ألترا صوت – فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
أحمد عبد اللطيف روائي ومترجم وصحفي مصري، من مواليد القاهرة 1978، يعمل بجريدة أخبار الأدب. صدر له ست روايات: "صانع المفاتيح"، "عالم المندل"، "كتاب النحات"، "إلياس"، "حصن التراب"، "سيقان تعرف وحدها مواعيد الخروج"، ومجموعة قصصية "مملكة مارك زوكربيرج وطيوره الخرافية". ترجم ما يربو على ثلاثين كتابًا بين الرواية والدراسة النقدية والمسرح والقصة والسيرة، من بينها أعمال لـ خوان خوسيه مياس، جوزيه ساراماغو، جيوكوندا بيلي، ريكاردو بيجليا. يكتب ويترجم في الصحافة الثقافية منذ 2002.
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
أعتقد، وهو اعتقاد يتضاعف مع مرور الوقت، أن كل ما حدث في حياتي كان بمحض صدفة، بما في ذلك الكتب: كتابة، قراءة، ترجمة، صحافة. لأسباب تخص مشاكل النطق وقضاء ساعات طويلة في عيادات التخاطب، والعزلة التي فرضتها على نفسي خجلًا، لم يكن أمامي، في ثمانينات القرن الماضي، إلا الكتب والورق والأقلام. بدأت القراءة بشكل منتظم في السابعة ربما، وهي نفس السن التي بدأت فيها الكتابة، كتابة الأحلام بالتحديد. لم تكن الكتابة حينها طريقة لفهم أي شيء، مجرد استجابة لشعور داخلي وتعويضًا عن نقص الكلام. كانت الكتب هي عزائي في ساعات طويلة مملة، كنت أملأها أحيانًا بتسجيل شرائط كاسيت بصوتي وأنا أقرأ أو أتكلم. حينها اكتشفت أن صوتنا الذي نسمعه حين نتكلم ليس هو الصوت الذي يسمعه الآخرون، لذلك لا يكتشف الألثغ أبدًا أنه كذلك حتى يخبروه، وبالطبع لن يصدق. مع الوقت تتضخمت هذه الحقيقة لتشمل تفاصيل أخرى في حياتي. والكتب كانت الأمل في الفهم، وليس فقط من أجل المتعة.
- ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
بالترتيب الزمني للقراءة: "دكتور جيكل ومستر هايد" لـ ستيفنسون، قرأتها كهدية من جارة وأنا في العاشرة تقريبًا، وظل أثرها لوقت طويل، حتى أني كنت أترك الدولاب مفتوحًا لأرى نفسي في مرآته وأتأكد أني لست أحدب. وكنت أتساءل كثيرًا عن معنى وكيفية أن أكون شخصين في نفس الوقت، وظلت الفكرة تشغلني بشكل مفرط حتى أدركت أن بداخلنا أكثر من جيكل وهايد. الكتاب الثاني، وأعتبره من الكتب المؤسسة لوجداني، "بدائع الزهور في وقائع الدهور" لـ ابن إياس. لم أقرأ في حياتي كتابًا بهذا الجمال والخيال، ولا ينافسه عندي إلا كتابات الجاحظ. ربما لذلك أحببت سلفادور دالي وشاغال، وأفلام فيلليني، واتصلت بأدب أمريكا اللاتينية، واتسقت مع تيار الواقعية السحرية، وصارت قصص بورخيس امتدادًا لهذا المزاج.
