كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن ربع المباني في 25 قرية في جنوب لبنان قد تضرر أو دمر بالكامل في العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان منذ العام الماضي، والذي شهد تصعيدًا عسكريًا عنيفًا في الهجمات التي استهدفت مختلف الأراضي اللبنانية منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي.
وبحسب ما جاء في التقرير الذي أعدته الصحيفة الأميركية،ونُشر اليوم الجمعة، فإن تحليل بيانات الأقمار الصناعية أظهر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر بشكل كبير مناطق المعيشة والبنية التحتية في لبنان، وهو ما يؤثر على الهوية الثقافية للمنطقة التي أصبحت مهددة نتيجة لاستهداف هذه القرى ذات التاريخ العريق.
آلاف المنازل تعرضت للأضرار أو التدمير
وأوضح التقرير أنه في المناطق الحدودية، تعرض ما لا يقل عن 5868 مبنى للأضرار أو التدمير، بما في ذلك ما يقرب من نصف المباني في المنطقتين الأكثر تضررًا، عيتا الشعب وكفركلا. وحدثت الغالبية العظمى من الأضرار – ما يقرب من 80 بالمئة – منذ 2 تشرين الأول/أكتوبر، أي اليوم التالي لبدء الغزو البري الذي شنه جيش الاحتلال.
ربع المباني في 25 بلدة في جنوب لبنان تضررت أو دمرت بالكامل في العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان منذ العام الماضي
وأضافت "واشنطن بوست" أنه منذ ذلك الحين استمر التدمير بوتيرة سريعة، حيث تضاعف تقريبًا كل أسبوعين، حتى مع إشارات المسؤولين الإسرائيليين إلى استعدادهم لبدء المفاوضات لإنهاء الحرب. وأشارت إلى أنها توصلت إلى هذه النتائج من خلال مراجعة صور الأقمار الصناعية من جنوب لبنان، والتحقق من مقاطع الفيديو وتحليل بيانات رادار القمر الصناعي "Sentinel-1".
وذكرت الصحيفة أن مقاطع الفيديو أظهرت الدمار الواضح الذي أحدثته الغارات الجوية الإسرائيلية والمعارك البرية المكثفة، بالإضافة إلى 12 عملية هدم خاضعة للرقابة نفذها جيش الاحتلال، ما أدى إلى إتلاف أو تدمير ما لا يقل عن تسعة مواقع دينية.
وبحسب الصحيفة، سمح تحليل بيانات "Sentinel-1"، الذي قدمه كوري شير من مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، وجامون فان دن هوك من جامعة ولاية أوريغون، بقياس ورسم خريطة الدمار في الجنوب. وأشارت الصحيفة إلى أن العدوان الإسرائيلي، الذي طال مختلف أنحاء لبنان، أجبر نحو شخص من بين كل خمسة أشخاص على النزوح من منزله الأصلي.
ونقلت "واشنطن بوست" عن الباحث الهولندي، ويم زويجنبورغ، قوله: "إن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية، سواء من خلال الاستهداف المباشر بالضربات الجوية والمدفعية أو التفجير الممنهج، يجعل أجزاء كبيرة من الجنوب غير صالحة للسكن".
نمط واحد للدمار
تقع القرى القديمة على سفوح الجبال في جنوب لبنان، وتعود أسماء هذه القرى إلى العصر البرونزي. وفي هذه المجتمعات الصغيرة، ترتبط الحياة اليومية والتقاليد الاجتماعية بالأرض، حيث يعمل سكان القرى في زراعة بساتين الزيتون وحقول التبغ التي تغطي الحدود.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت إنها وثّقت 3 هجمات استهدف فيها الجيش الإسرائيلي كوادر طبية ومرافق صحية في #لبنان.
