17-مارس-2019

تذهب الأسلحة الأمريكية في اليمن إلى ميليشيات مرتبطة بالقاعدة (Getty)

أين تذهب مبيعات الأسلحة الضخمة التي تبيعها الولايات المتحدة الأمريكية إلى السعودية والإمارات؟ ولماذا يجب أن تقلق الولايات المتحدة على مصير هذه الأسلحة، وهي لا تقوم بما يسميه الخبراء "المتابعة النهائية لمصير أسلحتها"، خاصة بعد أن انتشرت تقارير عديدة تفيد بوقوعها في أيدي بعض الميليشات من ضمنها تلك المنتمية إلى تنظيم القاعدة.

قدمت شبكة سي إن إن في إحدى تحقيقاتها عدة أدلة إضافية على انتقال المعدات الأمريكية التي تشتريها السعودية والإمارات إلى مجموعة متنوعة من الميليشيات، من ضمنها أذرع للقاعدة

من الولايات المتحدة إلى أيادِ عابثة!

في وقت سابق من شهر شباط/فبراير الماضي، قدمت شبكة سي إن إن في أحد تحقيقاتها عدة أدلة إضافية على انتقال المعدات الأمريكية التي تشتريها السعودية والإمارات من الولايات المتحدة إلى مجموعة متنوعة من الميليشيات، بما في ذلك ميشيليات تعمل مع القاعدة أو تابعة لها، هذا في وقت تتوتر أساسًا فيه العلاقات بين واشنطن بعيدًا عن ترامب و إدارته، منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بالإضافة إلى عوامل أخرى خلخلت بعض الثقة في العلاقات بين الطرفين، أهمها حرب اليمن وحصار قطر، الأمر الذي جعل بعض الأصوات الأمريكية تعلو من الداخل للحث على مزيد من التدقيق في مبيعات الأسلحة لمنطقة الخليج.

اقرأ/ي أيضًا: شراء الوهم.. السعودية تتصدر قائمة مستوردي السلاح في العالم

يدعي الخبراء الأمريكيون مثل جودي فيتوري خبيرة الأمن القومي في الولايات المتحدة أن هناك قواعد واضحة بالنسبة للسياسة الأمريكية فيما يتعلق "بنقل الأسلحة إلى الأطراف الثالثة"، لكن هذه التدقيقات والقواعد لا يمكن تطبيقها عالميًا على جميع البلدان التي تشتري "السلاح" من الولايات المتحدة، وبالنظر إلى أن بعض المعدات الموجودة في أيدي الميليشيات على الأقل يمكن ربطها بمبيعات الأسلحة الأمريكية، لذا فهي ترى أن وزارتي الدفاع والتجارة لا تراقبان "كما ينبغي" الأيادي التي يصل إليها السلاح المصنع أمريكيًا.

تاريخ قديم وحاضر مُعلن لنفس السياسة

الجدير بالذكر في هذا المضمار، أن الولايات المتحدة هي أكبر مورد للسلاح إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تمثلان زبونين مربحين للغاية بمشترياتهما الفائقة، حيث كانت المملكة العربية السعودية أكبر مستورد لأسلحة الولايات المتحدة، بعد أن اشترت 112 مليار دولار من الأسلحة من عام 2013 حتى عام 2017، وكانت الإمارات ثاني أكبر مستورد لأسلحة الولايات المتحدة منذ عام 2009. إذ قدمت واشنطن إلى الإمارات أسلحة بقيمة 27 مليار دولار من خلال 32 صفقة منفصلة، في إطار برنامج المبيعات العسكرية الخارجية في البنتاغون.

يصنف مؤشر منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد السعودية والإمارات ضمن فئة الفساد المؤسسي بدرجات عالية، مع حصول الرياض على درجة صفر من أربعة (أي العلامة الأسوأ على الإطلاق)، وحصول أبوظبي على درجة واحدة لعدم وجود عملية تدقيق لقرارات شراء الأسلحة تتماشى في مجملها مع البروتوكولات الدولية، التي يقرها الخبراء وترسيها السياسة الدولية في درجاتها الدُنيا.

