تستعد كرواتيا لبدء مغامرة كروية جديدة عقب نجاح منتخبها في التأهل إلى مونديال قطر 2022، وبلوغ نهائيات أمجد الكؤوس للمرة السادسة في تاريخه الحديث بعالم الساحرة المستديرة.
خلال فترة ليست بالطويلة أصبحت كرواتيا اسمًا كبيرًا في عالم كرة القدم، وباتت مصنعًا حقيقيًا يُصدر النجوم إلى أكبر الأندية الأوروبية، قصة النجاح هذه بدأت فعليًا عقب مونديال 1998 الذي أبهر خلال الكروات العالم أجمع، بالوصول إلى نصف النهائي، واحتلال المركز الثالث في أول مشاركة لهم بالبطولة.
بعد جيل 1998 صنعت كرواتيا جيلًا آخر أكثر تميزًا، استطاع في مونديال روسيا 2018 أن ينجح حيث أخفق سلفه وبلغ المباراة النهائية، في انجاز غير مسبوق، قبل الخسارة أمام فرنسا والاكتفاء بالمركز الثاني.
صراع كبير مع الروس
أوقعت قرعة التصفيات المؤهلة للمونديال القطري منتخب كرواتيا في المجموعة الثامنة مع نظرائه منتخبات روسيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، قبرص، ومالطة.
كان التنافس بين كرواتيا وروسيا على الظفر بالبطاقة المباشرة إلى النهائيات كبيرًا، غير أن "الفاتريني" بقيادة لوكا مودريتش احتل المركز الأول في نهاية التصفيات، بفارق نقطة وحيدة عن الروس الذين حلوا ثانيًا وتأهلوا إلى الملحق، قبل أن يتم إقصائهم بقرار من الاتحاد الدولي لكرة القدم عقب غزو موسكو لجارتها كييف في شباط/ فبراير 2022.
بداية مُبهرة
خاض المنتخب الكرواتي أول مباراة رسمية له في أيلول/سبتمبر 1996 أمام إستونيا في تصفيات كأس الأمم الأوروبية، قبلها كانت كرواتيا جزء من اتحاد الجمهوريات الشعبية التي كانت تشكل ما يسمى بيوغسلافيا، والذي تفكك عام 1991 إلى 6 دول هي يوغوسلافيا "صربيا لاحقًا"، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، مونتينيغرو، مقدونيا، إضافة إلى كرواتيا التي تم الاعتراف بها رسميًا كدولة مستقلة عام 1992.
في عام الاستقلال تأسس الاتحاد الكرواتي لكرة القدم وانضم مباشرة إلى "فيفا" و "يويفا"، ليبدأ بعد ذلك العمل على تنظيم وهيكلة الأندية من جديد وتأسيس المنتخبات الوطنية بمراحلها المختلفة، الأمر الذي استغرق سنوات قليلة قبل أن تظهر النتائج بمنتخب ضم لاعبين كتبوا السطر الأول من تاريخ الكرة الكرواتية.
نجوم أمثال دافور شوكر، زفونيمير بوبان، ماريو ستانيتش، روبرت بروزينسكي، سلافن بيليتش، روبرت يارني، و إيغور ستيماك، كانوا أساس المنتخب الذي وصل بكرواتيا إلى مونديال فرنسا 1998 تحت قيادة المدرب ميروسلاف بلازيفيتش، ليُسجل أول مشاركة له في نهائيات كأس العالم بعد الاستقلال.
وضعت القرعة منتخب كرواتيا آنذاك في المجموعة الثامنة مع الأرجنتين وجامايكا واليابان، فكانت البداية بالفوز على المنتخب الكاريبي بثلاثة أهداف لواحد، ثم التغلب على "الساموراي" بهدفٍ وحيد، قبل الخسارة أمام "التانغو" بهدف ماوريسيو بينيدا في الجولة الأخيرة من دور المجموعات.
