يشتكي الكثيرون في الجزائر من غياب النقد الأدبي، ومن عزوف النقاد عن الكتابة والخوض في ما أنتج من أعمال أدبية. والشكوى في حد ذاتها مشروعة إلى حد كبير.
مشكلة العثور على النص الجميل والجيد أصبحت عقبة بالنسبة للنقاد، لأنّ النصوص الجيدة هي النصوص التي تتناسل منها نصوص أخرى
يبقى أنّ على هؤلاء المبدعين – إذا كانوا مبدعين حقيقة – أن ينصتوا أيضًا إلى شكاوي النقاد، فحتى النقاد يشتكون من غياب أعمال أدبية ترقى إلى مستوى الاهتمام النقدي بها.
اقرأ/ي أيضًا: شجاعة النقد.. أمين الزاوي يضرم النيران في الجنّة!
سؤال لا يخطر على بال هؤلاء، ولأن النقاد لا يهتمون إلا بما يرقى إلى مصاف النصوص الجيدة فإنهم يدخلون في نوبات من الحسرة والتشكي التي مع الوقت تكتسي صبغة العداوة المبطنة والمغرضة.
مشكلة العثور على النص الجميل والجيد أصبحت عقبة بالنسبة للنقاد، لأنّ النصوص الجيدة هي النصوص التي تتناسل منها نصوص أخرى، على شكل كتابات نقدية. من هنا فإنّ الكتابة النقدية تتوسم في تلك النصوص تلك القدرة على التحريض على الكتابة.
المتتبع للمشهد الأدبي في الجزائر يجد نفسه أمام خارطة موزعة على النحو التالي: كتّاب مخضرمون ومكرّسون سواء إعلاميًا أو نقديًا أو جامعيًا، وهؤلاء يمثلون مرحلة أدبية راكمت خبرات طويلة في الإبداع الأدبي. وكتاب جدد ينتمون إلى حساسيات أدبية مختلفة، أغلبها لم ينضج لهم أسلوب ولم تتبلور عندهم رؤية إبداعية واضحة.
وفي هذا السياق، شهدت جمهورية الأدب ازدياد أعداد المنتسبين لها على نحو متسارع، وفي غياب المتابعة النقدية، لم يعد هناك أي مانع لميلاد كل هؤلاء القادمين إلى عالم الكتابة الأدبية، وكثيرون منهم جاؤوا دون أي مرجعيات أدبية.
وللأسف، فإنّ هذه الجحافل من الكتبة (ليس الكتّاب) أصبحت تزاحم أصحاب الأقلام الكبيرة، مستغلة صفحات التواصل الاجتماعي للترويج السافر لأعمالهم، وكثيرا ما يتم الترويج من خلال الاعتداء على الجيل الذي سبقهم، فالبعض يفهم الحداثة والتجديد بأنها عملية اعتداء على الآباء. لقد حدث هذا الاعتداء بأشكال وطرق وأساليب مُختلفة، وإلى اليوم، نجد من يكتب نصا هشا معرفيا ولغويا وأسلوبيا يرفع عقيرته في وجه العالم، ليقيم محاكمة علنية في حق الآباء.
المشهد الأدبي اليوم، تصنعه وسائط التواصل الاجتماعي، بعد أن كانت الحركة الأدبية توجهها حركة نقدية. اليوم الكثير من الأعمال الأدبية ليست أكثر من إنشاءات فارغة، ومن سرقات لروايات وأشعار روائيين وشعراء عالميين، وهناك من يشاهد فيلما فيعجبه فيعيد كتابته بطريقة مشوهة ليصدر عملًا روائيًا فيعلن أمام الملأ أنّ إبداعه لا مثيل له.
ونحن في الأيام الأولى من المعرض الدولي للكتاب بالجزائر، يغيب الكِتابُ وتحضر الوجوه في شكل صور وسيلفيات وورود وجلسات ونمائم. ينتهي المعرض ويعود الجميع إلى سباتهم، وتغيب الكتبُ وتلك الروايات والدواوين كأنها لم تكن حدثًا يُذكر.
اقرأ/ي أيضًا: