استضافت فرنسا للمرة الثانية في تاريخها كأس العالم بنسخته السادسة عشر عام 1998. إذ شهدت هذه البطولة مشاركة 32 فريقاً لأوّل مرّة، كذلك تمّ اعتماد نظام الهدف الذهبي إذا ما انتهى اللقاء بالتعادل في الأدوار الإقصائيّة، وسرى دور المجموعات دون مفاجآت تذكر، إذ تأهّلت الفرق الكبرى إلى دور الـ16، باستثناء إسبانيا التي حلّت ثالثة في مجموعتها خلف نيجيريا والباراغواي.
وفي أولى لقاءات دور الـ16 حققت إيطاليا فوزاً صعباً على النرويج، وغلبتها بهدف وحيد للاعب كريستيان فييري، كما سحقت البرازيل زملاء سالاس وزامورانو، فغلبت تشيلي 4-1، كذلك فعلت الدانمارك بمرمى نيجيريا وانتصرت 4-1، فيما عانت هولندا كثيراً قبل أن تصل لدور الثمانية، عندما سجّل لها إدغار دافيدز هدف الفوز على يوغوسلافيا بالوقت بدل الضائع. وبذلك عاقب اللاعب صاحب النظارات السميكة يوغوسلافيا التي أهدرت ركلة جزاء قبل الهدف بدقائق، فانتهى اللقاء بفوز فريق الطواحين 2-1.
استطاع الفرنسي لوران بلان أن يكون أول من يسجّل هدفاً ذهبيّاً في تاريخ كأس العالم
قلبت ألمانيا تأخرّها أمام المكسيك إلى فوز 2-1، بينما كافحت فرنسا كثيراً أمام الباراغواي، والتي أضاع لاعبوها الكثير من الوقت بغية إيصال اللقاء لركلات الترجيح، ذلك لأنهم يملكون حارساً أسطوريّاً اسمه تشيلافيرت، ومع نهاية المباراة بالتعادل السلبي، لعب الفريقان وقتين إضافيّين، وفي الدقيقة 113 سجّل لوران بلان هدفاً قاتلاً لأصحاب الأرض، هدفٌ انتهت به المباراة بسبب اعتماد قاعدة الهدف الذهبي في هذه البطولة، وهو أوّل هدف ذهبي سُجّل بتاريخ كأس العالم. كذلك أنهى الكرواتي سوكر مغامرة فريق رومانيا الأشقر، بهدف وحيد أتى من ركلة جزاء.
قبل بداية كأس العالم بأيّام، قرر لاعبو رومانيا مع مدرّبهم القيام بأفعال مجنونة إن تصدّروا مجموعتهم، فنذروا أن يصبغ جميعهم شعره باللون الأشقر إن تحقّقت المعجزة، وهو ما حدث بالفعل، فبعد أن ضمنت رومانيا صدارة مجموعتها من أول مباراتين، لعبت الثالثة مع تونس ولاعبوها جميعهم بشعرهم ذي اللون الأشقر. يقول حارس رومانيا الذي أنقذه رأسه الأصلع من هذا النذر، "كان الأمر مسلّياً في البداية، لكن بسرعة اتّضح أن ما فعلناه، أو بالأحرى ما فعلوه أمراً غبيّاً، إذ لم تكن حتّى زوجاتهم تطيق ذلك، لم يكن شعر بعضهم أشقر في بعض الأحيان، كان مزيجاً من الألوان الغريبة، كان الأمر غريباً وبشعاً".
