26-أكتوبر-2024
الأمم المتحدة وإسرائيل

(AFP) نتنياهو يلقي كلمة في الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي

يوشك الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يمنع عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي يمثل وصول العلاقات بين الاحتلال والأمم المتحدة إلى أدنى مستوياته تاريخيًا، حسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وأشارت الصحيفة إلى أن تدهور العلاقات بين الأمم المتحدة وإسرائيل، قد وصل إلى أدنى مستوياته، مع الإقرار الوشيك في الكنيست لمشروع قانون يهدف لوقف عمل "الأونروا" في قطاع غزة والضفة الغربية.

"الأونروا" مثلت هدفًا دائمًا لإسرائيل 

ونوّهت "الغارديان" إلى أن "الأونروا" مثلت هدفًا لإسرائيل حتى ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ورجّحت أن يكون هناك عواقب لـ"احتقار" إسرائيل للأمم المتحدة، لا سيما وأن الاحتلال الإسرائيلي يعد حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة.

مستوى العلاقات بين الأمم المتحدة وإسرائيل وصل إلى أدنى مستوياته، مع الإقرار الوشيك في الكنيست لمشروع قانون يهدف لوقف عمل وكالة "الأونروا" في الضفة الغربية وغزة

وبيّنت الصحيفة أن مسألة كيفية توجيه المساعدات إلى 2.4 مليون شخص في غزة والضفة الغربية ستصبح صعبة للغاية، حيث يسعى أحد مشاريع القوانين الإسرائيلية إلى منع "الأونروا" من العمل داخل الأراضي الفلسطينية، وينص على أن الوكالة "لن تنشئ أي تمثيل أو تقدم أي خدمات أو تجري أي أنشطة داخل أراضي إسرائيل". ومن شأن هذا أن يؤدي إلى إغلاق مقر "الأونروا" في القدس الشرقية، وإنهاء تأشيرات موظفي الأونروا.

ويشكل ذلك خرقًا لأوامر محكمة العدل الدولية، التي تأمر إسرائيل بالتعاون مع الأمم المتحدة بشأن تسليم الإمدادات الإنسانية، ومن المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في غضون ثلاثة أشهر من إقرار مشروع القانون.

وأشارت "الغارديان" إلى أنه على الرغم من الإدانة الدولية الواسعة لمشروع قرار الاحتلال، بما في ذلك سفراء لـ123 دولة من أعضاء الأمم المتحدة، فمن المحتمل أن تكون واشنطن وحدها القادرة على إقناع إسرائيل بإعادة التفكير بالأمر، حيث أصدر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع، لويد أوستن، رسالة مشتركة حذرا فيها من أن "فرض مثل هذه القيود من شأنه أن يدمر الاستجابة الإنسانية في غزة في هذه اللحظة الحرجة، ويحرم عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس من الخدمات التعليمية والاجتماعية الأساسية".

وأشارت "الأونروا" أكثر من مرة إلى أن "الجهود الإسرائيلية المتعاقبة لتقديم المساعدات من خلال طرق بديلة باءت بالفشل"، حيث لا تملك أي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة القدرة على تحمل نطاق عمل "الأونروا".

لكن، وبحسب "الغارديان"، فإن إسرائيل عازمة على تغيير قواعد اللعبة، وهذا يعني عدم التسامح بعد الآن مع ما تراه تدخلًا من جانب الأمم المتحدة في الاختيار بين القانون الدولي والمخاطر التي "تهدد أمن إسرائيل"، إذ يصر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على أن "الصحافة السيئة أفضل من التأبين الجيد".

جذور التوترات بين الأمم المتحدة وإسرائيل أعمق بكثير

تقول "الغارديان" إن جذور التوترات بين الأمم المتحدة وإسرائيل أعمق من ذلك بكثير،  فقد اتهمت إسرائيل لسنوات الأمم المتحدة بأنها "مستنقع لمعاداة السامية". ومنذ عام 1984، قال نتنياهو إنه يعتبر مهمته كسفير لإسرائيل لدى الأمم المتحدة "محاولة لإضاءة شمعة الحقيقة في بيت مظلم".

وفي عام 1987، أعرب الدبلوماسي البريطاني ووكيل الأمين العام السابق للشؤون السياسية الخاصة، برايان أوركهارت،  عن أسفه لأن "تدخل الأمم المتحدة في قضية فلسطين شوه صورة المنظمة، ومزق سمعتها وهيبتها، كما لم تفعل أي دولة أخرى".

