سقوط تلو الآخر لرجال محمد بن زايد، فبعد موجة من التسريبات حول يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، بدأت سلسلة جديدة من التقارير والتحقيقات التي تكشف عن طبيعة دور "متعهد" الأعمال الأمنية والتخريبية محمد دحلان، المستشار الأمني الحالي لولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي محمد بن زايد.
كشفت وثائق مسربة عن المحكمة الجنائية الدولية، تورط محمد دحلان في جرائم ضد الإنسانية لصالح معمر القذافي
كان آخرها ما نشره موقع "ميدل إيست آي" عن خطاب سابق مُسرّب من محكمة الجنايات الدولية، يشير إلى تحقيق كان يجري، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، ولم تعرف نتيجته بعد، حول تورط محمد دحلان وسيف الإسلام نجل معمر القذافي، وآخرين، في جرائم ضد الإنسانية بليبيا، أثناء الثورة الليبية ضد معمر القذافي ونظامه في 2011.
اقرأ/ي أيضًا: كيف جرت عملية إجهاض الربيع العربي؟
هذا ويعد محمد دحلان أحد أبرز رجال ابن زايد في المنطقة تحديدًا منذ طرده من حركة فتح في 2011، ويقيم في الإمارات بشكل أساسي، ويعمل مستشارًا أمنيًا لمحمد بن زايد.
وإن لم يكن هناك إثبات على دعم الإمارات للقذافي في 2011 عن طريق محمد دحلان، فهناك تسريب وتأكيدات عبر تقارير أممية ودولية حول رجال الإمارات ودورهم في تخريب ليبيا بمساندة محمد بن زايد، بأساليب تشبه ما قام به دحلان منذ 2010 من دعم القذافي بالسلاح، ثم مساندته خلال الثورة الليبية.
والوسائل الإماراتية للتدخل في الشأن الليبي متنوعه، بداية من تأجيج الصراعات بين الفرقاء الليبيين، من خلال محمد دحلان وغيره، وصولًا للطلعات الجوية وقصف العمق الليبي بطائرات إماراتية أو مصرية، إضافة إلى تقديم السلاح لقوات خليفة حفتر رغم الحظر الدولي المفروض على ليبيا، إضافة إلى شراء ذمم بعض المسؤولين الدوليين لتطبيق سياسات أبوظبي في ليبيا، وكذلك منع ملاحقة المتورطين في جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية.
التحقيق في دور دحلان بليبيا
وفقًا لـ"ميدل إيست آي"، فإن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد فتحت تحقيقًا حول شكوك في تورط محمد دحلان وآخرين في جرائم ضد الإنسانية بليبيا، من خلال توريد أسلحة لنظام القذافي. وأشار تقرير "ميدل إيست آي" لخطاب أُرسل من مكتب السيدة فاتو بنسودا، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، يطالبه بتقديم الحكومة الفلسطينية المساعدة في التحقيقات المتعلقة بالفلسطينيين محمد دحلان ومحمد برهان رشيد -شهرته خالد سلام أيضَا، وكان يعمل مستشارًا اقتصاديًا لياسر عرفات- حول مشاركتهما سيف الإسلام القذافي نجل الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي، وكذا عبدالله السنوسي رئيس المخابرات الليبية الأسبق، وآخرين يحتمل أن يكونوا أكثر مسؤولية عن جرائم وقعت في ليبيا، وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
كما طالبت المدعية العامة فاتو بنسودا في الخطاب، من رئيس السلطة الفلسطينية، المساعدة في تحديد تفاصيل علاقة دحلان ومحمد رشيد بالجرائم التي حدثت في ليبيا، بما في ذلك احتمال مساعدتهم والتحريض على ارتكابها.
وفي حين عدم القدرة على التأكد مما إذا كانت هذه التحقيقات لا زالت جارية أم لا، قالت المحكمة في بيان لها، إن مكتب المدعي العام "لا يعلق على أي أسئلة متعلقة بنشاطات التحقيقات التي قد تكون جارية أو غير جارية"، ما يعني احتمالية استمرار تلك التحقيقات، خاصة وأن الأمم المتحدة طلبت منذ شهور قليلة بتسليم سيف الإسلام وتقديمه للمحاكمة وفقًا للمعايير الدولية.