اقرأ أكثر: https://t.co/CbtYixg9vf pic.twitter.com/MLpcmTm2zI— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 31, 2024
وقال مدير الجمعية البيئية "الجنوبيون الخضر"، هشام يونس، لـ"واشنطن بوست": "إن هذا التدمير الممنهج لا يهدد سبل عيش الناس في هذه المنطقة فحسب، بل يهدد الهوية الثقافية للمنطقة أيضًا. إنهم يحاولون قطع الصلة بين الناس وأرضهم".
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن قرية كفر كلا الحدودية كانت من بين الأماكن الأولى التي توغل فيها جيش الاحتلال، حيث ظهرت آثار المركبات العسكرية في صور الأقمار الصناعية منذ الثالث من تشرين الأول/أكتوبر. وبحلول السبت الماضي، أظهرت بيانات الأقمار الصناعية تضرر أو دمار 46 بالمئة من المباني في البلدة.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية الملتقطة لكفر كلا تضرر الأراضي الزراعية التي كانت مزروعة بأشجار الزيتون، ما يشير إلى عملية إخلاء نفذها جيش الاحتلال، حيث تصطف العشرات من المباني المهدمة على طول الطريق الرئيسي في البلدة، فيما يكون الدمار كبيرًا بالقرب من الحدود الإسرائيلية في شمال الأراضي المحتلة. كما أظهرت الصور أن مراكز قرى عيتا الشعب، مهيبيب، ورامية قد دُمرت أيضًا.
كما أظهرت مقاطع الفيديو المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي سلسلة من الانفجارات الممنهجة في 11 قرية على الأقل، بما في ذلك مقطع مصور نُشر على منصة "إكس" في 22 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي أظهر تفجير ستة أبنية في وقت واحد في عيتا الشعب، حيث غطت سحب الغبار والأحجار المتطايرة القرية التي يعود تاريخها إلى 400 عام.
تفجير المواقع الدينية
تتوقع "واشنطن بوست" أن عمليات التفجير الممنهجة لقرى جنوب لبنان قد بدأت في 14 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتضيف أن لواء غولاني في جيش الاحتلال كان موجودًا في عيتا الشعب منذ 16 من الشهر ذاته حتى الأحد الماضي، بحسب مقاطع فيديو نشرها جيش الاحتلال، لافتة إلى ارتباط لواء غولاني بسلسلة مشابهة من عمليات التفجير الممنهجة التي نفذها في قطاع غزة.
🎥 جنود جيش الاحتلال يفجّرون بنايات في #غزّة إهداءً لجنديّ قتل في #لبنان. pic.twitter.com/K4yDiblhyh
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 30, 2024
وبحسب تحليل بيانات الصور الذي أجرته الصحيفة، تضاعف عدد المباني المتضررة أو المدمرة في عيتا الشعب ثلاث مرات خلال توغل لواء غولاني فيها، وبحلول السبت الماضي كان ما يقرب من نصف القرية مدمرًا بالكامل.
ومع ذلك، تقول "واشنطن بوست" إن جيش الاحتلال لم يبذل جهدًا كبيرًا لتجنب المواقع الدينية، وفي بعض الحالات كان جنود الاحتلال يستمتعون بتدميرها. إذ على بعد نحو أربعة كيلومترات تقريبًا في قرية رامية، أظهر مقطع فيديو جنود الاحتلال وهم يحتفلون بتفجير مسجد القرية، كما أظهر مقطع آخر أداء جنود الاحتلال لأغنية دينية بعد تفجيرهم مسجدًا في قرية الضهيرة.
وذكرت الصحيفة في تقريرها أن نحو 28 % من منازل قرية ميس الجبل قد تضررت أو دمرت، أي ما يزيد على 900 منزل من منازل القرية. كما تم تدمير مسجدين على الأقل من مساجد القرية الثلاثة، وفقًا لمراجعة صور الأقمار الصناعية، مشيرة إلى أن القانون الدولي يحمي المباني الثقافية والدينية، مما يمنع استهدافها بشكل مباشر خلال الحروب.