في الوقت الذي تحولت فيه القارة الأوروبية إلى البؤرة الأولى على مستوى العالم في تفشي وباء كورونا وفق منظمة الصحة العالمية، لا يبدو أن القادة الأوروبيين قد استطاعوا أن يطوروا استجابة تتناسب مع مستوى التنسيق المأمول، بعد ما يقارب السبعين عامًا من تأسيس اتحادهم، وهو ما تجلى في جملة الإجراءات والتصريحات غير المتناغمة فيما بينهم، أمام التحدي الجديد.
في الوقت الذي تحولت فيه القارة الأوروبية إلى البؤرة الأولى على مستوى العالم في تفشي وباء كورونا، لا يبدو أن القادة الأوروبيين قد استطاعوا أن يطوروا استجابة تتناسب مع مستوى التنسيق المأمول
وعليه، تمكن قراءة تصريحات كل من أنجيلا ميركل وبوريس جونسون وإيمانويل ماركون، إلى جانب تعامل الحكومة الإيطالية مع الأزمة، والانطلاق منها لقراءة دلالات الحلف الأوروبي على أكثر من صعيد، وخصوصًا على الصعيد الصحي اليوم.
اقرأ/ي أيضًا: "فيروس كورونا".. لهذه الأسباب انتشر الوباء في إيطاليا
بوريس جونسون يؤكد الطلاق
بدأ جونسون خطابه الموجه إلى البريطانيين، بأن طلب منهم توديع أحبتهم، قبل أن تتكشف موهبته في الحديث عن اعتماد سياسة "مناعة القطيع"، بكل ما تحمله هذه "السياسة" من احتمالات الموت لشريحة من هؤلاء "الأحبة". مستندًا إلى آراء تؤكد حتمية إصابة 70-80% من الشعب البريطاني بالفيروس، ومعتمدًا على منطق إدارة الأزمة بدلًا من الحد منها أو تخفيفها ما أمكن، على عكس الإجراءات التي تم اعتمادها على الضفة الأخرى من بحر المانش. والحال أن "سياسة" جونسون بما تحمله من مغامرة بأرواح الكثيرين تبدو "طبيعية"، بالنظر إلى أن "المغامرة" تكاد تكون لب السياسة البريطانية اليوم.
يكتمل المشهد الهزلي بعد أن احتج رئيس الوزراء البريطاني على طلب "الاتحاد الأوروبي" إرجاء المفاوضات حول بريكست إلى أن تتضح أبعاد الوباء في المرحلة المقبلة، ويأتي إصراره على هذه النقطة نتيجة تعهده في وقت سابق أمام ناخبيه باستكمال إجراءات الخروج من الاتحاد مع نهاية العام الحالي.
ميركل على "غير عادتها"
صدمت ميركل الألمان بـ "شفافيتها" ووضوحها، بالقول إن 60-80% من الألمان سوف يصابون بالفيروس. وإذا كانت السياسة اللاحقة لهذا التصريح مختلفة عن سياسة جونسون، فإنهما يلتقيان في مكان ما أيضًا. ومما صعد أجواء الصدمة التي أعقبت هذا التصريح، اتخاذ السلطات الألمانية قرارًا بإغلاق الحدود مع جيرانها الأوربيين دون سابق إنذار ودون سابق تنسيق، الأمر الذي استدعى جملة من الإدانات والتنديد من عدد من قادة الدول الأوروبية، وهم أشد الحلفاء لألمانيا قربًا، مثل فرنسا وإيطاليا (رغم أن هذه الأخيرة ليست لديها حدود مشتركة مع ألمانيا).
ماكرون وازدواجية المعايير
على الرغم من أن المشهد كان شديد الوضوح من ناحية أن الوضع في فرنسا يسير على ذات الإيقاع الذي تسير عليه جارتها إيطاليا، إلا أن الرئيس الفرنسي قد أصرّ على إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر، والذي أدى إلى انخفاض نسبة المشاركة في هذه الانتخابات بالمقارنة مع الدورة السابقة في 2014، وليوقع البلاد في أزمة دستورية نتيجة اضطرارها لتأجيل الدور الثاني من الانتخابات، ما أدى إلى جملة من الاحتجاجات والاستنكار من قبل القوى السياسية التي شاركت في الانتخابات، سواء الرابحة منها أو الخاسرة.
