لم يعد خافيًا، أو من باب التكهنات فقط، أن اليمين المتطرف يصعد ويسود تدريجيًا في أوروبا، فها هو فيكتور أوربان، أكثر اليمينيين الأوروبيين تطرفًا، يفوز للمرة الثالثة على التوالي برئاسة الوزراء في المجر/هنغاريا، على أكتاف خطاب صريح في معاداته للغير، وتشدده إزاء الهجرة واللجوء. الأمر الذي يرى الكثيرون أنه يمثل تهديدًا حقيقيًا للاتحاد الأوروبي، كما يشير مقال لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، يحلل طبيعة التهديد المتمثل في أوربان، ننقل لكم هنا مترجمًا بتصرف.
فاز رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان بولاية ثالثة في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي. وقد كان متوقعًا على نطاق واسع أن يحصد حزبه اليميني المناهض للهجرة، حزب فيديس، العدد الكافي من المقاعد ليضمن لأوربان "تفويضًا" جديدًا.
فاز زعيم اليمين المتطرف المجري، فيكتور أوربان، برئاسة الوزراء للمرة الثالثة على التوالي، ضامنًا تفويضًا لخطابه المعادي للهجرة
أوربان الذي يعتلي رأس السلطة في المجر منذ 2010، ويعد صاحب ثاني أطول فترة حكم في أوروبا بعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أُعلن فوز ائتلافه الحاكم بأغلبية الثلثين، بزيادة مقعد واحد عن الانتخابات السابقة، ما يعني فوز خطابه الشعبوي للمرة الثالثة على التوالي. وقد قدّم أوربان نفسه في هذه الانتخابات باعتباره "منقذًا للثقافة المسيحية في مواجهة الهجرة العربية والإسلامية".
اقرأ/ي أيضًا: "أوروبا الجديدة" التي تكره اللاجئين
يصف أوربان، 54 عامًا، نفسه في الوقت الحالي بأنه "ديمقراطي غير ليبرالي" و"شعبوي جاء بأغلبية انتخابية، منحازٌ لمصالح وتقاليد وثقافة بلاده". ولم يأت زعيم أوروبي منذ عام 2015، أكثر تشددًا في معارضة الهجرة واللاجئين أكثر من أوربان، والذي أصابه الهلع من الإسلام وما يعتبره تهديد منه للهوية المسيحية الأوروبية، وهو ما وجد صدى كبير لدى أوساط اليمين المتطرف في القارة الأوروبية، كما كان مؤشرًا لوصول شخصية ديماغوغية مثيرة للانقسامات، إلى البيت الأبيض، أي الرئيس دونالد ترامب.
وأشاد رئيس الوزراء النمساوي الجديد، سيباستيان كورتس، والذي تبوأ السلطة بتحالفه مع اليمين المتطرف في البلاد، بموقف أوربان المتشدد تجاه الهجرة. وربما قد استعان ترامب ببعض ما يحويه قاموس أوربان عندما ألقى خطابه المدوي عن "الدم والأرض" العام الماضي في بولندا. كما أشاد ستيف بانون، صاحب الفكر اليميني المتطرف، ومستشار ترامب السابق، بأوربان، خلال جولة أوروبية قام بها هذا العام، ووصفه بـ"البطل الحقيقي"، و"الرجل الأكثر أهمية في المشهد الأوروبي".
وفي مقال سابق بصحيفة واشنطن بوست، جاء فيه: "يُعرض تحدي أوربان، الاتحاد الأوروبي إلى تهديد مختلف تمامًا عن ذلك الذي واجهته أوروبا عام 2016، عندما صوتت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، واحتدمت التكهنات عمن سيكون التالي". وأضاف المقال: "قد يكون الأمر أكثر خطورة من ذلك، فهو تحدٍّ يُعرض طبيعة الاتحاد الأوروبي للخطر".
يرى منتقدي أوربان أنه مستبد ليّن. إذ تبتعد المجر تحت حكمه عن الديكتاتورية المطلقة، لكن ديمقراطيتها تختلف في نفس الوقت بشكل واضح عن شركائها في الاتحاد الأوروبي. ويشير المعارضين إلى طبقة جديدة من الرأسماليين المقربين الذين استطاعوا ترسيخ إقطاعيات بمباركة رئيس الوزراء.
منذ سنوات لم يأت زعيم أوروبي أكثر تشددًا تجاه اللاجئين مثل أوربان الذي يقدم نفسه "منقذًا للثقافة المسيحية" من المهاجرين واللاجئين
فحكومة أوربان، تمارس سيطرةً كاملة على القضاء والإعلام. وقد أعاد صياغة النظام الانتخابي للبلاد لصالحه بشكل جزئي، من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية بطريقة تصب في صالحه، ومنح الجنسية المجرية لذوي الأصول المجرية في الخارج. والذين يفضلون معظمهم حزب فيديس. كما تُقلص حكومته المساحة المتاحة لمنظمات المجتمع المدني، وتكثف الجهود لاستهداف المنظمات غير الحكومية، وغيرها من المؤسسات الأخرى التي لا تتفق سياساتها أو أعمالها مع مصلحة الحزب الحاكم.
اقرأ/ي أيضًا: هل يكون 2018 عام الثورة المضادة على مكتسبات انتفاضة 1968 في أوروبا؟
وشبّهت الكاتبة ليلي باير، من صحيفة "بوليتيكو"، فترة حكم أوربان بحكم الحزب الشيوعي السابق. وقالت: "عندما يتعلق الأمر بالممارسات العملية للحكم وتأمين الدعم، فكل من أوربان ونظرائه البولنديين قد نشروا منهجًا بملامح حكم أبوية، وقسوة وتسلط، وهوس بالأعداء الخارجيين، وحتى الخطابات الطبقية التي يلقونها، تذكرنا بأسلافهم المستبدين".