- من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
ليس لي كاتب واحد مفضّل، فالعالم حافل بكتاب عظماء على مر العصور. مع ذلك، أظن أن الجاحظ هو كاتبي المفضل على الإطلاق، أعود إلى كتبه كبحر في أيام الصيف، وأقضي معه ساعات في ونس ورفقة. مع ذلك أحب تجارب أخرى متعددة، بورخيس، كما أشرت، أفضل كاتب في رأيي في القرن الـ 20، تعدد منتجه الفكري والأدبي يسمح لي بالانتقال بين أكثر من بورخيس. أحب أيضًا ساراماغو وخوان مياس، لكن من الصعب أن أرجع لعمل قرأته لأي منهما، وفي حالة مياس أنتظر الجديد دائمًا. أفلاطون أيضًا كاتب مفضل، وإن كان إسبينوزا الأقرب لقلبي، شعرية أحمد يماني تعبّر عني، ونثر عزت القمحاوي خلّاب. كل هؤلاء يجمع بينهم خيط خفي، ربما المتعة الخفية التي لا تعلن عن نفسها، المتعة المتراكمة، سطرًا وراء سطر، الحياء في الإعلان عن الجمال، وليس التباهي به.
- هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
كنت أكتب ملخصات في سنوات القراءة الأولى، ثم اكتفيت بملاحظات على هوامش الكتب وعادة ما تكون بالقلم الرصاص. في الأعمال غير الأدبية أستخدم القلم الماركر لألوّن عبارات أو مقاطع أستعين بها في كتابة مقال أو بحث أكاديمي.
- هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
نادرًا ما أستخدم الكتاب الإلكتروني، أفكر فيه حين يتعذر الكتاب الورقي، بسبب السفر أو ندرة الكتاب أو صعوبة العثور عليه. ما أزال تقليديًا ومرتبطًا بالكتاب الورقي، ليس لرائحة الورق وهذه العاطفية، وإنما لأنه أسهل في القراءة بالنسبة لي، وأشعر معه بالونس كرجل محب لعاداته. لا أخفيك أن سيناريو اختفاء التكنولوجيا يواتيني من آن لآخر، ولا أحب أن يكون من بين الخسائر الكتب.
- حدّثنا عن مكتبتك؟
مكتبتي خليط من كتب بالعربية والإسبانية، تتخللها بعض الكتب الإنجليزية. بهذه اللغات قسم خاص بالتراث العربي، وبالأدب شعرًا ونثرًا، وفي الفكر والثقافة، من بينها أعمال إدوارد سعيد، أحب المفكرين إلى قلبي وأكثرهم إلهامًا، وبجواره نصر حامد أبو زيد وجورج طرابيشي وهادي العلوي، وبالطبع طه حسين، مبصر عصرنا. ثم قسم للفلسفة، وقسم للتاريخ يضم كتب الجبرتي والمقريزي مع مؤرخين معاصرين، كما يضم تاريخ إسبانيا والأندلس وأمريكا اللاتينية والقرون الوسطى وعصر النهضة. التاريخ عمومًا من كتبي المفضلة، كأنك تقرأ المستقبل وليس الماضي. وهناك الكثير من الكتب النثرية خارج التصنيف، تتراوح ما بين الكتابة المفتوحة أو علم النفس من منظور إبداعي.
- ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
أقرأ في عدة كتب عادة. "غربة المنازل" لعزت القمحاوي، وهي رواية بديعة وعميقة عن عام العزلة الذي عشناه في 2020 من خلال قصص كثيرة متقاطعة، مكتوبة برهافة وذكاء وعمق. وكتاب بالإسبانية عن الجنون وعلاقته بالإبداع، أو الكتابة كوسيلة لعلاج المرضي النفسيين، وهي منطقة علمية أحبها لأنها تساعد في فهم ما وراء الإبداع. وقبل أيام انتهيت مرة أخرى من قراءة "العالم والنص والناقد" لإدوارد سعيد، وهو من الكتب التي أعود إليها عادة واعتمدت على فصل منه، "النظرية المهاجرة"، في رسالة الدكتوراه، وأرى أن تطبيق هذه النظرية بشكل أوسع سيفيدنا في قراءة تاريخ الإسلام من ناحية، وتاريخ الأدب من ناحية أخرى، إذ هي نظرية عبقرية تستحق الالتفات إليها بقوة.
اقرأ/ي أيضًا: