يقول الرّوائي وأستاذ النقد الأدبي المعاصر والتيّارات الفكرية في جامعة جيجل، 400 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة فيصل الأحمر (1973)، إنه، على عكس كثير ممّن وقفوا موقفًا انتقاديًا من انتشار الرواية في الأعوام الخمسة الأخيرة في المشهد الأدبي الجزائري، ومن هالهم العدد الكبير للإصدارات المنتسبة إلى فنّ الرّواية، كان موقفه ثابتًا على الترحاب باتساع دائرة السّرد. "فالظّاهرة صحيّة جدًّا، وتجرّؤ الجزائري الشّابّ على السّرد يندرج ضمن تطوّر ما في الذّهنية الجزائرية، التي طال المدّ عليها وهي تتصرف كأنها محرومة مما يسمّيه إدوارد سعيد بـ"الحق في السّرد".
كثرة الرّوايات المنشورة معناه ظهور جيل جديد من الكتّاب يؤمن بضرورة خلق عوالمَ تخييليةٍ
كثرة الرّوايات المنشورة، يقول محدّث "الترا صوت" فيصل الأحمر معناه ظهور جيل جديد من الكتّاب يؤمن بضرورة خلق عوالمَ تخييليةٍ تقوله وتحتضن أسئلته وهواجسه وأحلامه وأوهامه. جيل يتواصل مع قرّائه عبر نافذة الخيال والقول، الذي هو حكاية تتقلّب وتخلق معناها الفكري على هامش لذتين: التخييل والحكي؛ أي إعمال الذّهن وإسماع الغير صوتَنا.
اقرأ/ي أيضًا: مكتبة خضر الآغا
لقد طال الأمد علينا، يضيف فيصل الأحمر صاحب رواية "أمين العلواني" وأحد الكتّاب السبّاقين إلى كتابة أدب الخيال العلمي في المشهد الجزائري، ونحن نتحمّل عبء نمط من السّرد "الاستعماري"، الذي يجعل تركة المستعمر متواصلةً عبر اللاشعور.
"أورد هذه الملاحظات متأملًا ظاهرة روائية غريبة انتشرت فيما سبق بشكل مثير للجدل دون أن يقف عندها الباحثون والكتّاب وآل بيت النقد عندنا في الجزائر؛ هي امتلاء الفضاء الرّوائي الجزائري بصور الأجانب لا كمكوّنات بانية للجدارية التخييلية، التي لا يملك أحد أن يصادر عليها، بل كمكوّن لا واعٍ يصدر عمّا يشبه أن يكون مغارةً ميتافيزيقيةً يختفي فيها سرّ أسرار التخييل الجزائري. ولكنّه وضع يبدو أنه بصدد التغيّر لفائدة كتابة متصالحة مع الذّات والتّاريخ، ومتخلّصة من العقد الغائرة في الماضي المسرود وفي الماضي الصّامت أيضًا ".
ويلفت فيصل الأحمر صاحب رواية "حالة حرب/ حالة حب" إلى معطًى مهمّ في هذا الباب بالقول: "حينما نتحدّث عن الصّمت تقفز إلينا المعنيّة به أكثر من غيرها: المرأة؛ وهي صفقتنا الأربح أثناء الحديث عن الرّواية الجديدة في الجزائر. إنّ النساء الكاتبات اللواتي أصدرن كتابهنّ الأوّل أو الثاّني تعاظم عددهن، لتصبح الرّواية النّسوية عندنا ظاهرة منتشرة لدى كاتبات قد لا تتجاوز أعمارهن في بعض الأحيان العشرين سنة".
من المثير للانتباه أيضًا، بحسب الأكاديمي الجزائري المشارك في أكثر من مشروع علمي منها "معجم السّيميائات" و"الدّليل السّيميولوجي"، في أمر هذه الرّواية الشّبابية للكاتب فيصل الأحمر أنّ مواضيعها مرتبطة عضويًا وإيجابيًا بالمكوّن المحلي الجزائري؛ بصور الحياة وبمخزون الذاكرة، فهي رواية تدوّن الحياة والذّاكرة بسلاسة ودون حاجة إلى تصفية حسابات كما كانت الحال عليه من قبل ودون الحاجة إلى مرآة أجنبية لتوضيح الصّورة.
اِروِ لي حكاية أقلْ لك من تكون. وبهذا فالرّواية الشّبابية اليوم تعكس صورتنا الجزائرية الحالية
"إنّها نصوص روائية تتّكئ على الذّات ولا تتهيّب منها؛ وتنظر إلى المكوّن المحلّي بعين واثقة هدفها وضع اليد والحرف والمعنى على حياتنا وعلى الناس عندنا حتى وإن كانوا لا يسافرون كثيرًا، ولا يدخنون سجائرَ فاخرةً، وليسوا من روّاد الموضة. بل هم أناس بسطاء نعرفهم ونحبّهم ونقرأ عنهم فنسترجعهم، ونقرأ حكايا حبهم وكرههم وأحزانهم وأحلامهم وخيباتهم وما يقولونه وما يخفونه، فنتعرّف على ذاتنا ولا يضيرنا في شيء أنهم كانوا –وربما لا زالوا - يسكنون دوّارًا أو قرية ويلبسون جلابيب و ينتعلون صنادل ويحمّلون الماء على ظهور الحمير كما يفعل/ يسكن/ يلبس/ ينتعل شخوص الطاهر جاووت ومولود فرعون والطاهر وطار وبن هدوقة ونجيب محفوظ وجمال الغيطاني وإميل حبيبي.
اقرأ/ي أيضًا: "بيت حُدد" لفادي عزام.. رواية السوري المزدوج
لقد أسلفت القول، يختم صاحب رواية "رجل الأعمال"، في غير هذا المنبر إنّ السّرد طريقة في التفكير. فنحن نفكّر مثلما نكتب رواياتٍ. فنشبه مروياتِنا وأقاصيصَنا، ونتحرّك في إطار رؤية إلى العالم تفضحها حكاياتنا وسرودنا شعبيةً ورسميةً، طويلة ومختصرة، مكتوبة وشفاهية.
"إذا شئت الاختصار فإنه يجوز لنا أن نقول: اروِ لي حكاية أقلْ لك من تكون. وبهذا فالرّواية الشّبابية اليوم تعكس صورتنا الجزائرية الحالية: التكاثر، الانتظار، العقل، الثقة، الحلم بالأفضل، تجنّب عقدة الخارج والآخر والخوف من العدوان الخارجي، التعايش مع الخطأ في انتظار الأفضل.
اقرأ/ي أيضًا: