تتجهز فرنسا لخوض معركة مونديالية جديدة عندما تتوجه إلى قطر في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، للدفاع عن لقبها مدججة بأسماء كبيرة في عالم المستديرة تحت قيادة المدرب ديديه ديشامب، الذي سيعمل على تعويض جماهير وعشاق "الديك الأزرق" بعد الخيبة التي أصابتهم في يورو 2020.
في مونديال روسيا 2018 السابق استطاعت فرنسا الظفر باللقب الثاني لها لتصبح سادس بلد يُحقق كأس العالم أكثر من مرة بعد كل من، إيطاليا (4 مرات)، الأوروغواي ( مرتان)، البرازيل (5 مرات)، ألمانيا (4 مرات)، والأرجنتين (مرتان).
تدخل فرنسا مونديال قطر 2022 ضمن أحد المرشحين للتتويج باللقب، رغم الشك الذي خلقه تراجع مستوى المنتخب في نهائيات أمم أوروبا الأخيرة، والتصفيات المؤهلة للنهائيات العالمية، حينما واجه صعوبة كبيرة في الفوز على خصوم بقيمة أوكرانيا والبوسنة.
بداية حملة الدفاع عن اللقب
استهلت فرنسا مشوار الدفاع عن لقبها في التصفيات الأوروبية بعدما جاءت بالمجموعة الرابعة رفقة أوكرانيا، وفنلندا، والبوسنة والهرسك، وكازاخستان، حيث أنجزت المهمة بـ 5 انتصارات وثلاث تعادلات دون أن تتكبد أي هزيمة.
جمعت فرنسا مع نهاية التصفيات 18 نقطة تصدرت بها الترتيب بفارق 6 نقاط عن أوكرانيا التي تأهلت إلى الملحق لكنها فشلت في بلوغ العرس الكروي العالمي عقب خسارتها أمام ويلز، وحلت فنلندا ثانيا بـ 11 نقطة، والبوسنة والهرسك ثالثا بـ 7 نقاط، وكازاخستان أخيرا بـ 3 نقاط فقط.
تاريخ الديوك المونديالي
سبق لفرنسا أن شاركت في 15 نسخة من نهائيات كأس العالم بداية من المونديال الأول عام 1930 في الأوروغواي وحتى الأخير في روسيا 2018، ولم تغب شمسها عن النهائيات العالمية سوى في ست مناسبات أعوام 1950، 1962، 1970، 1974، 1990، 1994.
تاريخ فرنسا في كأس العالم شهد الكثير من اللحظات العظيمة، لكنه أيضا حوى بعض الكبوات، إذ شهدت مشاركتها الأولى خروجها من الدور الأول بعد أن جاءت في المركز الثالث في المجموعة الأولى التي ضمت الأرجنتين، تشيلي والمكسيك.
وفي مونديال إيطاليا 1934 واصلت فرنسا الإخفاق وودعت البطولة على يد النمسا من الدور الأول أيضًا، حيث كانت البطولة وقتها تلعب بنظام خروج المغلوب من بدايتها، وعندما استضافت نهائيات 1938 على أراضيها نجحت في التأهل إلى الدور الثاني لأول مرة في تاريخها بعد الفوز على بلجيكا بثلاثة أهدافٍ لواحد، لكنها اصطدمت بإيطاليا حاملة اللقب وبطلة تلك النسخة أيضًا وخسرت بنفس النتيجة وخرجت من المنافسات.
وبعد غيابها عن مونديال البرازيل، سجلت فرنسا أول حضور قوي لها وكان في نسخة السويد 1958، حين وصلت إلى الدور نصف نهائي قبل أن تخسر من البرازيل بخمسة أهداف لاثنين وتحتل المركز الثالث، بفوزها على ألمانيا الغربية بستة أهداف لثلاثة.
ما بين عامي 1962 و1974، تأهل المنتخب الفرنسي مرة واحدة إلى نهائيات كأس العالم وذلك في مونديال إنجلترا، حيث كان الحضور الأزرق ضعيفًا جدًا، وهو ما أدى إلى خروجه من الدور الأول بعد هزيمتين أمام الإنجليز (0ـ2)، والأوروغواي (1ـ2)، وتعادل جاء مع المكسيك (1ـ1).
بلغت فرنسا نهائيات النسخة الحادية عشر من بطولة كأس العالم والتي أقيمت على الأراضي الأرجنتينية في عام 1978، وقدمت أداءً آخر سلبيًا انتهى بخروجها من الدور الأول أيضًا، إذ حققت انتصارًا واحدًا على المجر بثلاثة أهداف لواحد، وخسرت أمام إيطاليا بهدفين لواحد، وأمام الأرجنتين المستضيفة بنفس النتيجة.
وعقب كل هذه السنين العجاف، وصلت فرنسا إلى مونديال إيطاليا 1982 بمنتخب قوي يقوده الأسطورة ميشيل بلاتيني، حينها استطاع "الديوك" التأهل إلى نصف النهائي وملاقاة ألمانيا الغربية في مباراة دراماتيكية انتهت بفوز "المانشافت" بركلات الترجيح (4ـ5) بعد نهاية الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل بثلاثة أهداف لمثلهما.
المنتخب الفرنسي ظهر بقوة في مونديال المكسيك 1986 وبلغ الدور نصف نهائي للمرة الثانية على التوالي، غير أن الحظ العاثر لزملاء بلاتيني أوقعهم مرة أخرى أمام ألمانيا التي انتصرت بهدفين نظيفين وأكملت طريقها إلى النهائي، قبل أن تواجه الأرجنتين ونجمها دييغو أرماندو مارادونا وتنهزم أمامها بثلاثة أهداف لاثنين.