ولكن على الأقل حتى هذه اللحظة، تبدو تلك الإستراتيجية ناجحة. فها هو أوربان يدق طبول بزوغ اليمين الشعبوي المتطرف، كما يحتفظ بمقعد في بروكسل، عاصمة برلمان الاتحاد الأوروبي، وحلفاء أقوياء في جميع أنحاء أوروبا.
أسلوبه الخاص يأخذ شكل حرب ثقافية مسلحة، ترتكز على سردية عاطفية عن التضحية والفداء المجري. إنه يريد تشكيل "دولة عظيمة" من جديد، بعد قرون من الخضوع والإذلال على يد العثمانيين، والمنتصرين في الحرب العالمية الأولى، والاتحاد السوفييتي، والقوى العدوانية التي تهدد الغرب في الوقت الراهن، على حد ما يجيء في خطاباته.
وقال أوربان في تجمع حاشد لأكثر من 100 ألف شخص في وسط بودابست، الشهر الماضي: "لقد انتصرنا على السلطان مع جيشه، وتغلبنا على قيصر هابسبورغ وجنوده، وصمدنا أمام السوفييت ورفاقهم". ثم أضاف: "والآن، سوف نتغلب على العم جورج"، في إشارة إلى الممول الأمريكي اليهودي، جورج سوروس، والذي يصفه أوربان بأنه "أساس فساد سياسة البلاد"، وأنه "صاحب الأيادي الخفية التي تتحكم في المشهد من الخلف، والذي يمول الأعداء الذين يرغبون في إغراق البلاد بالمهاجرين وتضليل الناس".
وبخطاب شعبوي تقليدي من حيث استناده إلى الهوس بالمؤامرة وأعداء الخارج، قال أوربان: "إن خصومنا يصارعون ويقاتلون ويوجهون الضربات"، مُضيفًا: "ولكننا سننتقم بعد الانتخابات بكل تأكيد. سننتقم الانتقام الأخلاقي والسياسي والقانوني".
أكثر ما يزعج بعض المراقبين في الاتحاد الأوروبي، أن أوربان يُنظم مثل هذه الحملات، ويلقي بمثل هذه الخطابات، بينما يغترف من عمق البئر الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. فقد تلقت المجر عام 2016 قرابة 5.5 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي، في مقابل مساهمة قدرها 1.2 مليار دولار فقط.
وقد ساعدت المعونات والمساعدات الضخمة التي تلقاها أوربان من الاتحاد الأوروبي بصفته رئيسًا لوزراء المجر، على تمويل برامج عمل عامة ضخمة، وتخفيض معدلات البطالة، ما صب في مصلحة سمعة عهده بوضوح.
وقد صرح بيتر كريكو، المدير التنفيذي لشركة بوليتيكال كابيتال للدراسات السياسية، ومقرها بودابست، لواشنطن بوست، بأن "أوربان يشن معركة التحرر ضد الاتحاد الأوروبي بأموال الاتحاد الأوروبي الضخمة"، مُضيفًا: "إذا كان لينين قد قال: سوف يبيع لنا الرأسماليون الحبل الذي سنشنقهم به، فإن الاتحاد الأوروبي في حالة أوربان لا يبيع شيئًا، إنه يمنحه دون مقابل".
وفي غضون ذلك، يمنح موقع حزب فيدس، داخل ائتلاف حزب الشعب الأوروبي، والذي يُعد تحالفًا قويًا ليمين الوسط داخل البرلمان الأوروبي، درجةً من التغطية السياسية. وباستطاعة أوربان أن يطلب دعم السياسيين البارزين في دول أوروبا الغربية، بما في ذلك بعض الشخصيات القيادية بحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي، الحليف لحزب ميركل، والذي يتشاطر كراهية المهاجرين مع أوربان. ويقول المنتقدون إن هذا الدعم المؤسسي هو ما منع الاتحاد الأوروبي من اتخاذ موقف موحد أكثر تشددًا مع المجر.
كتب جان فيرنر مولر، عالم السياسة بجامعة برينستون، مقالًا لمجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس، قال فيها: "لا يدل نجاح أوربان على مر السنين على أن جناح اليمين الشعبوي قوةً لا يمكن إيقافها"، موضحًا: "بل استطاع تحقيق انتصاراته من خلال الاستغلال السياسي للسياسيين الأوروبيين من جناح يمين الوسط، والذين يرفضون النأي بأنفسهم بعيدًا عما هو في حقيقة الأمر حكومة قومية بيضاء".
استطاع أوربان تحقيق انتصاراته في المجر بالاستغلال السياسي لتيار يمين الوسط بالاتحاد الأوروبي والذي شكل غطاءً سياسيًا لتطرف أوربان
ويحذر منتقدو أوربان من أن العزف على أوتار الشعبوية يدفع ببلاده إلى مسار محفوف بالخطر، فقد كتب تشارلز غاتي، الأستاذ بكلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية: "يبدو أن أوربان يقتدي بنموذج نظام ميكلوش هورتي البائد للمجر خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، والذي تميز بدكتاتورية ناعمة تتحدى الأعداء الخارجيين الحقيقيين والمتخيلين للبلاد، والتي نشدت الفخر المجري في بادئ الأمر". وأضاف: "إلا أنه ترك البلاد في ذل ودمار في نهاية الحرب العالمية الثانية".
اقرأ/ي أيضًا: