بدا واضحًا من اليوم الأول تكاتف الأحزاب اللبنانية في وجه الانتفاضة لإنهاء تأثيرها في الشارع، فخرجت من داخل هذه الأحزاب، الأصوات التي تتهم الانتفاضة بمن يُحركها لتحقيق أجندات، داخلية وخارجية.
لم يظهر من الأحزاب السياسية في لبنان، صاحبة المواقف الداعمة لمطالب الشعب، إلا القليل، مثل التنظيم الشعبي الناصري والحزب الشيوعي
واستخدمت بعض أحزاب المجموعة الحاكمة، سياسة "العصا والجزرة"، فصرحت باتفاقها مع مطالب الانتفاضة، وادعت بأنها طالبت بها أيضًا منذ سنوات، وفي المقابل كانت تهدد المتظاهرين في الشوارع والساحات، ولم تتوانَ بعض الأحزاب بالزج بعناصر للاعتداء على المتظاهرين.
اقرأ/ي أيضًا: خطاب حسن نصر الله.. محاولات متناقضة لركوب موجة الانتفاضة!
في المقابل، لم يظهر من السياسيين أصحاب المواقف المتضامنة مع مطالب الشعب، إلا القليل، ولم تُبدي أحزاب سياسية تضامنها ودعمها الكامل مع الانتفاضة اللبنانية إلا أقل القليل، من ذلك موقف الحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الشعبي الناصري.
ناصريو أسامة سعد
خندق أسامة سعد، زعيم التنظيم الشعبي الناصري، حزبه بين المعارضة اللبنانية منذ سنوات في ظل الحكومات المتعاقبة، بما فيها حكومة سعد الحريري الأخيرة، التي قال سعد: "لم أمنحها ثقتي في المجلس النيابي".
"الإنكار لا يفيد، وعلى السلطة أن تدرك أن متغيرات حصلت، وأن حان أوانت انتقال السلطة"، يقول سعد في مقابلة صحفية، بعد أن وجه التحية للمنتفضين الذين قال إنهم "يريدون دولة عصرية، لا دولة مزارع".
وشارك أمين عام التنظيم الشعبي الناصري، أسامة سعد، المتظاهرين في اعتصاماتهم بصيدا، واصفًا الاعتصام بـ"المقاومة الشعبية"، بقوله: "أبناء صيدا أيام المقاومة كانوا السباقين، واليوم يقاومون مقاومة شعبية".
تجنب سعد في المقابلة التي أجراها معه قناة الجديد، الرد المباشر على خطاب الأمين العام لحزب الله، لكنه في المقابل، رد بما يناقض خطاب نصر الله بالإشارة والتلميح، فقال: "الحراك الشعبي له أجندة سياسية وطنية وليس مرتبط بأي أجندة خارجية".
وانطلاقًا من كونه محسوبًا على ما يسمى بـ"محور الممانعة"، لم يستبعد سعد أن تقوم "الدوائر الأميركية الصهيونية بأدوات لبنانية بتوظيف أي حراك شعبي أصيل وصادق ونابع من معاناة حقيقية للشعب اللبناني"، مبررًا انخراطه في الانتفاضة على خلاف توجه حليفه حزب الله، بقوله: "حين نكون نحن في موقع المعارضة، فإننا نشكل الضمانة للمقاومة".
وطرح أسامة سعد رأيه لحل الأزمة السياسية في البلاد، قائلًا: "على هذه الحكومة (حكومة سعد الحريري المستقيل) الدعوة لانتخابات نيابية نزيهة تقوم على قانون يعتمد النسبية والدائرة الواحدة، وتشكيل سلطة قضائية مستقلة لضمان نزاهة الانتخابات، والعمل على استعادة الأموال المنهوبة ومحاربة الفساد والذهاب نحو الدولة المدنية وإلغاء الطائفية السياسية".
يتفق هذا الطرح مع طرح الحزب الشيوعي اللبناني، وتتعارض في المقابل مع رؤية حزب الله، خاصة فيما يتعلق بـ"الدولة المدنية، وإلغاء الطائفية السياسية، والقانون المدني للأحوال الشخصية"، ليبدو أن سعد يقف بتنظيمه الشعبي الناصري على مفترق طريق سياسي، ففي حين تبنى خيار الدولة المدنية، يُصر حزب الله، كما تبين خطابات نصر الله، على الاتجاه بلبنان نحو دولة المحاصصة الطائفية.
الحزب الشيوعي يندد بـ"القمع والترهيب"
انحاز الحزب الشيوعي للانتفاضة اللبنانية ومطالبها، وكان واضحًا انتقاد المجموعة الحاكمة في تصريحات الأمين العام للحزب، حنا غريب، كما بدا واضحًا رفضه للحلول المؤقتة، لمّا قال: "لا ثقة لأي حكومة تعيد إنتاج السلطة السياسية والطائفية الفاسدة"، مشددًا: "سنضع مسمار في نعش هذا النظام الطائفي".
ومنذ البدايات الأولى اانتفاضة، ندد غريب بالاعتداءات عليها من قبل قوات الأمن ومليشيات تابعة لبعض أحزاب السلطة، مؤكدًا على أن "التظاهرات سلمية"، وأن "المتظاهرون يواجهون القمع والترهيب".