صفقة أسلحة إسرائيلية للقذافي بوساطة دحلان
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في حزيران/يونيو 2011، مذكرة توقيف بحق سيف الإسلام القذافي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، من خلال وضع خطة بالتنسيق مع والده لردع وقمع المظاهرات المدنية بكل الوسائل.
اللقاء الأول بين دحلان وسيف الإسلام القذافي كان في عام 2010 في إسبانيا. في ذلك الوقت كان نجل القذافي يحاول الترويج لنفسه على أنه الوجه الجديد الشاب في ليبيا، وكان هذا تحديدًا دافع لقاء نجل القذافي بدحلان، إذ حاول تصوير نفسه على أنه بإمكانه لعب دور الوسيط في عملية المصالحة الفلسطينية.
وعلى ما يبدو، قررت المحكمة الدولية الاستعانة بالسلطة الفلسطينية، تحديدًا مكتب محمود عباس، وذلك على خلفية إعلان حركة فتح في 2011، فتح تحقيق في تهم تورط دحلان ومحمد رشيد (خالد سلام) في تهريب شحنة أسلحة إسرائيلية لقوات القذافي، وذلك بعد كشف تقارير صحفية عن مصادر ليبية معارضة، خلال نفس الفترة، تورط دحلان، وشخصية فلسطينية أخرى من أصل عراقي، في صفقة سرية لتوريد أسلحة من شركة إسرائيلية لصالح قوات القذافي.
مستشار الأعمال القذرة
بين محمد دحلان وعباس صراع طويل مستمر منذ سنوات، ففيما سبق كان دحلان رئيسًا لجهاز الأمن الوقائي بغزة، قبل سيطرة حركة حماس على القطاع في 2007. بدأ بعدها التصادم بين دحلان وعباس، إذ أصدر الأخير قرارًا بفصل دحلان من حركة فتح في حزيران/يونيو 2011 بسبب ما تردد وقتها عن تجاوزات مالية لدحلان بالمخالفة للنظم واللوائح داخل الحركة، وكذلك ما سرب عن اغتيالات لدحلان يد فيها، واتهام عباس لدحلان بالتورط غير المباشر في "اغتيال" ياسر عرفات.
منذ إقامته في الإمارات، بدأ دحلان لعب دور مستشار الأعمال القذرة في الشرق الأوسط، لصالح محمد بن زايد
تصاعد الأمر باقتحام قوات من أمن السلطة الفلسطينية لمنزل محمد دحلان ومصادرة أموال ومعدات وأسلحة، لينتقل دحلان بشكل كامل إلى الإمارات، متمتعًا هناك بصلاحيات واسعة. لكن ذلك لم يُنه الخلاف، إذ قدمت السلطة الفلسطينية محمد دحلان للمحاكمة الغيابية، ليصدر بحقه في 2016 حكم بالسجن ثلاث سنوات وغرامة قدرها 16 مليون دولار اتُهم باختلاسها.
اقرأ/ي أيضًا: محمد دحلان والأربعين حرامي.. القلب النابض للمؤامرات والثورات المضادة
باستقراره في الإمارات، بدأ محمد دحلان في لعب دور جديد ضمن المهام التخريبية لابن زايد. تخصص دحلان فيما يمكن تسميته بـ"الأعمال القذرة"، باعتباره "القلب النابض للمؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط" بتعبير صحيفة لوموند الفرنسية في تحقيق مطول نشرته قبل نحو أسبوع. وأثبت التحقيق أيضًا الصلات الرسمية بين دحلان وابن زايد، فرغم أن محمد دحلان ينفي أي علاقة رسمية تجمعه بحكام أبوظبي، إلا أن وثائق وأوراق تُثبت عمله من خلال شركات إماراتية تملكها العائلة الحاكمة في أبوظبي.
