في اللحظة التي خرج فيها ولي العهد السعودي، وصاحب السلطة الفعلية في البلاد، محمد بن سلمان، بسردية الإصلاح الاقتصادي والحقوقي، كانت هناك علامات كثيرة تثير الشك، فتاريخ طويل من قمع الحريات والفساد، لا يمكن أن ينتهي بين ليلة وضحاها. وسرعان ما بدأت بالفعل، تظهر الشواهد تباعًا على زيف اعتدال الرجل، فبدأت حملات القمع الحقوقية، خاصة بحق الناشطين، وظهرت صفقات الفساد، لتبين أن ما يقال في واشنطن، لا علاقة له بما يجري في الرياض. يناقش هذا المقال المترجم عن صحيفة نيويورك تايمز هذه الادعاءات، ويسلط الضوء على ما يطلق عليه الإصلاح العكسي في المملكة.
اكتسب محمد بن سلمان صيتًا واسعًا منذ اعتلائه منصب ولي عهد المملكة العربية السعودية، باعتباره شابًا مصلحًا ذكيًا، يقود بلاده نحو الحداثة بفضل رؤيته الجديدة. ووضع الأمير السعودي البالغ من العمر 32 عامًا جل تركيزه على التغيير الاقتصادي، إلا أنه وعد أيضًا بانتهاج سياسات اجتماعية أكثر وعيًا واستنارةً والتي تشمل النساء، وقد نال لوهلة استحسان الغرب بفضل هذا النهج.
يقول المحللون إن الانتكاسة في مسار الإصلاح ما هي إلا انعكاس للسياسات السعودية ورغبة ابن سلمان
وفي غضون أسابيع قليلة، من المقرر أن ترفع المملكة العربية السعودية الحظر الذي طال أمده المفروض على قيادة المرأة، في الرابع والعشرين من شهر حزيران/ يونيو القادم، واضعةً بذلك ما يظهر بأنه الإصلاح الاجتماعي الأبرز والأكثر جرأة الذي دافع عنه محمد بن سلمان في حيز التنفيذ.
كل هذه الإصلاحات تسير نحو الأفضل، ويبدو أن كل شيء على ما يرام، أليس كذلك؟ لكن ليس بهذه السرعة. فعلى مدى الأسبوعين الماضيين، عكس الأمير مساره، وشن حملة اعتقالات صارمة وواسعة النطاق ضد النشطاء أنفسهم الذين دافعوا وروجوا لحق المرأة في القيادة.
احتجزت الحكومة مجموعة مبدئية من النشطاء وبعد أن حدثت ضجة دولية جراء ذلك الأمر، ضاعفت من جهودها. وقد تم اعتقال واستجواب ما لا يقل عن 11 ناشطًا حتى الآن، معظمهم من النساء مع وجود عدد قليل من الرجال، ولم يسمح للمعتقلين بمقابلة محاميهم. وقد قيل إن إحدى الناشطات تحتجز في الحبس الانفرادي.
اقرأ/ي أيضًا: زيف الاعتدال السعودي.. اعتقال وتشهير بحق ناشطات نسويات
لم يكشف النائب العام السعودي عن أسماء المعتقلين أو التهم الموجهة إليهم. إلا أن التقارير الإخبارية أفادت أن قائمة المعتقلين تضم الناشطة لجين الهذلول وهي من أبرز الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة السعودية، التي سبق وأن اعتقلت لأكثر من 70 يومًا في عام 2014 لمحاولتها نشر فيديو عبر الإنترنت، تظهر فيه وهي تقود سيارتها متجهة نحو المملكة أثناء عودتها من الإمارات.
وقد أفادت منظمة العفو الدولية في وقت متأخر من يوم الخميس، أن السلطات السعودية أفرجت عن أربعة معتقلين، لم تكن الهذلول من ضمنهم.