جمعت آخر مواجهات دور الـ16 منتخبي إنجلترا والأرجنتين، وهنا رغب الإنجليز أن يثأروا من هزيمة مونديال 1986، عندما خسروا في الدور نصف النهائي بيد مارادونا وقدمه، فقدّم الفريقان ملحمة كرويّة خالدة، وكان هدف مايكل أوين الرائع هو أجمل ما فيها، فتعادل الفريقان مع نهاية الشوط الأوّل 2-2. وفي بداية الشوط الثاني ارتكب بيكهام خطأ كارثيّاً بحقّ فريقه عندما ركل الأرجنتيني دييغو سيميوني دون كرة، وعلى الفور أشهر الحكم بوجهه البطاقة الحمراء، فلعب فريقه ناقص الصفوف طيلة ما تبقّى من وقت، وحافظ الإنجليز على تماسك خطوطهم حتّى نهاية الوقتين الأصلي والإضافي، ليلجأ الفريقان لركلات الترجيح التي أدارت وجهها أمام زملاء بيكهام.
ليست المرّة الأولى التي تخرُج فيها إنجلترا من كأس العالم بركلات الحظ، إذ طردت ضربات الترجيح الإنجليز من نصف نهائي كأس العالم 1990، وستشكّل هذه الركلات لعنة ثابتة على الإنجليز الذين سيخسرون كافّة مواجهاتهم في كأس العالم التي تُحسم بالركلات تلك، لم تتخلّص انجلترا من لعنة الركلات تلك إلا في مونديال روسيا 2018، حينما تفوّقت على كولومبيا بركلات الترجيح.
دينيس بيركامب: لم أشاهد هدفي في مرمى الأرجنتين على التلفاز، أردت أن أتلذذ بذكراه في مخيّلتي
صبّت الصحافة الإنجليزية جام غضبها على بيكهام، وجعلت تصرّفاته الجنونية التي ينقصها الخبرة سبباً رئيسيّاً في خروج منتخب الأسود الثلاثة، فوضعت صحيفة الديلي ميرور على صفحتها الأولى عنوان "عشرة أسود أبطال، وصبيّ غبي". ردّ فعل الجماهير الإنجليزية لم يكن أقلّ قساوة على الفتى صاحب الـ20 عاماً، إذ أحرق العشرات صور بيكهام في شوارع إنجلترا، وتلقّى النجم الإنجليزي تهديدات بالقتل..!
في أولى مباريات الدور ربع النهائي، خسرت إيطاليا بركلات الترجيح للبطولة الثالثة على التوالي، وكان المستفيد هذه المرّة أصحاب الأرض، بينما فاجأت كرواتيا جميع المتابعين وألحقت بألمانيا خسارة قاسية 3-0، وكم هي نهاية تعيسة للفريق الذي أحرز كأس أمم أوروبا 1996 قبل مونديال فرنسا بسنتين، وكادت الدانمارك أن تقصي البرازيل من دور الثمانية، لكنّ لاعباً رائعاً اسمه ريفالدو حرم الأخوين لاودروب من مواصلة المشوار، بعد أن سجّل هدفي بلاده الثاني والثالث، في اللقاء الذي فاز به فريق السامبا بصعوبة 3-2.
وحجزت هولندا آخر بطاقات الدور نصف النهائي، حين أقصت الأرجنتين بهدفين لهدف، حيث اعتقد الجميع أن المباراة تسير إلى التمديد بسبب التعادل 1-1، لكن دينيس بيركامب سجّل هدفاً تاريخياّ بمرمى الأرجنتين، وكان هدف النجم الهولندي من أجمل الأهداف التي سُجّلت بتاريخ المونديال. يقول بيركامب، "لم أشاهد الهدف مرّة ثانية، لأنني أردت أن أحتفظ به في مخيّلتي وأتلذذ بذكراه، ولا داعي لأن أراه على شاشة التلفاز الصغيرة".
ستلاقي فرنسا صاحبة الضيافة في الدور نصف النهائي مفاجأة البطولة السارّة فريق كرواتيا، بينما سيصطدم حامل اللقب المنتخب البرازيلي مع هولندا، والتي تملك جيلاً رائعاً من اللاعبين أمثال دينيس بيركامب وإدغار دافيدز والأخوين دي بور وباتريك كلايفيرت، فما هي أبرز ملامح لقاءات الدورين نصف النهائي والنهائي؟