شكل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي منذ نكبة عام 1948، مادًة مهمة لأغلب الباحثين للبحث في علاقة السيطرة الممارسة من قبل الاحتلال بشكلها الإقصائي على الشعوب المحتلة، ومن نافل القول، إن معظم الدراسات التي شرحت الذات الصهيونية ضمن معايير نقدية بصبغة فلسفية، قام بها مفكرون يهود وغربيون مناصرون للقضية الفلسطينية، التي تجاوزت نكبتها النصف قرن.
يناقش المفكر مارسيلو سڤيرسكي فكرة المشروع الصهيوني في فلسطين، مستندًا إلى ممارسات المؤسسات الصهيونية
في كتابه "ما بعد إسرائيل.. نحو تحول ثقافي"، الصادر مطلع عام 2014 عن دار "زيد بوك" اللندنية، وقام بترجمته إلى العربية سمير عزت نصار، وصدر حديثًا عن "منشورات المتوسط"، يناقش المفكر مارسيلو سڤيرسكي، فكرة المشروع الصهيوني في فلسطين، مستندًا إلى ممارسات المؤسسات الصهيونية، وكيفية سيطرتها على المجتمع الصهيوني، والتربية العنصرية التي تنمي آلة الحقد الصهيوني، تجاه المجتمع الفلسطيني.
اقرأ/ي أيضًا: عماد بزّي.. من زواريب بيروت المنسية وعنها
ويرى سڤيرسكي في مقدمة الكتاب، أن "الاضطهاد في إسرائيل، ماضيًا وحاضرًا، حالة وثيقة الصلة بالموضوع"، من حيث إنها تدل على الطرق التي تلون بها "صناعة المعرفة الأكاديمية"، وتبقي على "الامتياز اليهودي في إسرائيل عبر التفكّك الإثني/العرقي للحياة، الطريقة التي جُرّد بها الشعب الفلسطيني من حقّه في أن يكون له حقوق".
ومن خلال حديثه عن الحياة اليومية التي تشكل "الروح والمادة"، لممارسة أعمال الاضطهاد اليومية، وهو ما تعتمده المؤسسات الصهيونية، للحفاظ على المجتمع الإسرائيلي، والتي لخصها سڤيرسكي بأربع نقاط هي: "المنتزه، المدرس، الوالد، الناخب"، منطلقًا في دراستهم من البوابة السوسيولوجية لعملية الإخضاع، أي "نوع الرعية التي تدرّبوا على أن يصبحوا عليها".
كما ينقد سڤيرسكي في كتابه، ذاكرة الهولوكوست التي يستند إليها المجتمع الإسرائيلي، في تبرير العنف الممارس ضد المجتمع الفلسطيني، مدعمًا حديثه بالاستعانة برفض المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد فكرة "أن الهولوكوست يقدّم عذرًا للصهيونية لما فعلته بالفلسطينيين".
أما من ناحية تطور الفكر الصهيوني عبر المراحل الزمنية لاحتلال فلسطين، يشير سڤيرسكي إلى أن التطور بدأ منذ نكبة 1948، وذلك في عملية "نشر كل أنواع أجهزة العزل"، أولًا من ناحية تعميق التقسيم العرقي-القومي بين اليهود والفلسطينيين، وثانيًا من ناحية العنصرية الطبقية داخل المجتمع اليهودي بين يهود الأشكناز ويهود المزراحيم.
اقرأ/ي أيضًا: البوكر.. دعوة إلى المراجعة
ومن هذه النقطة يمكن النظر فيما قاله أستاذ النظرية النقدية والثقافية في جامعة كارديف كريس ويدون حول الكتاب، على أنه يمثل "تحليلًا ثقافيًا في أفضل حالاته، حيث يُقدّم الانتقادات العميقة للطرق الرئيسية للحياة وأنماط الوجود التي تُشكّل الصهيونية الإسرائيلية؛ من خلال مزيج نادر من النظرية المتطورة والتفاصيل المُتقنة والجذابة، التقط سڤيرسكي تعقيدات الذوات اليهودية الإسرائيلية على مستوى ممارسات الحياة اليومية. ما بعد إسرائيل هو إسهام مهم ومُتحدٍّ بصدد إعادة التفكير بثنائية فلسطين-إسرائيل وإعادة صناعتها".
يُقدّم مارسيلو سڤيرسكي الانتقادات العميقة للطرق الرئيسية للحياة وأنماط الوجود التي تُشكّل الصهيونية الإسرائيلية
وهو فعليًا ما يؤكده مارسيلو سڤيرسكي في هذا الكتاب الفريد من نوعه، على أن تجريد المجتمع الإسرائيلي من الهويات الصهيونية، ومتابعة المؤسسات المنشقة عن ممارسة هذه الهويات، يمكنه أن يحدث موقفًا معاكسًا داخل المجتمع نفسه، إضافة لأن السياسات الصهيونية التي ترتبط بإعادة إنتاج الذوات الصهيونية، على كافة جوانب الحياة العسكرية والسياسية والاجتماعية..إلخ، عند التغلب عليها يمكن الوصول للمرحلة التي تشكل "ما بعد إسرائيل".
يشار إلى أن مارسيلو سڤيرسكي، محاضر في الدراسات الدولية في مدرسة الإنسانيات والبحث الاجتماعي في جامعة ولونغونغ منذ عام 2012، حيث انتقل إليها قادمًا من جامعة كارديف في ويلز، والتي عمل بها في مركز الدراسات النقدية والثقافية منذ 2008، ويدرس مواضيع في الدراسات الدولية وأبحاثًا عن سياسات الشرق الأوسط والفلسفة القارّية الأوروبية، ويركز في المقام الأول على النظريات وممارسة النشاط السياسي والعمل الثوري والتحوّل الاجتماعي.
اقرأ/ي أيضًا: