13-نوفمبر-2024
التوسع في غزة

صورة أرشيفة لدبابة إسرائيلية تجري مناورة قرب الحدود مع غزة (رويترز)

على عكس الأجواء التي يضفي عليها المسؤولون الأميركيون جانبًا من التفاؤل بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بين فترة وأخرى، وكذلك التصريحات التي تدعو الاحتلال الإسرائيلي إلى إنهاء عدوانه المتواصل على قطاع غزة لليوم الـ404 على التوالي، تظهر الوقائع أن الاحتلال الإسرائيلي يخطط للبقاء فترة طويلة في القطاع، وهو ما يتماهى مع عملية التهجير القسري التي يُجبر فيها سكان الشمال على النزوح إلى الجنوب.

هذه الوقائع التي تتأكد يومًا بعد يوم، يعكس حقيقتها تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، يكشف عن عمل جيش الاحتلال على إنشاء بنية تحتية جديدة في قطاع غزة، بما في ذلك بناء مواقع متطورة في المناطق التي دمرها سابقًا، مجهزة بهوائيات اتصال، فضلًا عن إنشاء أبنية ثابتة ومتنقلة، وكذلك بنى تحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء.

وكان وزراء وأعضاء كنيست في أحزاب ائتلاف اليمين المتطرف الحاكم قد طالبوا مرارًا وتكرارًا بإعادة استيطان غزة، وكذلك بإلغاء قانون "فك الارتباط" مع القطاع الصادر عام 2005، وذلك بعد تنظيمهم مؤتمرًا استيطانيًا تحت عنوان "الاستعداد لإعادة استيطان غزة"، قرب مستوطنة بئيري بمحاذاة غزة التي صنفها الاحتلال منطقة عسكرية مغلقة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بحسب ما ذكرت تقارير سابقة.

يكشف التقرير عن عمل جيش الاحتلال على إنشاء بنية تحتية جديدة في قطاع غزة، بما في ذلك بناء مواقع متطورة في المناطق التي دمرها سابقًا

بالعودة إلى تقرير الصحيفة العبرية، فقد أوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على تطوير مشاريع بناء بشكل كثيف في مناطق عديدة شمالي القطاع، شبيهة بـ"مشاريع حكومية لحل أزمة سكن"، لافتًا إلى استيلاء جيش الاحتلال على أراضٍ ومحاور استراتيجية في القطاع، والتي يتماهى جزء منها مع الوضع الذي كان قائمًا قبل "فك الارتباط"، وذلك بناء على صور الأقمار الصناعية التي أظهرت وجود مواقع عسكرية على طول المحاور التي أنشأها جيش الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعدما تم إفراغ شمال غزة من سكانه، الذي انخفض من 500 ألف فلسطيني قبل العدوان إلى 20 ألف شخص فقط في الوقت الراهن.

وكان الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن في عام 2005 "فك الارتباط" مع قطاع غزة، في صورة مشابهة للضفة الغربية، وهو ما أدى إلى تفكيك المستوطنات داخل القطاع، وفرض سيطرة إسرائيلية على المعابر الحدودية، ثم بناء جدار عازل يفصل بين القطاع وغلاف غزة، والذي أفضى في النهاية إلى حصار مطبق على القطاع حتى يومنا الراهن.

وبحسب "هآرتس"، فإن جيش الاحتلال شق طريق جديدة مع إنشاء منطقة تجمّع واسعة في منطقة كيسوفيم، وهي مستوطنة محاذية للقطاع تقع في شمال صحراء النقب، مشيرةً إلى أن هذه الخطوات تتزامن مع جهود الاحتلال لتفريغ شمال غزة من سكانها، وتحويل المنطقة إلى "جيب عسكري مغلق"، مضيفةً أن الوثائق التي يطلق عليها مسمى "رسم خارطة القتال لعام 2025"، تظهر نية جيش الاحتلال شق محاور استراتيجية وإنشاء مواقع جديدة. 

خريطة التوسع في غزة
تظهر الخارطة مناطق تواجد قواعد جيش الاحتلال العسكرية واتجاهات التوسع (هآرتس)

وتقول "هآرتس" إن جيش الاحتلال يعمل أيضًا على توسيع محور نتساريم الذي زاد عرضه إلى سبعة كيلومترات بعد إزالة جميع المباني على جانبيه، ويُستخدم حاليًا كممر لوجستي رئيسي في عمليات الجيش، ويحتوي على مواقع عسكرية كبيرة للتمركز طويل الأمد. وكذلك يقوم جيش الاحتلال بعمليات تجريف واسعة في محور فيلادلفيا، الذي يمتد على الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، ومن المخطط أن يتوسّع الشريط إلى ثلاثة كم بعد إزالة الأحياء السكنية في المنطقة، وذلك رغم المعارضة الدولية لهذه الخطط نظرًا لتسببها بتدمير أجزاء كبيرة من مدينة رفح.

كما يرمي جيش الاحتلال إلى إنشاء شريط عازل على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، بعرض لا يقل عن واحد كم. وبحسب "هآرتس"، فإن الهدف من هذا الشريط هو حماية مستوطنات "غلاف غزة" من تهديدات الصواريخ المضادة للدبابات، لكن ينظر إليه على أنه جزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع لضمان وجود طويل الأمد على الأرض.

وأخيرًا، يجري العمل على تطوير منطقة كيسوفيم التي أصبحت ممرًا لوجستيًا جديدًا داخل القطاع، حيث يتم توسيع الطريق ليصبح مماثلًا للممرات العسكرية الأخرى في غزة. وكانت الصحيفة قد أكدت أيضًا أن جيش الاحتلال يعمل على توسيع "محور نتساريم" الذي يتجاوز عرضه الحالي خمسة كيلومترات، وطوله سبعة كيلومترات، مشيرةً إلى وجود خطط لتوسيع عرضه سبعة كم.

ونقلت الصحيفة عن ضابط أنهم قاموا "تجريف مساحات واسعة" داخل القطاع، في إشارة إلى تدمير المباني والبنية التحتية، بهدف منع فصائل المقاومة الفلسطينية والمدنيين من استخدامها. كما أشار التقرير إلى أن جنود الاحتلال يعيشون في "ظروف مريحة نسبيًا" داخل هذه المواقع العسكرية الجديدة، والتي تم تجهيزها بكافة مستلزمات البنية التحتية، والمواد الغذائية، بالإضافة إلى المساحات الترفيهية. وقال أحد الضباط إن الإجواء داخل الموقع تشبه "خط آخر ضمن مستوطنات غلاف غزة أو الضفة الغربية"، لا منطقة حرب.

وكانت الأمم المتحدة قد قالت، أمس الثلاثاء، إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفضت أو علقت 85 بالمئة من محاولاتها لتنسيق قوافل المساعدات والزيارات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال حملة التهجير القسري الممنهج تحت تهديد السلاح في شمالي قطاع غزة.