وقد تم التطرق إلى أحد الأسباب في تصريح منسوب للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قبل أسبوعين، فقد نُقل عنه قوله إن إسرائيل يجب أن تلتزم بقرارات الأمم المتحدة لأن الأمم المتحدة هي التي أنشأت "دولة إسرائيل"، وذلك أدى لاحقًا إلى حملة إسرائيلية شرسة ضده، حيث توعد الاحتلال بمحاكمته بذريعة منعه الشركات الإسرائيلية من المشاركة في معرض تجاري بحري عسكري في فرنسا.

ودفاعًا عن ماكرون، قال السفير الفرنسي السابق لدى الأمم المتحدة، جيرار أرو، إن رد الفعل على تصريحات الرئيس كان "مدهشًا، لأنه حقيقة لا يمكن إنكارها: فقد أُنشئت دولة إسرائيل بموجب القرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947".

وبيّنت "الغارديان" أن هذا التصور لـ"ميلاد إسرائيل" لم يسر كما أرادت الأمم المتحدة، بل أعطى الهيئة شعورًا خاصًا بالمسؤولية عن تصحيح ما تعتبره العديد من الدول الأعضاء خطأ. وعلى النقيض من ذلك، فإن شعور العديد من الإسرائيليين بالحاجة إلى الامتنان أو حتى الاحترام للأمم المتحدة، أمر مكروه بالنسبة للعديد من الإسرائيليين.

ومنذ ذلك الحين، شعرت الأمم المتحدة الموسعة والمتنامية بعد الاستعمار بمسؤولية تصحيح ما يعتبره العديد من الأعضاء ظلمًا من صنعها. ومع تغيّر تركيبة الأمم المتحدة، وتعمق الحرب الباردة ونمو الحركة المناهضة للاستعمار، تزايدت العداوة تجاه إسرائيل، مما أدى إلى صدور قرار عام 1975 بأغلبية 72 صوتًا مقابل 32 صوتًا، ثم إلغاء إعلان الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية. كما أصبحت الولايات المتحدة ترى الصراع على نحو متزايد باعتباره حكرًا عليها، تاركة الأمم المتحدة متفرجة تمرر اقتراحات انتقادية.

واعتبرت "الغارديان" هذا العام بمثابة "العام الذي حاولت فيه الأمم المتحدة إعادة تأكيد نفسها"، وقد أدى ذلك إلى ما يشبه المواجهة بين مؤسسة عالمية تعتقد أنها تحافظ على السمعة الهشة لحكم القانون الدولي، ودولة تعتقد أنها "محاصرة في معركة وجودية" حيث تشجع الأمم المتحدة مضطهديها.

لقد وجدت محكمة العدل الدولية أن إسرائيل مسؤولة بشكل معقول عن ارتكاب إبادة جماعية في كانون الثاني/يناير الماضي، ثم أعقب ذلك بثلاث مجموعات من الأوامر الإضافية التي وجهت إسرائيل لتقديم المساعدات دون عوائق على نطاق واسع في غزة. وفي تموز/يوليو، أصدرت المحكمة رأيها الاستشاري الخاص بوضع حد للوجود الإسرائيلي غير الشرعي في الأراضي المحتلة، لكن اللافت للنظر، بحسب الصحيفة، أن إسرائيل احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة منذ عام 1967 في انتهاك واضح للقانون الدولي.

وفي 18 أيلول/سبتمبر الماضي، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار محكمة العدل الدولية الذي يقضي بتنفيذ إنهاء الاحتلال في غضون عام، وقاومت إسرائيل ذلك، فحظرت بعض المقررين الخاصين للأمم المتحدة، لكن كانت خطوة جديدة عندما أعلنت "إسرائيل" أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، شخصًا غير مرغوب فيه. حيث لفتت الصحيفة إلى أنه من الأسباب المتراكمة كانت إثارته لغضب إسرائيل "لقوله إن الهجوم في السابع من تشرين الأول/أكتوبر لم يحدث في فراغ، ووصفه للأضرار التي لحقت بغزة بأنها الأسوأ التي رآها في فترة ولايته".

بعد ذلك بأيام، وفي أيلول/سبتمبر، ألقى نتنياهو خطابه السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووصف الأمم المتحدة بأنها "مستنقع من المرارة المعادية للسامية"، والأمم المتحدة التي قادها غوتيريش بأنها "مؤسسة كانت محترمة في السابق، لكنها أصبحت الآن حقيرة في نظر الناس المحترمين في كل مكان"، وقال إن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هو "مجلس حقوق إرهابي".