24-أكتوبر-2024
قمة بريكس

ضمّت مجموعة بريكس إلى عضويتها خمس دول جديدة (رويترز)

تستضيف روسيا لليوم الثالث تواليًا قمّة تكتل بريكس، الذي شهد هذا العام انضمام 5 دول إضافية هي مصر والإمارات والسعودية وإيران وإثيوبيا. وبذلك يُصبح التكتل بصيغته الموسَّعة ممثّلًا لنحو 45 % من سكان العالم و25 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتتطلّع مجموعة بريكس في قمتها الجارية، التي تنعقد بعنوان: "بريكس والجنوب العالمي لبناء عالم أفضل بشكل مشترك"، إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول التكتّل لحمايتها من المخاطر والتهديدات الاقتصادية، من جهة، وبحث سبل الشراكة مع دول الجنوب العالمي من جهة ثانية.

ومن هذا المنطلق انصبّ تركيز القمة على تناول ملفات الأمن الغذائي والطاقة، مع التركيز على الأزمات التي تشهدها مناطق مثل الشرق الأوسط والقرن الإفريقي ومنطقة الساحل والصحراء غرب إفريقيا. وذلك في مؤشرٍ على إرادة قادة بريكس اختبار رؤية مجموعتهم في حل الأزمات، وهي رؤية ترتكز أساسًا على "تحسين بنية العلاقات الدولية، عبر تحدي الاحتكار الاقتصادي والسياسي الغربي وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة".

يمثل تكتل بريكس بصيغته الموسعة نحو 45 % من سكان العالم و25 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي

يشار في هذا السياق إلى مشاركة 36 دولة، وقيادات 6 منظمات دولية في فعاليات قمة بريكس السنوية، في مؤشرٍ على تزايد الزخم الذي يحظى به تكتل بريكس الذي تأسس عام 2006 وعقد قمّته الأولى سنة 2009 بعضوية خمس دول هي روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا.

روسيًّا تعدّ استضافة قمة بريكس مكسبًا استراتيجيًا لموسكو في ظل استمرار الحرب على أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا من وراء تلك الحرب، فمنذ عقود لم تستضف روسيا هذا التجمّع الكبير من الرؤساء والزعماء، حيث حضر القمة 24 زعيمًا سياسيًا، نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر: الرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، بالإضافة إلى آبي أحمد رئيس الوزراء في إثيوبيا، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والإماراتي محمد بن زايد آل نهيان. كما يشارك في القمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشينه، وهي دولٌ معنية بتعميق العلاقات مع بريكس.

ماذا على جدول الأعمال

يعدّ موضوع تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي ونظام سويفت لخدمات المراسلة المالية الدولية موضوعًا رئيسيًا بالنسبة لقمة بريكس، وزادت تلك الأهمية أكثر مع إعلان أعضاء في بريكس عن خيبة أملهم في مؤسسات الحوكمة الدولية التي يقودها الغرب، وخاصةً منها تلك الاقتصادية، بعد فرض العقوبات على روسيا 2022، فبالتزامن مع تلك العقوبات ساد قلق في دول الجنوب العالمي أنّ الدول الغربية قد "تستخدم أدوات التمويل العالمي كسلاح ضدّها" متى ما اصطدمت بها.

لكن تزايد الانتقادات الموجهة للغرب لا تعني أن دول الجنوب تريد استبدال الهيمنة الأميركية بأخرى روسية أو صينية. فدول الجنوب تُعبّر من خلال مخاوفها وتحركاتها وتحالفاتها أنها "منفتحة على التحالف مع روسيا والصين من أجل عالم أكثر تنوعا واستقلالًا".

ولا يمكن الوصول إلى هذا الهدف، حسب شركاء بريكس، دون تقليل اعتمادهم على الدولار ونظام "سويفت"، الذي قُطع عن البنوك الروسية في عام 2022.

يشار إلى أنّ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا اقترح العام الماضي عملةً موحدة للتداول بين أعضاء البريكس، لكن هذه الدعم لم تلق التجاوب، بل أعربت الهند عن شكوك حول عدم واقعية العملة الموجة لبريكس.

لكنّ أعضاء التكتل الاقتصادي يبدون استعدادًا للانخراط في استخدام عملاتهم الوطنية بشكل أكبر في التجارة الثنائية لعزلهم عن تقلبات العملة وتقليل اعتمادهم على الدولار.

وبحسب تقييمٍ لمعهد بروكينغز، فإنّ "لدى الصين الآن بديل لنظام الدفع سويفت، على الرغم من محدودية الاستخدام، وتقوم دول مثل تركيا والبرازيل بإعادة هيكلة احتياطياتها من الدولار بشكل متزايد وتحويلها إلى ذهب. كما تعدّ مقايضة العملات بصفقات الطاقة فكرة شائعة، وكلها تشير إلى الرغبة في تحقيق قدر أكبر من الاستقلال المالي عن الغرب".

إخراج بوتين من العزلة

ضرب المعسكر الغربي عزلةً على الرئيس الروسي منذ بدء الحرب في أوكرانيا شباط/فبراير 2022، حيث انخرطت دول غربية عديدة مع الولايات المتحدة في فرض عقوبات على البنوك الروسية ومصافي النفط والصادرات العسكرية، كما طالت العقوبات حلفاء روسيا أيضًا. ووصل الأمر حدّ إصدار مذكرة اعتقال ضد بوتين، الأمر الذي جعل الرئيس الروسي يغيب عن حضور قمة بريكس في جنوب إفريقيا وقمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند العام المنصرم.

وباستضافة بوتين اليوم لقادة أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية يكون قد أحدث خرقًا كبيرًا في جدار العزلة التي ضربها عليه الغرب. فحضور هذا القدر من الرؤساء والزعماء دليل على وجود كثير من الجهات والشركاء الدوليين المستعدين للتفاعل مع روسيا.

وبشأن ملف الحرب على أوكرانيا، يبدو بوتين حريصًا على تحقيق هدفين اثنين، الأول إظهار قدرته على الاستمرار في الحرب لمدة زمنية طويلة، أما الهدف الثاني فهو خوض مسار للسلام في هذا الملف بعيدًا عن الغرب، حيث من المتوقع أن يؤيّد المسار الذي تقوده الهند في هذا الشأن. فالهند عضو مؤسس في بريكس من ناحية وشريك موثوق لدى روسيا من ناحية أخرى.