وفي ليبيا يلعب محمد دحلان دورًا كبيرًا من وراء الستار. ويرتبط بعلاقات وثيقة مع معسكر خليفة حفتر، وكذا علاقات بقيادات سابقة في نظام القذافي. ويُرجح أن له دورًا في نقل أسلحة إماراتية لمعسكر حفتر، كما يعتقد أنه كان له دور كبير في ترتيب لقاء جمع بين حفتر وعملاء للمخابرات الإسرائيلية بوساطة إماراتية، كما أشار تقرير سابق لـ"ميدل ايست آي"، من أجل حصول قوات حفتر على بنادق قنص إسرائيلية ومعدات رؤية ليلية، وأنّه بناءً عل طلب من المشير حفتر الممول من الإمارات، قصفت إسرائيل مدينة سرت بالطيران في 25 آب/أغسطس 2015.
دور الإمارات المشبوه في ليبيا
في آب/أغسطس 2014 نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا حول غارات عسكرية نفذتها طائرات إماراتية ومصرية في ليبيا، وظلت الاتهامات مستمرة للإمارات بلعبها دورًا مشبوهًا في ليبيا، لكنها كانت في إطار الترجيح بناءً على حديث مصادر أو على تسريبات، حتى صدر في حزيران/يونيو الماضي، تقرير أممي اتهم الإمارات بشكل مباشر بانتهاك حظر توريد الأسلحة المفروض على ليبيا.
وكشف التقرير عن تقديم أبوظبي مروحيات قتالية وطائرات حربية لقوات خليفة حفتر، إلى جانب تقديم الدعم المالي واللوجستي لحفتر، حينها امتنعت الإمارات عن الرد على تقرير الأمم المتحدة، خاصة وأن منظمات حقوقية دولية تتهم قوات حفتر بارتكاب جرائم حرب تشمل استهداف مدنيين وتنفيذ عمليات إعدام ميداني وتمثيل بالجثث في بنغازي.
ولم يتوقف الدعم الإماراتي على توريد السلاح والقتل، وإنما تجاوز لمحاولة التعتيم على تلك التجاوزات، وتأمين عدم ملاحقة حفتر وحلفائه دوليًا، وهو ما كشف عنه الموقع الفرنسي الاستقصائي "ميديابارت"، والذي نشر بالاشتراك مع وسائل إعلام دولية، مجموعة تقارير حول تجاوزات الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو -المدّعي العامّ السابق للمحكمة الجنائية الدولية، عبر نحو 40 ألف وثيقة مسرّبة.
ويرتبط لويس أوكامبو بعلاقة مع رجل الأعمال الليبي حسن طاطاناكي، الموالي للإمارات وأحد الداعمين لحفتر. واستطاع الموقع الكشف عن تعاقد تم بين أوكامبو ورجل الأعمال الليبي المدعوم من الإمارات، ليعمل المدعي العام السابق مستشارًا قانونيًا لدى حسن طاطاناكي، ووفقًا للتسريبات فإن ذلك التعاقد كان بشكل رئيسي للبحث عن إيجاد استراتيجية وخطة لإفلات حفتر وحلفائه من ملاحقة المحكمة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
خرقت الإمارات القرارات الأممية بلعبها دورًا مشبوهًا لدعم حفتر، كما اعتمدت على الرشاوي للتأثير على القرار الدولي في ليبيا
وعلى ما يبدو فإن الرشاوى بمثابة سنة في السياسات الإماراتية، فليس لويس أوكامبو فقط من حاولت أبوظبي استمالته لتطبيق سياستها في ليبيا، هناك أيضًا برناردينو ليون، المبعوث الأممي الأسبق في ليبيا، والذي سعى إلى استمالة بعض الأطراف الليبية لوجهة النظر الإماراتية. وبعد فشل ليون في إدارة الحوار بين الفرقاء الليبيين المتصارعين بشهر واحد، أُعلن عما اعتبره البعض فضيحة دبلوماسية، بعد تعيين ليون مديرًا للمؤسسة الأكاديمية الدبلوماسية في أبوظبي، وذكرت صحيفة الغارديان أن الوظيفة تأتي مقابل ألف جنيه استرليني في اليوم (30 ألف جنيه استرليني في الشهر).
اقرأ/ي أيضًا:
وثائق مسربة: رشاوى الإمارات وحفتر تؤثر على القرار الدولي في ليبيا
دولة الانتهاكات.. تقرير أممي يفضح تورط الإمارات في أنشطة عسكرية غير مشروعة