ويقول المحللون السعوديون إن تلك الانتكاسة في مسار الإصلاح ما هي إلا انعكاس للسياسات السعودية ورغبة الأمير في أن يبين أن رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة، ما هو إلا هدية من النظام الملكي للمرأة السعودية وليس استجابة للضغوطات الدولية أو المحلية.
أثارت حملة القمع العديد من الشكوك حول التزام الأمير بالدفاع عن مساواة المرأة وحرية تنقلها. فقد نشرت وسائل الإعلام الموالية للحكومة صورًا للنشطاء المحتجزين واتهمتهم بالخيانة، الأمر الذي يُعد هجومًا مروعًا على مجموعة من النشطاء كانت جريمتهم الوحيدة الظاهرة هي الاحتجاج السلمي. وينبغي إطلاق سراحهم فورًا.
يعطي القمع انطباعًا عن عدم جدية وعود ابن سلمان بالإصلاح وحقيقتها الدعائية
كما يشكك هذا الحادث في قدرة محمد بن سلمان على الوفاء بوعوده بإحداث تغيير جوهري في مجتمع أبوي، يمارس فيه الرجال سيطرة قانونية على المرأة.
تعارض القيادة الدينية التي تدير النسخة السعودية المتطرفة من الإسلام، والمعروفة باسم الوهابية، رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة، كما تعارض أيضًا الاقتراحات الأخرى التي تدعوا لتخفيف حدة الثقافة السعودية والدين اللذين يشكلان جزءًا من خطط الأمير محمد الإصلاحية.
إذا كان محمد بن سلمان لا يستطيع تحمل عواقب رفع الحظر على قيادة المرأة، يُمكن أن نتخيل الصعوبات التي سيواجهها إذا ما قدم وعودًا أكثر جرأةً وحزمًا. أهمها التخلص من قانون الوصاية، الذي ينص على أن كل امرأة يجب أن يكون لها ولي أمر ذكر - سواء كان زوجًا أو أبًا أو أخًا أو حتى ابن - الذي يستطيع أن يتخذ القرارات الحاسمة نيابة عنها، تشمل هذه القرارات طلب الحصول على جواز سفر، والسفر إلى خارج البلاد، والدراسة في الخارج بمنح دراسية حكومية، أو الزواج.
اقرأ/ي أيضًا: دفاعًا عن حقوق المرأة أم تطلعات ابن سلمان؟!
وهذه ليست المرة الأولى التي يقوض فيها الأمير محمد ميزاته الإصلاحية التي يستند عليها لبناء صورة جديدة لبلاده. ففي العام الماضي، أشرف على اعتقال العشرات من الكتاب والمفكرين ورجال الدين المعتدلين الذين كان ينظر إليهم باعتبارهم منتقدين لسياساته الخارجية.
كما دبر أيضًا احتجاز نحو 200 شخصًا من الأمراء ورجال الأعمال الأثرياء، مما أجبرهم على التنازل عن مبالغ هائلة من ثرواتهم مقابل حريتهم في حملة مثيرة للشكوك ضد الفساد.
من غير المحتمل أن تجذب الشكوك المثارة حول التزام المملكة بحقوق الإنسان وسيادة القانون، الشركات الأجنبية التي يسعى محمد بن سلمان جاهدًا لجعلها تستثمر في بلده.
تشكك شواهد كثيرة في قدرة ورغبة ابن سلمان على الوفاء بوعوده بإحداث تغيير جوهري
ثم يضاف إلى كل ذلك ما أظهرته الدراسات بأن الاقتصادات التي تقصي نصف السكان، أي النساء، لا يمكنها تحقيق كامل إمكاناتها. وسيكون من المستحيل محمد بن سلمان أن يرتدي ثوب الإصلاح ويحقق أهدافه الاقتصادية طالما لا يسمح للمرأة بأن تمارس دورها التي تستحقه بالكامل في مستقبل المملكة العربية السعودية.
اقرأ/ي أيضًا:
قيادة المرأة للسيارة..ابن سلمان في فرصة مع "التنوير" بعد الفشل في كل شيء