في البداية كنت أهيئ نفسي للردّ على تقرير عاصف الخالدي في مقاله المنشور في موقع "حفريات"، بتاريخ 25 تموز/يوليو الماضي، بعنوان: "مصير الانقراض يهدّد الكتب الورقية في عصر الرقمنة"، لكنني مع قراءة المقال بشكل كامل وجدت أنني أتفق معه ببعض الأمور، لولا أنه ختم مقاله برومانسية مفرطة من قبيل رائحة الأوراق الصفراء للكتب الورقية.
"أنقذوا الكتب". كانت تلك صيحةَ الشاعر المكسيكي العظيم أوكتافيو باث في معرض فرانكفورت للكتاب عام 1996، وكان الكتاب الرقمي يحتل وقتها 32% من مساحة المعرض
أنا فتاة عملية بعض الشيء، وربما من باب خبرتي بالعمل بالكتب الإلكترونية والصوتية، أتكلم بهذا الشكل، فأُولئِكَ الذين يتذرعون برائحة الكتب وملمسها الخشن على أصابعهم يضيّعون على نفسهم الكثير، يضيّعون على نفسهم تلك الأوقات التي لا يصطحبون فيها الكتاب المناسب في الوقت المناسب، أو لم تتسع حقيبتهم له فجلسوا مكتوفي الأيدي عندما امتلكوا الوقت الكافي للقراءة؟
اقرأ/ي أيضًا: فصل المقال في ما بين القارئ والكاتب من الاتصال
لهذا أقول إن الكتاب الإلكتروني بات مصباح علاء الدين لمن يجتهد حتى لا يخسر الوقت مثلي، فالوقت أغلى ما أملك، حسب رأيي.
بدأ الخالدي تحقيقه باقتباس ذي وزن وقادر على جعل الجميع يؤيده ويقف في صفه لحماية الكتاب الورقي من اجتاح الرقمي.
"أنقذوا الكتب". كانت تلك صيحةَ الشاعر المكسيكي العظيم أوكتافيو باث في معرض فرانكفورت للكتاب عام 1996، وآنذاك، كان الكتاب الرقمي يحتل 32% من مساحة المعرض.
لكن هل فعلًا نحن بحاجة لتحشيد الجماهير لحماية الكتاب الورقي من هجوم الرقمي؟ برأيي هذا هو السؤال لكن قبل الإجابة على هذا السؤال هنالك سؤال آخر أراه أكثر إلحاحًا من وجهة نظري لتصبح الرؤيا أوضح لهذا الجمهور الذي يحاول أن يحتج مع عاصف الخالدي.
تقول مارغريت روس في موقع "techtarget" إن الكتاب الإلكتروني هو: نسخة إلكترونية من الكتاب الورقي التقليدي المطبوع، الذي تمكن قراءته باستخدام الأجهزة الإلكترونية مثل جهاز الحاسوب الشخصي أو باستخدام قارئ خاص للكتب الإلكترونية، ويمكن أن يكون برنامج القراءة للكتب الإلكترونية تطبيقًا مبرمجًا للكمبيوترات مثل تطبيق قارئ المجاني، أو جهاز كمبيوتر بحجم كتاب يستخدم كجهاز قراءة فقط، ويمكن للمستخدمين شراء كتاب إلكتروني على قرص مضغوط، لكن الطريقة الأكثر شيوعًا للحصول على كتاب إلكتروني هي شراء ملف قابل للتنزيل من الكتاب الإلكتروني من موقع ويب، لتتم قراءته من جهاز كمبيوتر المستخدم أو جهاز القراءة. وبشكل عام، يمكن تنزيل كتاب إلكتروني خلال خمس دقائق أو أقل.
