انتهى اجتماع العقبة الأمني، الذي جمع السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، برعاية مصرية وأردنية وأمريكية، مع الاتفاق على جلسة جديدة في شرم الشيخ من أجل التوافق بشكلٍ نهائي على البنود المطروحة.
توجه الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية عمومًا، يدور حول تكثيف قواته في محيط الجدار، وفي الشوارع الاستيطانية بالضفة الغربية، مع استمرار اقتحامات المدن الفلسطينية، وتنخفض هذه الوتيرة، بعد المجازر الإسرائيلية الكبيرة
ومع نهاية الاجتماع شهدت بلدة حوارة جنوب نابلس، ليلة داميةً، نتيجة هجوم مستوطنين إسرائيليين هو الأوسع على البلدة، خلف شهيدًا وأكثر من 100 إصابة، وخسائر كبيرة في البلدة. فيما كشف عن استمرارية التصعيد الإسرائيلي على الضفة الغربية بـ"لباس مدني".
وتُصرّ السلطة الفلسطينية على أن اجتماع العقبة، كان اجتماعًا أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، رغم أن دوافعه الواضحة هي أمنية، حيث ترافق مع تصعيد إسرائيلي هو الأكبر منذ سنوات في الضفة الغربية، وسط خشية أمنية إسرائيلية من أن يسفر ذلك عن تصعيد شامل في الضفة الغربية.
يأتي ذلك، مع تنصل إسرائيلي سريع من الوعود التي قدمت بإيقاف الاستيطان في الضفة الغربية، خلال 4-6 أشهر القادمة، وهي الفترة التي تم توافق عليها بحسب ما رشح عن الاجتماع من عدة مصادر.
رفض فلسطيني
استنكرت الفصائل الفلسطينية مشاركة السلطة الأمنية في الاجتماع، وسط مزاج شعبي واسع يعارض هذه المشاركة. وخلال اجتماع للفصائل الفلسطينية في غزة، أعلن عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين خالد البطش عن البيان الختامي للاجتماع، وجاء فيه: إن "قمة العقبة الأمنية تنعقد بمشاركة السلطة الفلسطينية وأطراف عربية وإسرائيلية، برئاسة أمريكية، رغم سيل الدم المتدفق في الضفة الغربية المحتلة". وأضاف البطش أن "اجتماع العقبة يأتي كعربون صفح عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي"، مشددًا على "رفض هذا اللقاء الأمني وإدانة المشاركة فيه، مع التحذير من مخرجاته على الفلسطينيين".
التنسيق الأمني، الهدف من اجتماع العقبة؟
وعلى الرغم من الرفض الفلسطيني الواسع للمشاركة في الاجتماع، إلا أن السلطة الفلسطينية شاركت، وبالنظر إلى الموقف الأمريكي الذي لعب دورًا محوريًا في عقد الاجتماع، والتصريحات الأمريكية السابقة، من أن الهدف الذي يسعى إليه المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط بريت ماكجورك، هو بالأساس تشجيع السلطة على إعادة التنسيق الأمني مع "إسرائيل".
وفي هذا الإطار، كان محافظ نابلس إبراهيم رمضان، قد كشف، خلال حديثٍ صحفي مع موقع "الترا فلسطين"، عن أن الوساطة الأمريكية تهدف إلى عودة العلاقات بين الطرفين، مقابل ما وصفه بـ "عودة الأمل للفلسطينيين"، بعد عمليات التصعيد التي يشنها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضاف محافظ نابلس أن "السلطة الفلسطينية سلّمت الجانب الأمريكي 13 شرطًا مقابل عودة التنسيق الأمني، أبرزها إيقاف الاقتحامات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية، ووقف توسيع الاستيطان، وبحث ملف الأسرى في السجون"، وتابع رمضان أن الاحتلال الإسرائيلي وافق "شفهيًا على شروط السلطة الفلسطينية، لكن بعدها بثلاثة أيام، كان هناك غدر إسرائيلي، وارتكبوا مجزرة نابلس صباح الأربعاء".
وكانت "القناة 14" الإسرائيلية قد نشرت تقريرًا قالت فيه إن هناك "خطة أمنية أمريكية تسعى لإعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية، بالتزامن مع تأجيل التصويت الأخير في مجلس الأمن الدولي بشأن البناء الجديد في المستوطنات، ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية تقبل مبدئيًا بالخطة الأمنية الأمريكية، باعتبارها جزءًا من منظومة التفاهمات التي تم التوصل إليها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من خلال الوساطة الأمريكية التي يشرف عليها الجنرال مايك فنزل، وتقوم على تدريب القوات الخاصة الفلسطينية، والمشاركة الأمريكية النشطة في التنسيق الأمني الإسرائيلي والفلسطيني".
وأضاف التقرير أن "أهم فصول الخطة الأمريكية يشير إلى التنسيق الأمني الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية، بحيث سيحضر ممثلون أمريكيون كبار هذه الاجتماعات ذات المستويات العليا من الجانبين لعدة أشهر، وفي هذه الحالة فإنهما سيرسلان تقارير منتظمة للولايات المتحدة حول التقدم في المجال الأمني، بجانب فصل يتناول تدريب القوات الفلسطينية للسيطرة على منطقتي جنين ونابلس، وكجزء من هذا الجهد فإن خمسة آلاف عنصر أمني فلسطيني يخدمون حاليًا في جهاز الأمن الوطني سيتم تدريبهم بقواعد تدريبية على الأراضي الأردنية، وسيخضعون لبرنامج تدريبي خاص بإشراف أمريكي".