ومما يزيد المشهد السياسي تعقيدًا في فرنسا، هو أن الرئيس الفرنسي قد استغل هذه الأزمة في وقت سابق، من أجل تمرير القانون الخاص بالتقاعد، مستندًا إلى مادة دستورية تتيح للسلطة التنفيذية تمرير قانون دون عرضه على مجلس النواب، ليقوم بتعليقه مرة أخرى تحت ضغط القوى السياسية.
هذه الخفة السياسية في معالجة الأزمة قابلها الشعب الفرنسي بمزيد من الخفة، من خلال إصراره على استثمار الأجواء المشمسة على ضفاف نهر السين، مما دفع الرئيس الفرنسي إلى إعلان الحرب ضد الفيروس دون أن يدرج الإجراءات الجديدة تحت مسمى "الحجر العام"، وموضوعيًا، صارت فرنسا منطقة محمية مثل إيطاليا.
الدرس الإيطالي
قبل الدخول في تفاصيل الوضع الحالي في إيطاليا بعد إعلانها منطقة محمية على لسان رئيس الوزراء جوزيبي كونتي، لا بد من القول إن هذا الإجراء قد تأخر، فقد كان واضحًا منذ شباط/فبراير الفائت أن إيطاليا هي بؤرة العدوى الأولى في أوروبا والنقطة الساخنة الثانية على هذا الصعيد في العالم بعد الصين. وطبعًا في ظل خطورة واستمرار تفشي الفيروس بقوة، نسبيًا، بين الإيطاليين.
أغلقت المدارس والجامعات كإجراء أولي، وأغلقت المطاعم والحانات بعد السادسة مساء، ثم ازداد عدد المصابين بالفيروس بشكل هستيري خلال يوم واحد، بما يعادل أسبوع في الفترة السابقة، فكان أن أعلن كونتي إيطاليا منطقة محمية.
اقرأ/ي أيضًا: فيروس كورونا.. من "مهزلة" الدولة المركزية إلى بروبغاندا اليمين الشعبوي
وقد أبدى مسؤولون إيطاليون امتعاضهم وانزعاجهم من طريقة تعاطي حلفائهم في الاتحاد الأوروبي مع بلدهم وأزمته، بدءًا من استنكاف ألمانيا وفرنسا عن دعمها بالمعدات الطبية وخصوصًا الكمامات، وصولًا إلى إغلاق الحدود دون سابق تحذير أو تنسيق. والمفارقة هنا، أن المساعدة والدعم لبلد عضو في ائتلاف الديمقراطيات الأوروبية، جاءا من الصين، عبر استعداد الأخيرة لإرسال عدد كبير من الكمامات إلى الإيطاليين، بعد ان أرسلت وفدًا من الخبراء والأطباء على متن طائرة خاصة لمكافحة الفيروس في إيطاليا.
المساعدة والدعم لبلد عضو في ائتلاف الديمقراطيات الأوروبية، جاءا من الصين، عبر استعداد الأخيرة لإرسال عدد كبير من الكمامات إلى الإيطاليين
لا يبدو أن المراقب يجانب الصواب عندما يتلمس أبعاد الاستثمار السياسي للأزمة الصحية العالمية، نتيجة إعلان قادة الاتحاد الأوروبي إغلاق الحدود الخارجية للاتحاد، مما يتيح لهم الفرصة للخلاص من أزمة المهاجرين العالقين على حدود اليونان، أو ممن قرروا امتطاء عباب البحر قاصدين القارة الأوروبية. في أزمة اللاجئين عينها، قد يكون المثال على الاستثمار السياسي، وإن بطريقة تفاعل معها الناشطون بسخرية، ما تجلى في إعلان نظام كالنظام السوري بأن بلده خالٍ من أي حالة إصابة بالفيروس، منتهزًا الفرصة لتوجيه دعوة للاجئين في أوروبا للعودة إلى "حضن الوطن"، في إشارة إلى مناطق سيطرة النظام، "الخالية من الفيروسات" حسب ما يزعم.
اقرأ/ي أيضًا:
السفر والطعام والجنس والحمل.. أهم 7 أسئلة عن كورونا والحياة اليومية