يستأثر التصعيد في الضفة الغربية باهتمامات الصحافة الإسرائيلية، ومثّل الحدث الذي أدّى لمقتل 3 ضباط من الشرطة الإسرائيلية على حاجز ترقوميا غرب الخليل، صباح أمس الأحد، منعرجًا بالنسبة للمحللين الاستراتيجيين في دولة الاحتلال. وفي هذا السياق، قال محلل الشؤون العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، يوسي يهوشع، إن الهجوم المذكور بمثابة تأكيد على أنّ الضفة الغربية لم تعد الساحة الثانوية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وبدأ يوسي يهوشع مقاله التحليلي بالقول إنه: "على مدى 330 يومًا نجح الجيش الإسرائيلي والشاباك في الحفاظ على قطاع يهودا والسامرة (الضفة الغربية) كقطاعٍ ثانوي مقارنةً بقطاع غزة، لكن الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية دأبت على التحذير من احتمال انفجار الضفة الغربية، بل كانت ثمة مخاوف من تكرار سيناريو السابع من أكتوبر في الضفة".
وتشير الأحداث الأخيرة، بما في ذلك الهجوم الذي قُتل فيه 3 ضباط شرطة صباح الأحد قرب الخليل، إلى أن هذا القطاع لم يعد الساحة الثانوية.
لم تعد الضفة الغربية ساحة تصعيد ثانوية في ظل العمليات الأخيرة التي نفذها مقاومون فلسطينيون، واجتياح قوات الاحتلال مخيمي جنين وطولكرم
وبحسب المحلل العسكري في الصحيفة الإسرائيلية، فإن العمليات الأخيرة في منطقة الخليل تعدّ: "خطوةً هامة إلى الأمام في خصائص الهجمات الفلسطينية. فلا مزيد من هجمات الطعن كما كانت هنا في موجة عام 2015. لا مزيد من هجمات إطلاق النار كما رأينا في عام 2022 التي أدت إلى عملية كاسر الأمواج (حملة عسكرية أطلقها جيش الاحتلال في آذار/مارس 2022 لمواجهة تزايد عمليات إطلاق النار من قبل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية)، هذا التصعيد الجديد، الذي تلعب فيه عبواتٌ ناسفة قوية وهجمات مدروسة، هو من النوع الذي عرفناه في الانتفاضة الثانية".
ويضيف يوسي يهوشع بأنّ: "هناك بنيةً تحتية، وهناك ناقل، وهناك من أعد الشحنة وهناك من مولها"، لافتًا إلى أن: "العبوات الناسفة تأتي من الحدود الأردنية المخترقة والسياج الفاصل المثقوب (بين الضفة وأراضي الـ48) الذي يسمح باختراق ليس فقط العمال ولكن أيضًا الإرهابيين"، على حد زعمه.
وعلى الرغم من أنّ المحلل الإسرائيلي أشار إلى ما أسماه نجاح جيش الاحتلال في إطلاق عملية عسكرية للتعامل مع المقاومة شمال الضفة الغربية في كل من طولكرم وجنين، إضافةً إلى مواجهة العديد من العبوات الناسفة في شمال غور الأردن، فإنه يؤكد أنّ: "الخطر يكمن الآن في أن العمليات امتدت إلى منطقة الخليل، التي تعتبر عاصمة حماس في الضفة الغربية، حيث البنية التحتية المنظمة والخطيرة، إذ أظهر الهجوم الذي وقع صباح الأحد قرب ترقوميا أن خطره يتزايد".
وتابع القول: "إذا استمعوا إلى تعليمات خالد مشعل (رئيس حركة حماس في الخارج) الأسبوع الماضي بالعودة إلى التفجيرات، فقد ندخل فترةً صعبة للغاية"، خاصةً أنّ: "معظم القوة النظامية والاحتياطية الماهرة للجيش الإسرائيلي موجودة في قطاع غزة وعلى الحدود الشمالية، لذلك لو تم تنفيذ الاعتداءات الأخيرة (الهجوم على مستوطنتي غوش عتصيون وكرمي تسور وانتهت بإصابة 3 إسرائيليين بجروح) كما هو مخطط لها لكانت يمكن أن تنتهي بوفيات من رقمين، وتجعل من يهودا والسامرة الساحة الرئيسية للمواجهة".
ضرورة البحث عن تسوية ولو كانت مؤلمةً
برّر رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هاليفي اجتياح مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية بمنع خروج السيارات المفخخة منها، وبحسب المحلل العسكري لـ"يديعوت أحرنوت"، فإن: "هذا التصريح يجسد بالضبط النشاط الذي سيتعين على الجيش الإسرائيلي القيام به من الآن فصاعدًا: دخول المدن ومراكز الإرهاب ومحاولة إحباط الهجوم الإرهابي التالي هناك"، وأكد يهوشع أن هذا الأمر: "سيكون أكثر تعقيدًا، سيكون لدينا ضحايا، ولكن لا توجد طريقة أخرى لوقف الحزام الناسف الذي يقتل في غوش عتصيون أو تل أبيب" حسب تعبيره، مشيرًا في هذا الصدد إلى "مقتل جندي إسرائيلي وجرح آخر في الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال على جنين".
مع ذلك، لا مناص حسب محلل "يديعوت أحرنوت" من دعم موقف وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت الذي يطالب حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالموافقة على الانسحاب من محور فيلاديلفيا بما سيؤدي لوقف الحرب وتحرير بعض الأسرى الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين. مؤكدًا أن غالانت ورؤساء مؤسسة الدفاع يؤيدون الانسحاب من محور فيلادلفيا من أجل إنقاذ حياة ما بين 20 مختطفًا (ربما أكثر) و15 جثة أخرى.
ومما يحتّم على إسرائيل الإقدام على هذا القرار هو إعلان الجيش الإسرائيلي مؤخرًا أنه عثر على 6 جثث تعود لمختطفين في قطاع غزة. وهو إعلان أثار موجة غضبٍ كبيرة ضد نتنياهو وحكومته ودفع إلى اتخاذ قرارٍ بالإضراب العام للضغط على نتنياهو من أجل إتمام صفقة تبادل الأسرى، وإنهاء حالة التعنت التي تؤدي إلى المزيد من موت الأسرى في غزة.
وفي هذا السياق، ترى افتتاحية صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ليوم الأحد، أن قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالإبقاء على القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا، رغم اعتراضات وزير الأمن يوآف غالانت، يشير إلى أن القرار ليس مدفوعًا باعتبارات أمنية، بل هو خطوة سياسية تهدف لعرقلة صفقة تبادل الأسرى وإطالة أمد الحرب.