موقف إسرائيلي رافض لوقف الاستيطان
على الجانب الإسرائيلي، كانت المواقف متقاربة خاصة في موضوع تجميد الاستيطان، وقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، أن جدول التخطيط والبناء، مستمر دون أي تغيير، ولن يكون هناك تجميد"، وأضاف "لا يوجد ولن يكون هناك أي تجميد للبناء في المنطقة (ج) بالضفة الغربية".
كما رفض وزراء يمينيون متطرفون في الائتلاف الحاكم نتائج القمة. فغرد وزير مالية حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش على حسابه في تويتر، وكتب "ليس لديّ أي فكرة عما تحدثوا أو لم يتحدثوا عنه في الأردن، لكني أعرف شيئًا واحدًا.. لن يكون هناك تجميد للبناء والتطوير في المستوطنات، ولا حتى ليوم واحد، إنها تحت سلطتي". أما، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فكتب تغريدة، جاء فيها "ما حصل في الأردن، إن حصل، يبقى في الأردن".
السؤال الأساسي.. رمضان والتصعيد
إسرائيليًا، ينظر إلى رمضان خلال السنوات الأخيرة باعتباره لحظةً لإمكانية حدوث انفجار في فلسطين، وذلك نتيجة استمرار الاقتحامات اليهودية للمسجد الأقصى، وزيادة القمع الإسرائيلي خلاله، وبالأخص في مدينة القدس.
تصاعد هذا القلق الإسرائيلي، مع الهجوم الواسع على بلدة حوارة، نتيجة ما يحمله من إمكانية رفع وتيرة التصعيد في الضفة الغربية، فيما تجمع كافة التحليلات، بما فيها الإسرائيلية على أن هناك تراخيًا من قبل جيش الاحتلال في التعامل مع الهجوم، الذي علم به من خلال مواقع التواصل الاجتماعي قبل اندلاعه.
تجمع معظم التحليلات الإسرائيلية، القادمة من نخب أمنية -وبعضها يميني- على أن قمة العقبة مهمة أمنية، مع التقليل من قدرتها على منع العمليات أو "انفجار الأوضاع بالضفة الغربية"، وعن هذا يقول مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق والباحث في معهد القدس للاستراتيجية والأمن يعقوب عميدرور، إن مؤتمر العقبة مهم للتعامل مع الوضع لكنه لن يمنع العمليات القادمة، مقللًا من قدرة السلطة الفلسطينية مع التقليل منها.
وبحسب المعلق العسكري لصحيفة هآرتس الإسرائيلية عاموس هارئيل، فإن اجتماع العقبة، أظهر عدم سيطرة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على الوضع السياسي والدبلوماسي، نتيجة التصريحات التي استمرت في معارضة الاجتماع والتنصل منه، من داخل الحكومة.
ويضيف هارئيل "ناقش البيان الموجز للقمة [العقبة] تعزيز التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. في الوقت الحالي، على الرغم من جهود الوساطة، سيكون من الصعب إطفاء النيران بسرعة في شمال الضفة الغربية". متابعًا القول إن الوضع بالضفة الغربية حساس للغاية والسلطة الفلسطينية ضعيفة، ولا يمكن إيقاف التصعيد الإسرائيلي بشكلٍ سريع، أو إجبار السلطة على ذلك من خلال الضغط الأمريكي.
وتحدث المعلق السياسي لموقع والاه العبري باراك رافيد، عن أن القلق يتزايد مع اقتراب شهر رمضان الذي يصادف عيد الفصح اليهودي، وسط خوف من انهيار السلطة واندلاع انتفاضة الثالثة.
ويصف المعلق العسكري لصحيفة معاريف طال ليف رام، الوضع بالضفة الغربية بالمشتعل فعلًا، معتبرًا أن الوضع ربما هو الأسوأ منذ الانتفاضة الثانية، فيما أشار إلى أنه وفي حال استمرار تصرف الحكومة الإسرائيلية بالطريقة القائمة حاليًا "لن تساعده حتى عشرة اجتماعات أخرى في العقبة وشرم الشيخ على استقرار"، بحسب تعبيره، مع إشارته لانفلات شركاء نتنياهو في الحكم مثل بن غفير وسموتريتش.
وفي تعليقه على أحداث حوارة وقمة العقبة، قال المعلق العسكري في صحيفة يسرائيل هيوم يوآف ليمور، إن أحداث حوارة قد تشعل الضفة الغربية كلها وربما أبعد من الضفة الغربية، كما اعتبر أن التحدي الأساسي أمام قمة العقبة هو عودة التنسيق الأمني وعمل السلطة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، وهو ما يشكك فيه، مختتًا مقاله بالقول: "يبدو أننا في بداية فترة دموية".
بحسب المعلق العسكري لصحيفة هآرتس الإسرائيلية عاموس هارئيل، فإن اجتماع العقبة، أظهر عدم سيطرة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على الوضع السياسي والدبلوماسي
وتوجه الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية عمومًا، يدور حول تكثيف قواته في محيط الجدار، وفي الشوارع الاستيطانية بالضفة الغربية، مع استمرار اقتحامات المدن الفلسطينية، وتنخفض هذه الوتيرة، بعد المجازر الإسرائيلية الكبيرة، سواء في جنين أو في نابلس، لكنها تعود مرةً أخرى في وتيرة متصاعدة، فيما يستمر إرهاب المستوطنين بالتصاعد بالضفة الغربية، مما يشي بأن التصعيد الإسرائيلي القادم سيكون مسألة وقت.