ذاته، لا فرق سوى أن كل ما يصدر عن الغرب هو الحقيقة الكلية فهم أهل العلم والعقل، وهذا ما يجافي الحقيقة.
يتم العمل اليوم على أن حركات متطرفة غبية هي التي تمثل الإسلام، في ظل غياب أو تغييب مشبوه لعلماء يعيدون مجد الأجداد، لا في تطرفهم وظلامهم بل في علمهم ونورهم، لا بل لم يجر العمل أساسًا على خلق مثل هذا الجيل من العلماء الذي يخاطب العقول، بل العكس كان السعي المشبوه لخلق جيل من المشايخ أغلبهم من الفارغين إلا من عبارات جوفاء قادرة على مخاطبة غرائز الأميين.
هكذا، أضع بين أيدي الباحثين فكرة جديرة بأن تكون محط اهتمامهم: أثر كتب تفسير الأحلام عند العلماء المسلمين على نشوء مدراس التحليل النفسي وتطوير علم النفس البشرية.
اقرأ/ي أيضًا:
تاريخ كلمة "لي لي ليش" وحقيقة معبد "لالش" الأيزيدي
"الله الصمد".. من نقوش أوغاريت إلى القرآن الكريم