شمس فرنسا أفلت عن مونديالي 1990 و1994، لتعود وتُشارك في نهائيات 1998 بصفتها البلد المستضيف للبطولة، في ذلك الوقت لم يكن المنتخب الفرنسي من ضمن الكبار المرشحين لنيل اللقب، مع وجود منتخبات بقيمة البرازيل بطلة النسخة السابقة، ووصيفتها إيطاليا، إلى جانب ألمانيا والأرجنتين وهولندا.
منتخب فرنسا تحت إشراف المدرب إيميه جاكيه صنع الحدث الأكبر ونجح في تجاوز جنوب إفريقيا (3ـ0)، السعودية (4ـ0)، الدنمارك (2ـ1)، باراغواي بالهدف الذهبي(1ـ0)، إيطاليا (بركلات الترجيح)، وكرواتيا في نصف النهائي (2ـ1)، ليصل إلى المباراة النهائية ويتمكن "الديوك" من التلاعب بالبرازيل، وهزيمتهم بثلاثة أهداف نظيفة على ستاد دو فرانس، في ليلة ظهر فيها زين الدين زيدان وسجل هدفين برأسيتين خالدتين في ذاكرة الفرنسيين حتى يومنا هذا، فيما أضاف إيمانويل بيتي الثالث.
حاملة اللقب حطت في مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان بترشيحات فوق العادة للفوز بالكأس الذهبية، خصوصًا بعد تتويجها ببطولة أمم أوروبا عام 2000 بهدف ذهبي لدافيد تريزيغيه، لكن الصدمة كانت أكبر من المتوقع، إذ ودع البطل من الدور الأول بعد أن تلقى هزيمتين وفشل في تسجيل أي هدف، حدث ذلك أمام السنغال (0ـ1)، والدنمارك (0ـ2)، وتعادل وحيد مع أوروغواي (0ـ0).
وفي مونديال 2006 الذي مثل المحطة الأخيرة للنجم زين الدين زيدان، قدم المنتخب الفرنسي أداءً مميزًا بلغ به الدور النهائي، وواجه نظيره الإيطالي في مباراة انتهت بالتعادل الإيجابي بهدفٍ لمثله وحسمت بركلات الترجيح (3ـ5) لصالح الطليان الذين توّجوا بلقبهم الرابع والأخير.
فرنسا خيبت الآمال مرة أخرى في مونديال 2010 بجنوب إفريقيا وودعت المنافسات من الدور الأول، وفي مونديال البرازيل 2014 تأهلت بدماء جديدة إلى الدور ربع النهائي قبل أن تخرج على يد العقدة التاريخية ألمانيا بهدفٍ دون رد.
تحت قيادة ديديه ديشامب الفائز بكأس العالم قبل 20 عامًا، شاركت فرنسا في مونديال روسيا 2018 بتشكيلة قوية، تضم أكثر من لاعب مميز في نفس المركز، أمثال بول بوغبا، كريم بنزيما، بليز ماتويدي، أنطوان غريزمان، كليان مبابي، نغولو كانتي، رافائيل فاران، وغيرهم.
وتمكنت فرنسا بأداء متصاعد من نيل اللقب الثاني لها إثر تغلبها على أستراليا (2ـ1)، والبيرو (1ـ0)، وتعادلها مع الدنمارك (0ـ0) في دور المجموعات، ثم تغلبت على الأرجنتين في دور الـ 16 (4ـ3)، والأوروغواي في دور ربع النهائي (2ـ0)، وبلجيكا في نصف نهائي (1ـ0)، قبل أن تلاقي كرواتيا وتنتصر عليها بأربعة أهداف لاثنين في المباراة النهائية.
لأجل كأس ثالثة
تدافع فرنسا عن لقبها في مونديال قطر 2022 بمنتخب يمتلك كل مقومات الفوز وأمام أعتى الخصوم، فتشكيلة ديشامب تتمتع بتعدد الخيارات الهجومية والدفاعية والمحور، وما يميزها أيضًا توفر عناصر الخبرة المتمثلة بلاعبين أبرزهم بنزيما وفاران وبوغبا "الذي تحوم شكوك كثيرة حول مشاركته بسبب الإصابة"، إلى جانب وجودة الشباب أمثال مبابي وكافامينغا وتشواميني وعثمان ديمبيلي.
لدى ديشامب القدرة على لعب كل مباراة بتشكيلة مختلفة، لكن هذا يضعه أيضًا في حيرة كبيرة لإيجاد الشكل النهائي الذي سيخوض به غمار نهائيات كأس العالم، في مجموعة تستطيع فرنسا تجاوزها دون مشاكل إذا ما عرفت كيف تجتاز عقبة الدنمارك، والتي عانى الأزرق كثيرا أمامها في السنوات الماضية.
أما أستراليا وتونس فمن غير المنتظر أن تواجه فرنسا صعوبة في التغلب عليهما في المستطيل الأخضر، نظرًا للفوارق الكبيرة بينهم، غير أن كرة القدم عادة لا تعترف بهذا وكثيرا ما تكرر مشهد سقوط الكبار أمام الصغار في كرة القدم، والمنتخب الفرنسي ذاق من هذا الكأس في مرات سابقة.
مسألة التأهل عن المجموعة الرابعة إلى دور الـ 16 تكاد تكون محسوبة بالنسبة للفرنسيين، ويبقى الرهان على مدى قدرة منتخب ديشامب على المضي قدما نحو الكأس الذهبية الثالثة، واستغلال التشكيلة المتوفرة عنده من اللاعبين لتخطي خصوم أقوياء، تنتظرهم الملاعب القطرية بداية من 20 تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى 18 كانون الأول/ ديسمبر من العام الحالي.
