يعدّ الشاعر محمد الشلطامي (1944 - 2010) من رواد الحداثة الشعرية في ليبيا. اعتُقل لمرات عديدة منذ عام 1967 بسبب انضمامه لحركة القوميين العرب، وعام 1973 بعد خطاب زوارة دون أن يُقدّم للمحاكمة، واعتُقل أيضًا بعد الانتفاضة الطلابية عام 1976.
عرف الشلطامي بمعارضته الدائمة للسلطة وبأشعاره المحرضة على الثورة والتغيير، وقد كتب ضد العهدين الملكي والجماهيري.من مجموعاته الشعرية: "منشورات ضد السلطة"، و"قصائد عن شمس النهار"، و"قصائد عن الفرح".
هنا ثلاث قصائد مختارة من أعماله الكاملة الصادرة عام 2013.
كتابة على باب الزنزانة رقم 6
رفاقي…
أتعشبُ في الفجر هذي الصخور؟
أتزهر فوق جدار الردى الأمنيات،
وهذه البذور؟
وترد عبر الصدى الأغنيات
وتعبق في الموقد الذكريات؟
هنا منذ شهر مضى
هنا منذ عام مضى
هنا منذ قرن مضى قام سور،
وسجن وجيل من الهالكين
أتشرق شمس الربيع الحزينة
فتوقظ أحلامنا الميتات؟
أتحكي العنادل والقبَّرات
حكايا تقول بأن المدينة
على بابها انتحر الله مرَّة
فلوَّن من دمه كل دار،
وكل خميلة
وأن صغارًا من الجائعين
أضاؤوا القمر ذات ليلةْ
الاتهام
أصدرت حكمك، والمساء،
ما زال يعقبه الصباح، وأُمنا الشمس الكبيرة
حمراء تشرق رغم مخبرك الوضيع
دعني أقول بأن ما بيديّ أو يدك الزمان
يمضي بعالمنا الكبير
*
الباب يغلق والصباح،
آت أحس به كأن يدًا تحطم في الظلام
سور المحال، كأن ضحك الدهر ينذر بالبكاء
فأرى صليبك صولجانك، وانتهاءك مبتداك
وأراك تحصد في حقول الموت ما زرعت يداك
الآن مثلي، أنت ذا في الرعب تنتظر الصليب
تصحو على وهم بأن يدًا تدس لك الفناء
وبأن حصنك بالرفاق يموج يزحم.. والخلاصة
بالفجر تنسف رأسك الهمجي رصاصة
وتظل تبصر في المرايا وجه قاتلك الكئيب
الآن مثلي أنت ذا في الرعب تنتظر الصليب
وتعيد نفسك كلما عتم المغيب صدى أسطوانة
قد خنت آه لعل أبشع ما يكون هو الخيانة!
أزهار الليل
وتمنيتُ كثيرًا
أن أراك
نجمة يسطع في قنديلك الأخضر حب
ومواويل مضيئة
وتمنيت كثيرًا عندما دفّأت في قلبي يديك
لو تصير الكلمة
دمعة في غمرة الشوق إليك
وطني..
يا رجفة الموال في ليل القرى
يا حبيبي الأسود العينين لو أن الثرى
أحرفًا كنت القصيدة
وأنا غنيتك الأحلام أبكيك فأبكي
وردة تنمو على الأهداب في الليل الحزين
ثم تذوي بين أيدي التافهين
وطني يا وطني
يا صليبي قبل أن أخلق حرفًا في قصيدة
بيننا ظلت قوافيك العنيدة
والشعارات البعيدة
وأنا أركض خلف الفجر من سجن لسجن
لأرى عينيك في كل شفق
مرة أهرب من وجهي، وألفًا أحترق
خلفي البحر، وقدامي جحيم، والطرق
صادرتها المحكمة
أُممت في أول الليل، وبيعت في الصباح
ما الذي أملكه يا قمري
كادح أُقتل باسم الكادحين،
حينما أبكيك أن غنيت أبكي
لوعة الحزن الذي ينبتنا
عوسجًا في وجنة الشمس وذلًا وخطايا
نحن ما مددنا قاماتنا
أبدًا في وجه ريح..