برأيي هذا التعريف مع أنه قديم بعض الشيء أقرب التعاريف للكتاب الإلكتروني أو ما يسمى "Ebook"، ولن أقول لكم عودوا إلى مرجعنا الأول عربيًا "ويكيبيديا" حيث تعريفه يخبرنا أنه: "الكتاب الإلكتروني هو كتاب لا يوجد له مثيل ورقي". ربما كان هذا صحيحًا في أول ظهور الكتاب الإلكتروني، ولا تزال أمازون تنشر الكتب إلكترونيًا من باب اكتشاف المواهب، ثم تنشره ورقيًا في حال حقق جماهيرية.
ما أريد أن أقول هو أن الكتاب الإلكتروني برمجية ذات وزن خفيف عند رفعها عبر الإنترنت، تم تخليقها من النسخة الإلكترونية للكتاب الورقي والتي تم استقاؤها بصيغة Word أو InDesign، تم الحصول عليها من صاحب الحقوق مباشرة إلى الناشر الإلكتروني ليقوم بنشرها غالبًا مقابل مبلغ مالي.
هذا هو التعريف الحرفي لما تقوم به شركات الكتب الإلكترونية، أما مفهوم الكتاب الإلكتروني كصورة منسوخة عبر جهاز Scanner للكتاب الورقي، كان أول من بدأها كمتطوع للمعرفة في عالمنا العربي شخص يدعى علي مولا.
هل علينا أن نقف في وجه التقدم ونصرخ بشعارات رنانة مثل رائحة الورق وملمسها وتجارب القراءة الورقية التي لن أتخلى عنها؟
الصورة المنسوخة عن الكتب الورقية التي تملأ الإنترنت ليست كتابًا إلكترونيًا حيث إن الاختلافات لا تعد ولا تحصى، فالكتاب بصيغة الـPDF، كما سأسميه لأنني لا أعرف له اسمًا آخر، هو نسخة غير شرعية، تعرض لك المحتوى كصورة، بينما الإلكتروني الذي يمتلك ناشره حقوق نشره بالضرورة تختلف بعض ميزاته حسب القارئ المستخدم لعرضه، لكنه غالبًا يملك ما سأذكره الآن: يعرض لك المحتوى ككلمات يمكنك تظليلها ونسخها، بشكل محدود لتجنب تسريب المحتوى، ويمكنك من تغيير نوع الخط وحجمه، وقد وفّر "Adobe Reader" خدمة الرؤية الليلية للكتب بصيغة PDF، لكن الإلكتروني حسب التطبيق المستخدم لقراءته يوفّر خلفيات متنوعة من اللون الأصفر أو البني الفاتح أو الأسود للقراءة الليلية والبيضاء، وعادةً ما يكون الكتاب بصيغة PDF بمحتوى مفقود، فيكون قد نسي المصور تصوير صفحة ما أو مرر صفحتين معا دون أن ينتبه لهما ففقدت هذه الأوراق، والكارثة عندما تكون من كتاب نادر لن تجده ورقيًا، وكارثة أخرى أيضًا إن كنت تقرأ كتابًا مشوقًا وفقدت هذه الصفحات التي تصف موقفًا حساسًا له تبعات لاحقًا، تسبب لك الفضول الرهيب لتعرف ما الذي ضاع عليك، وهذا الأمر الذي لن تختبره في الكتاب الإلكتروني، حيث إنك تقرأ نسخة الطباعة نفسها، فما لا يوجد بها لا يوجد بالورقية.
