عام 2007، وفي مدرج جامعة مولود معمري بتيزي وزو، ألقى فرحات مهني زعيم حركة انفصال منطقة القبائل في الجزائر، محاضرة كانت الأخيرة له في الجزائر التي لم يدخلها منذ تلك السنة. وقف طالب جامعي يسأل السيد فرحات مهني عن مصادر تمويل اقتصاد هذه الدولة التي يريد أن يؤسسها في حال الانفصال عن الجزائر، فأجابه مهني قائلًا: "أُفضّل أكل الطين والحجر على أن أعيش مع نظام مستبد"، ليرد الطالب: "طلبت منك تحليلًا سياسيًا واقتصاديًا مقنعًا، ولم أطلب منك بيت شعر".
من مغنٍ قبائلي يناضل ضمن الحركة الثقافية الأمازيغية، اتجه فرحات مهني للمطالبة بانفصال منطقة القبائل في الجزائر
فرحات مهني المغني القبائلي الذي دخل أروقة السياسة منذ الثمانينيات في نضال ثقافي من أجل الهوية الأمازيغية، يمضي اليوم قدمًا في مشروع غير واضح المعالم، مشروع تائه بين الاستقلال والحكم الذاتي.
اقرأ/ي أيضًا: الأمازيغية في الجزائر.. من السجن إلى الدستور
عرف فرحات مهني كمناضل في الحركة الثقافية الأمازيغية، وكان وجهًا رئيسيًا فيها، فكان دائم الظهور في الصفوف الأولى في المظاهرات والاحتجاجات، كما كانت أغانيه السياسية ذات شحنة كبيرة من الرسائل للنظام الجزائري الذي مارس آنذاك سياسة عزل ممنهجة لكل ما له علاقة بالهوية والثقافة الأمازيغية.
ولكن ابتداءً من عام 2007، رفع فرحات مهني سقف المطالب عاليًا، وغيّر نضاله من النداء لترسيم اللغة الأمازيغية وإعادة الاعتبار لها في المدارس والمؤسسات، ليطلق حركة "الماك" من فرنسا التي تعتبر المقر الرئيسي للحركة، كما عين وزراء في هيكل سماه "الحكومة القبائلية المؤقتة". لقد حصر فرحات مهني عمله في منطقة القبائل بعد أن كان سابقًا يسعى من أجل جسد أكبر يضم كل بلدان المغرب الكبير التي تعتبر الأمازيغية فيها ثابتًا ورمزًا في عمق هويتها.
تُعرف منطقة القبائل بنزعتها الاحتجاجية ومعارضتها للنظام السياسي القائم، وقد تطورت هذه النزعة لتصل عند البعض إلى طلب الانفصال
وتُعرف منطقة القبائل بنزعتها الاحتجاجية ومعارضتها للنظام السياسي القائم، وقد تطورت هذه النزعة لتصل عند البعض إلى طلب الانفصال، يأسًا من الوضع الذي لا يتغير إلا في الشكل، مبقيًا على نفس الجوهر. لكن أغلبية السكان، وكل الأحزاب الفاعلة في المنطقة متمثلة في حزبي "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"جبهة القوى الاشتراكية" الذي يُعد أقدم أحزاب الجزائر والذي أسسه أول معارض لنظام ما بعد الاستقلال، الراحل حسين أيت أحمد؛ رافضة لهذا التوجه وتُعلن تمسكها بوحدة التراب الجزائري.
اقرأ/ي أيضًا: "ثاجماعث" أمازيغ الجزائر .. برلمان القرى
كما أن حركة "الماك"، ورغم أن لها حاضنة شعبية معتبرة في سنواتها الأولى، إلا أنها بدأت تفقد شعبيتها بسبب عدم وضوح المشروع السياسي لها. وغالبية سكان منطقة القبائل، خاصة النشطاء، يرون أن سيناريو كتالونيا بعيد كل البعد عن المنطقة التي احتضنت ثورة التحرير، والتي أثرت المشهد الجزائري بشخصيات تاريخية وسياسية وثقافية.
في ذلك يرى الصحفي محمد سيدمو، في حديث لـ"ألترا صوت"، أن الفرق بين كتالونيا ومنطقة القبائل، يكمن في أن الأولى تاريخيًا دخلت في حرب ضد النظام الملكي وبالتالي تراكمت لديها رواسب تاريخية ضد الدولة المركزية في إسبانيا، توقد في كل مرة روحها الانفصالية، أما الثانية (منطقة القبائل)، فكانت، وفقًا لسيدمو، جزءًا أصيلا من ثورة التحرير الجزائرية، بما يجعلها شريكًا في بناء الدولة الوطنية.
وأضاف سيدمو: "مهما انحرف النظام بعد الاستقلال بدءًا بالانقلاب على الحكومة المؤقتة، ثم الشكل الأحادي التسلطي الذي أخذه إلى اليوم، فإنه يبقى يعبر عن توجه شاذ بعيد عن تلك الدولة المنشودة التي لا يوجد اختلاف عليها"، مُوضحًا أنّ ظلم النظام لا يقع على سكان منطقة القبائل فقط، وإنما على كل الجزائريين "التواقين لنظام ديمقراطي حقيقي، يسمح بالتعبير عن اختلافاتهم وإبراز تنوعهم"، على حد قوله.
تسببت ممارسات فرحات مهني في تدني شعبية حركة "الماك"، وعلى رأس تلك الممارسات زيارته لإسرائيل في 2012
من جهة أُخرى، كانت شخصية فرحات مهني نفسها سببًا في تدني شعبية حركة "الماك"، بإثارته لجدل يراه نشطاء مغاربة لا داعيَ له، خاصة زيارته لإسرائيل عام 2012، واستقباله من طرف الكنيست الإسرائيلي. بل إنه وجّه دعوة لمن أسماهم "شرفاء إسرائيل" لدعمه!
وأخيرًا، وقبل نحو أُسبوع، توجه فرحات مهني للأمم المتحدة، لتسليم ملف طلبٍ بإقرار انفصال منطقة القبائل الجزائرية عن "نظام العاصمة" كما يُسميه.
اقرأ/ي أيضًا:
بعد عقود من القمع.. أمازيغ ليبيا يبحثون عن الهوية في أنقاض الحرب