وحلت كرواتيا ثانيًا برصيد 6 نقاط خلف الأرجنتين التي تصدرت بالعلامة الكاملة، وتأهلت إلى دور الـ 16 لتلاقي رومانيا وتهزمها بهدف أحرزه دافور شوكر من علامة الجزاء وذهب ببلاده إلى الدور ربع نهائي في إنجاز قلل البعض من أهميته، معتبرين أن "الفاتريني" حقق انتصاراته على خصوم ليست بالقوة الكبيرة وأن الحظ خدم الكرواتيين بالوصول إلى هذه المرحلة.
عقب صعودها إلى دور الكبار الثمانية اصطدمت كرواتيا بألمانيا بطلة يورو 1996، فجر الكروات مفاجأة كبرى وهزوا شباك أندرياس كوبكه بثلاثية نظيفة، وضعت المنتخب الكرواتي بين كبار أوروبا والعالم من حينها.
كرواتيا ودعت البطولة من الباب الكبير عقب هزيمتها من فرنسا بصعوبة في الدور نصف النهائي بهدفين لواحد، قبل أن تنتزع المركز الثالث بتغلبها على هولندا بهدفي روبرت بروزينسكي ودافور شوكر، الذي نال لقب هداف تلك النسخة برصيد 6 أهداف، مقابل هدف وحيد "للطواحين" أحرزه بودوين زيندن.
في مونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002، قدمت كرواتيا أداءًا جيدًا لكنها لم تستطع مجاراة النسق اللاتيني، وخسرت أمام المكسيك بهدفٍ دون رد وبالنتيجة نفسها أمام الإكوادور، وودعت من الدور الأول رغم فوزها على إيطاليا بهدفين لهدف.
المشاركة في مونديال ألمانيا 2006 كانت الأسوأ بالنسبة للمنتخب الكرواتي، إذ جمع نقطتين فقط واحتل المركز الثالث بعد تعادله مع اليابان (0ـ0)، وأستراليا (2ـ2)، وخسارته من البرازيل بهدفٍ وحيد.
وبعد غيابه عن مونديال جنوب إفريقيا 2010، عاد منتخب كرواتيا لتسجيل ظهوره المونديال الرابع في نهائيات 2014 بالبرازيل، وحينها لم يكن الحال أفضل من سابقه، إذ خسر الكروات مباراتهم الأولى أمام منتخب البلد المضيف بثلاثة أهداف لواحد، ثم جاء الانتصار الكبير على الكاميرون برباعية نظيفة ليُنعش الآمال بالعبور إلى الدور التالي، لكن المكسيك كانت أكثر جاهزية وخطفت النقاط كاملة بفوزها بثلاثة أهداف لواحد لتتأهل رفقة "السيليساو".
الحضور الأبرز لمنتخب كرواتيا كان في مشاركته الأخيرة في مونديال روسيا 2018، جيل ذهبي آخر صنعه المدرب زلاتكو داليتش استطاع إبهار العالم بإنجاز آخر كبير صنعته أقدام لوكا مودريتش، إيفان راكيتيتش، ماريو مانزوكيتش، إيفان بيريسيتش، مارسيلو بروزوفيتش، والحارس دانييل سوباسيتش وغيرهم..
المنتخب الكرواتي اجتاز دور المجموعات بالعلامة الكاملة بفوزه على نيجيريا (2ـ0) والأرجنتين (3ـ0) وأيسلندا (2ـ1)، ليتأهل بالصدارة إلى دور الـ 16 ويتغلب على الدنمارك، في مباراة انتهى وقتها الأصلي بالتعادل بهدفٍ لمثله وحسمت بركلات الترجيح (3ـ2).
في ربع النهائي واجهت كرواتيا مستضيفة البطولة روسيا وكان الحسم لصالح "الناريون" أيضًا بركلات الجزاء الترجيحية (4ـ3)، حيث سيطر التعادل بهدفٍ لهدف على الوقت الأصلي للمباراة، ليتم اللجوء إلى شوطين إضافيين عرف الأول منهما تسجيل دوماغوي هدفًا منح به المنتخب الكرواتي التقدم، قبل أن يعود الروس في الثاني ويُدركون التعادل عبر ماريو فيرنانديز.