اقرأ/ي أيضًا: حيَّ على القراءة
ذكر الخالدي بعض مساوئ الكتاب الإلكتروني التي تتركز على الضياع، أكان ضياع حقوق الكاتب ودار النشر، أو ضياع المحتوى في حال تلف النسخة بحذفها أو فقدانها، وهذا ما ينطبق على كتب PDF فقط، فهي، بخلاف الإلكترونية، نسخٌ مزورة مجانية، وبالنسبة للمحتوى فمعظم الطرق التي باتت مستخدمة للكتاب الإلكتروني تستخدم فكرة القارئ، أو كما أحب أن أسميها المكتبة، حيث تعرض عليك ما تريد قراءته من الكتب داخل المتجر، وفي حال حذفت هذا التطبيق فأنت كمستخدم معروف للمتجر بالتالي يمكنك إعادة تنزيله لاحقًا وتفعيل كتبك التي سبق وقمت بشرائها، دون أن يترتب عليك أي شيء. فقد اشتريتها بالفعل سابقًا. ومع أن الأمر في أمريكا مثلًا صار يدعو إلى التفكير كثيرًا بحقوق الملكية للمقتنيات الإلكترونية فبات من حق شركة مثل "آبل" إغلاق حسابات المتوفين دون توريث المحتوى الإلكتروني لأحد، وهو برأيي حق، إذ قد تم ابتياع الموسيقى بالفعل، ومن حق الوريث الحصول عليها، لكن علينا الاطمئنان فلن نضطر للوقوف أمام هذه المعضلة الأخلاقية قريبًا.
مع ذلك للكتاب بصيغة PDF بعض الحسنات فهو شعبي ويصل إلى الجميع، بينما الذين يعرفون تطبيقات الكتب الإلكترونية ليسوا بالعدد الكبير، وإن حاولت أنا التي أظن أنني خبيرة فلن أعرفها كلها، وهي أمازون التي اشتهرت بكيندل، وعربيًا أبجد وياقوت ورفوف وقارئ جرير، والأهم أن الكتاب بصيغة PDF استطاع أن يحفر اسمه ككتاب إلكتروني في عقول الجميع، حتى أنني احتجت أن أكتب كل ما سبق لأحاول توضيح الفكرة لكم.
طرح مدير دار صفحات في تحقيق الخالدي فكرة الاطلاع المسبق على الكتاب بصيغة PDF من قبل زبائنه قبل حضورهم للحصول عليه ورقيًا، وقد تجاوزت هذه المعضلة شركات الكتب الإلكترونية بإتاحة نسبة منطقية من الكتاب للقارئ قبل الحصول عليه.
نعود لسؤالي النابع من تحقيق الخالدي: هل فعلًا نحن بحاجة لتحشيد الجماهير لحماية الكتاب الورقي من هجوم الرقمي؟
وقد عرفنا أن الكتب الإلكترونية نوعان: نوع نحصل عليه إلكترونيًا عبر الإنترنت لكن بصيغة PDF هو مجاني لكنه غير شرعي، وبين الكتب الإلكترونية التي هي وليدة الورقية وبمباركة الناشرين وأصحاب الحقوق والتي يبلغ سعرها اقل من نصف الورقي عادةً.
الكتب الإلكترونية نوعان، مقرص بصيغة PDF، ونسخة أخرى شرعية وليدة الورقية وبمباركة الناشرين
صار علينا أن نعرف ماذا نريد وهل تقتصر المعرفة على الكتاب الورقي، هل علينا أن نقف في وجه التقدم ونصرخ بشعارات رنانة مثل رائحة الورق وملمسها وتجارب القراءة الورقية التي لن أتخلى عنها؟ أم علينا أن نحصل على الكتاب بأي طريقة ممكنة ما دام أنها لا تمثل انتهاكًا أو جرمًا أخلاقيًا على الأقل من وجهة نظرنا؟
اقرأ/ي أيضًا: أكذوبة إحصائيات القراءة
أفكر الآن؛ ربما لو تمسك الأقدمون بكتبهم الحجرية لبقينا حتى الآن نعاني آلام الظهر لحملِ معارفنا على ظهورنا، ولما كان من أعظم كتابنا ديستوفيسكي الذي كتب أعمالًا تجاوزت آلاف الصفحات الورقية، لا بل لظل العلم للضرورة وحسب، وما كنت ستجد حفارًا ليحفر لك قصيدة شعر أو رواية على أحجارك، وسيصبح الأدب رفاهية.
فلم علينا أن نكون رومانسيين هنا وحسب!
اقرأ/ي أيضًا:
كيف كانت القراءة الصامتة طريقًا إلى الحياة الفردية؟