وفي حين تكثفت الاعتداءات والتشويه للمتظاهرين في مناطق جنوب لبنان، صرح حنا غريب بأن "شعب الجنوب شعب مقاوم. هو لا يريد فقط تحرير الأرض المحتلة، بل أن يأكل ويشرب أيضًا، فهمل ممنوع أن يقوم بالأمرين معًا؟".
"المقاومة الاقتصادية والاجتماعية"
يرى غريب أن الموضوع الاقتصادي والاجتماعي يقع "في صلب القضية الوطنية"، لذا فقد قال إن تأمين الكهرباء والماء وشبكة الطرق وفرص العمل والصحة والتعليم والسكن، هو "فعل مقاوم".
"المقاومة فعل متكامل وليس هناك تناقض بين المقاومة وبين محاربة الطائفية"، يؤكد غريب، مشيرًا إلى أنه "إلى جانب مقاومة الكيان الصهيوني، يجب تأمين أسباب الصمود للشعب اللبناني، حتى يتمكن من مواجهة المشروع الأمريكي في المنطقة".
والطائفية بالنسبة لزعيم الحزب الشيوعي، هي "الحليف الأكبر للمشروع الأمريكي، وهو يرى أن هناك استغلال طبقي تمارسه السلطة السياسية عبر استخدام الطائفية والمذهبية غطاء لتأبيد نظامها وإفقار اللبنانيين وتهجيرهم".
"رؤية شاملة للمقاومة"
يطرح الحزب الشيوعي، فيما عبر وصرح به حنا غريب، ما يعبتره "رؤية شاملة للمقاومة"، وذلك بعد سنوات بدت فيها المقاومة وما يسمى بـ"محور الممانعة"، على الجانب الآخر، المضاد، من مطالب الشعوب.
وتتمثل هذه الرؤية التي يقدمها الحزب الشيوعي اللبناني في الانطلاق من "التحرير يستلزم التغيير"، بما يعنيه ذلك التوافق على المطالب الشعبية بالقضاء على نظام المحاصصة الطائفية، ومكافحة الفساد، وإنهاء السياسات الاقتصادية المفقرة للشعب اللبناني.
"على كل من وضع نفسه في وجه الانتفاضة أن يراجع موقفه"، يقول غريب، مضيفًا في محاولة لفك الالتباس ومعارضة الادعاء بوقوف أحزاب مثل القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، وراء الانتفاضة: "لا علاقة للانتفاضة الحالية بالقوات اللبنانية التي انتقلت من الحكومة إلى الشارع".
ولم يفت غريب الرد على الاتهامات التي وجهها حسن نصر الله للانتفاضة بحقيق أجندات ممولين أجنبيين، موضحًا أن المجموعات المدنية الممولة أو المرتبطة ببعض السفارات الأجنبية، الدولة اللبنانية سبق وأعطتها التراخيص اللازمة للعمل من قبل الانتفاضة، مشيرًا إلى أن بعض بلديات لبنان، الواقعة تحت سلطة أحزاب سياسية معارضة للانتفاضة، هي التي تتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) لتنفيذ بعض "المشاريع التنموية".
"ممانعة" حزب الله
يمثل الخطاب الذي يتبناه كل من التنظيم الشعبي الناصري والحزب الشيوعي، الجمع بين مسار المقاومة والتغيير السياسي والاقتصادي، أو كما أشارا إليه بمقاومة الخارج والداخل. بينما يقف حزب الله عند حدود التمسك بـ"المقاومة" كأداة لتكريس شرعية سياسية في الداخل، ينتفض عليها الشعب اللبناني الآن.
وفي حين يطرح كل من أسامة سعد وحنا غريب، خيار الدولة المدنية كحل للخروج من الأزمة السياسية في البلاد وتبعاتها، يتمسك حزب الله بالنظام الطائفي على المستوى السياسي والاجتماعي. ويلعب حزب الله على وتر "المقاومة" و"الممانعة" لتبرير رفض أي مساعٍ لتغيير هذا النظام في البلاد.
يعتقد محللون أن حزب الله ينطلق من معادلة مفادها "كلما ضعفت الدولة، كلما كان حزب الله أقوى"، لكن مع عدم السماح للدولة بالانهيار الكامل، وإنما بتكتيك الحفاظ على الوضع القائم.
وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، واضحًا في خطابه الأخير، حين قال: "ليس هناك إجماع على إلغاء الطائفية السياسية، وعلى قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، وما هو متوافق عليه لدى غالبية اللبنانيين هو محاربة الفساد"! في الوقت الذي يهتف فيه المتظاهرون في ميادين الانتفاضة الشعبية، ضد الطائفية باعتبارها أساسٌ للفساد.
أخرجت الانتفاضة أحزابًا من حلفاء حزب الله عن كنفه بالانتماء للشارع المنتفض ومطالبه، ما يضع حزب الله في موقف محرج
أخرجت الانتفاضة اللبنانية، حزبين من أبرز حلفاء حزب الله، عن كنفه، بالانتماء للشارع المنتفض والتمثل بمطالبه، الأمر الذي يضع حزب الله، سياسيًا على الأقل، في موقف مُحرج.
اقرأ/ي أيضًا:
مقابلة تلفزيونية للرئيس اللبناني ميشال عون ومقتل متظاهر في بيروت!
مقترح قانون العفو الجديد.. "مصلحة" الانتفاضة اللبنانية أم خنجر في ظهرها؟!