بذكريات مونديال 1998 الجميلة في فرنسا، خاضت كرواتيا الدور نصف النهائي أمام إنجلترا وسط ترشيحات كانت أغلبها تصب في صالح منتخب "الأسود الثلاثة" لبلوغ المباراة النهائية، الأمر الذي بدا مع أول خمس دقائق أنه الأقرب للحصول بإحراز المدافع كيران تريبير هدفًا مُبكرًا للإنجليز، غير أن الكروات تمكنوا من تعديل الكفة عبر إيفان بيريسيتش، ثم قلبوا النتيجة لصالحهم في الشوط الإضافي الأول عن طريق القناص ماريو ماندزوكيتش.
وصل المنتخب الكرواتي إلى المباراة النهائية بعد ثلاث مواجهات ماراثونية ليلاقي نظيره الفرنسي القوي جدًا، ويسقط أمامه بأربعة أهداف لهدفين، منهيًا البطولة بالمركز الثاني ويعود إلى دياره كبطل حقيقي أثبت أن الصغير على الخارطة الجغرافية، بمقدوره أن يُصبح كبيرًا في عالم كرة القدم.
أجواء إيجابية
أكد زلاتكو داليتش مرارًا وتكرارًا أن الأجواء داخل المنتخب الكرواتي أكثر من رائعة، في تصريحات أدلاها عقب التأهل إلى نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية، والذي جاء بعد تصدر كرواتيا المجموعة الأولى من المستوى الأول على حساب الدنمارك وفرنسا (حاملة اللقب) والنمسا.
داليتش الذي قاد كرواتيا إلى نهائي النسخة الماضية أشار أيضًا إلى أنه يتطلع للمشاركة في مونديال قطر بأقوى تشكيلة، حيث سيواجه في الدور الأول خصمًا قويًا بقيمة منتخب بلجيكا في المجموعة السادسة التي قد تشهد منافسة كبيرة على الصدارة بين "الفاتريني" و "الشياطين الحمر"، ومن الممكن أن تشهد أيضًا مفاجآت كبيرة نظرًا لوجود منتخبان متطوران يمتلكان عناصر قوية هما المغربي والكندي.
أسماء عديدة من المنتخب الذي صنع "معجزة" 2018 باتت غير موجودة حاليًا في تشكيلة داليتش، بالمقابل لا تزال هناك أسماء أخرى مهمة ستقود كرواتيا في النهائيات العالمية القادمة، أضيف إليها عناصر جديدة تتميز بالمهارة والسرعة والجاهزية البدنية العالية.
خط الوسط الذي كان يخلق الإبداع والتناغم بين صفوف المنتخب الكرواتي لا يزال حاضرًا باستثناء إيفان راكيتيتش المعتزل عن اللعب الدولي في 2020، الخبرة الكبيرة المتمثلة بـ لوكا مودريتش، أفضل لاعب في العالم عام 2018، ومارسيلو بروزوفيتش وماتيو كوفاسيتش، قادرة بالتأكيد على إعطاء قوة مضاعفة للفريق، خصوصًا مع تواجد لاعبين بجودة عالية في الخط الأمامي أمثال إيفان بيريسيتش وأنتي ريبيتش و ماريو باساليتش، بالإضافة إلى خط دفاع ازداد صلابة في الآونة الأخيرة وكان من الأفضل خلال التصفيات بتلقيه 4 أهداف فقط.
بهذه الأسماء فإن كرواتيا قادرة على تخطي الدور الأول، وحظوظها بالذهاب بعيدًا في كأس العالم قائمة بقوة. الأمر الذي يراهن عليه زلاتكو داليتش بشرط تجنب الإصابات وعدم خسارة أي لاعب في الأشهر القليلة القادمة.