تتناول تحقيقات وتقارير إخبارية عديدة، العبثية التي تدير بها السعودية ترسانة أسلحتها في المنطقة جنبًا إلى جنب مع حلفائها في الوطن العربي. في هذا السياق، كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد فرض قيودًا على مبيعات الأسلحة والتعاون الاستخباري مع التحالف في عام 2016، لكن إدارة الرئيس دونالد ترامب رفعت هذه القيود في آذار/مارس 2017، قبيل زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية، حيث من المفهوم أن هناك الكثير من المسببات تجعل ترامب أكثر تمسكًا من غيره بصفقات الأسلحة مع نظام ابن سلمان، خاصة وأنها ملأت خزانة وزارة الدفاع الأمريكية بميزانية وافرة، لا ينفك يتبجح بها.

ضغوطات من الداخل: هل تجدي نفعًا؟

في قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي للسنة المالية 2018، طلب الكونغرس من وزارتي الدفاع والدولة التصديق على قرار يقضي بأن يقوم التحالف الذي تقوده السعودية بكل ما في وسعه لمنع وقوع إصابات بين المدنيين. لكن ذلك لم يحدث، على الرغم من أنه في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وافق مجلس الشيوخ على وقف تصدير شحنات من الأسلحة إلى الرياض، وسط معارضة قوية من إدارة ترامب لمشروع القانون حسبما ورد في صحيفة نيويورك تايمز. لم يكن لهذا الإجراء ما يكفي من الأصوات لتجاوز الفيتو الرئاسي، وعندئذٍ وعد أعضاء مجلس الشيوخ بتقديم مشروع قانون أكثر صرامة هذا العام.

أما إدارة ترامب نفسها فهي تواصل بدأب موافقتها على شحنات الأسلحة إلى التحالف السعودي. في عام 2018 وحده، باعت الولايات المتحدة مباشرة مبلغ 4.4 مليار دولار من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، ووافقت على أحدث عملية بيع لصواريخ باتريوت في كانون الأول/ديسمبر الماضي، حسبما تفيد التقارير الإخبارية. كما توجد الكثير من الصفقات بين الولايات المتحدة والسعودية قيد التنفيذ.

اقرأ/ي أيضًا: كيف سقط اليمن من أجندة التعاطف العالمي؟

في هذا السياق يجدر القول إن معظم المعلومات المتعلقة بتمرير السعودية والإمارات للأسلحة إلى أطراف أخرى، خاصة فيما يتعلق بحرب التحالف على اليمن، تأتي من جهات خارجية، مثلما تقول جودي فيتوري الخبيرة في الأمن القومي الأمريكي، وذلك عن طريق التقارير الإخبارية ومنظمات حقوق الإنسان. وقد سبق لوكالة أسوشييتد برس مثلًا، أن نشرت عدة تقارير عن انتقال الأسلحة الأمريكية إلى تنظيم القاعدة، من خلال صفقات أجرتها السعودية مع أعضاء التنظيم، أو حتى إلى الحوثيين نتيجة الإهمال، وعقد مساومات مع العشائر المحلية في البلاد.

ونظرًا لعدم وجود إشراف فعال على السعوديين والإماراتيين بشأن إدارة الحرب في اليمن وعمليات نقل الأسلحة المرتبطة بها، فإن المؤشرات تفيد أنه لم يتم اتباع أي إجراءات تتعلق بالمراقبة أو المحاسبة خاصة من الطرف الأمريكي، وتحديدًا في ظل إدارة ترامب  المستمرة في الموافقة على هذه الصفقات.

يصنف مؤشر منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد السعودية والإمارات ضمن فئة الفساد المؤسسي بدرجات عالية

وعلى أية حال فإن أولويات الأنظمة السياسية كثيرًا ما تتجاوزها البراغماتية، والتوازنات وصوت المال، خاصة في إدارات سياسية على رأسها رجال أعمال، ينظرون إلى السياسة الخارجية من وجهة نظر البيع والشراء، ويبدون اهتمامًا أقل بحقوق الإنسان، في مقابل أنظمة شمولية مستعدة للدفع، من أجل البقاء وفرض السيطرة. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

غراميات السعودية والقاعدة في اليمن.. حنين إلى مظلة بريجنسكي