سادت أجواء طغى عليها حالة من التوتر تخوفًا من تنفيذ قوات النظام هجومًا انتقاميًا يستهدف مقاتلي المعارضة المهجرين قسريًا من ريف دمشق الغربي، بعد أن فجر انتحاري سيارته المفخخة بتجمع لحافلات ينتظر فيها موالون للنظام السوري من بلدتي "كفريا، والفوعة" في منطقة "الراشدين" غربي حلب، كانوا في طريقهم إلى مدينة حلب في إطار ما يعرف باتفاقية المدن الأربعة.
بعد تفجير حافلات الترحيل من كفريا والفوعة برزت مخاوف من تنفيذ قوات النظام هجومًا انتقاميًا يستهدف مقاتلي المعارضة مع عوائلهم
وكان تجمع من مقاتلين تابعين للنظام السوري، وميليشيا"حزب الله" اللبناني، ينتظرون مع عوائلهم في منطقة "الراشدين" أمس السبت السماح لهم بمتابعة مسيرهم إلى مدينة حلب استكمالًا لتنفيذ بنود اتفاق خروج مقاتلي المعارضة من منطقتي "الزبداني، ومضايا" إلى مدينة إدلب، مقابل خروج المقاتلين الموالين للنظام من بلدتي "كفريا، والفوعة" بريف إدلب، عندما انفجرت سيارة مفخخة ما أسفر عن مقتل مائة شخص على الأقل، بينهم مقاتلون من المعارضة السورية، بالإضافة لعشرات الإصابات.
اقرأ/ي أيضًا: بالنسبة لروسيا..سوريا ليست أوكرانيا
وبعد تناقل خبر التفجير أعرب مجموعة من الناشطين عن مخاوفهم من تنفيذ قوات النظام هجومًا انتقاميًا يستهدف مقاتلي المعارضة مع عوائلهم الذين كانوا ينتظرون أمام معبر "الراموسة" السماح لهم بمتابعة طريقهم إلى مدينة إدلب، بعد الاتفاق مع النظام السوري على إخلاء مناطق المعارضة في ريف دمشق الغربي من المقاتلين مقابل خروج المقاتلين الموالين للنظام من البلدتين المحاصرتين في ريف إدلب منذ أكثر من عامين تقريبًا.
ونصت الاتفاقية الموقعة برعاية قطرية - إيرانية، التي قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن حركة "أحرار الشام الإسلامية" هي من وقعت بنودها مع ضباط إيرانيين،، بالإضافة لعملية خروج المقاتلين من الطرفين، أن يفرج النظام السوري عن 1500 معتقل في سجونه، وتوقيع هدنة مدتها تسعة أشهر تشمل المناطق المذكورة بالاتفاق مع ريف إدلب.
وبهذا الاتفاق يكون النظام السوري استطاع أن يؤمن محيط العاصمة دمشق من جهة الريف الغربي باستعادته السيطرة على آخر معاقل المعارضة فيها، بعد أن عمل سابقًا على ممارسة سياسة التهجير القسري لمختلف مناطقها من الجهة عينها، ويكون بذات الوقت قد انتهى من إحدى أوراق الضغط التي كانت تستخدمها المعارضة ضده، وتهديدها المستمر بقصف البلدتين في حال لم يتوقف القصف على مناطقها.
ويمكن خروج آخر مقاتلي المعارضة من ريف دمشق الغربي النظام السوري من إعادة ترتيب أوراقه عسكريًا، ما يساعده على حشد قواته لبدء عملية استعادة السيطرة على منطقة "الغوطة الشرقية"، وبلدات جنوب دمشق، ويكون بالتالي أغلق ملف الريف الغربي للعاصمة الذي استعاد السيطرة على معظم مناطقه مطلع العام الجاري خلال حلمة عسكرية كبيرة جاءت بالتزامن مع الهدنة الموقعة بضمانة روسية – تركية نهاية العام الفائت.
تؤكد سياسة التهجير القسري التي يمارسها النظام السوري، وإيران الداعم الأول له، أن الشمال السوري مقبل على معركة عسكرية قد تبدأ في أي لحظة
وتأتي التفجيرات الأخيرة مزامنة للحملة الدولية التي تقودها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعدما أثبتت تقارير غربية استخدام نظام الأسد لغاز السارين السام المحرم دوليًا في القصف الذي طال مدينة "خان شيخون" بريف إدلب منذ عشرة أيام تقريبًا، محاولًا الحصول على تعاطف دولي، ما يثير التساؤل حول حصولها في هذا التوقيت تحديدًا.
ووضع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أمام موقف لم يكن يتوقعه عندما أعطى الرئيس ترامب الأمر بقصف مطار "الشعيرات" الذي انطلقت منه المقاتلة التي استهدفت "خان شيخون" بالسلاح الكيميائي، ألحقه بسلسلة من التصريحات يهاجم فيها الأسد، وحلفاءه الروس، وهذه المرة الأولى التي تقصف فيها الولايات المتحدة مواقعًا للنظام السوري منذ اندلاع الاحتجاجات عام 2011.
اقرأ/ي أيضًا: سوريا واستنساخ سيناريو تبعية العراق
وتناقل ناشطون على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أقل من ساعتين من وقوع التفجيرات تسجيلًا صوتيًا تم نسبه لقوات النظام، يقول فيه المتكلم: "لسا مجزرة أكبر من مجزرة الخزانات إن شاء الله تعالى، إن شاء الله حسب التوقعات والتقارير رح يصير بين 15- 20 إلى 25 ميت"، ولم يتسنّ لموقع "الترا صوت" التأكد من صحته.
يشكل تواجد هيئة "تحرير الشام" في محافظة إدلب عاملًا إضافيًا من المرجح أن يستخدمه النظام السوري كذريعة لقصفها بحجة مكافحة الإرهاب
ويضع إخلاء النظام السوري للبلدتين اللتين كانتا تتلقيان المساعدات الإنسانية جوًا فصائل المعارضة في الشمال السوري أمام خيارات صعبة، من بينها التقارير الغربية التي تحدثت عن نية النظام شن هجوم بالسلاح الكيميائي على مدينة إدلب بعد احتضانها لمئات مقاتلي المعارضة المهجرين قسريًا من مناطق سكنهم الأصلي.
وأصبحت المدينة مع الريف خالية من أي تواجد لقوات النظام بخروج أخر المقاتلين من بلدتي "كفريا، والفوعة"، وتؤكد سياسة التهجير القسري التي يمارسها النظام السوري، وإيران الداعم الأول له، أن الشمال السوري مقبل على معركة عسكرية قد تبدأ في أي لحظة، نظرًا إلى أن نظام الأسد يسعى جاهدًا لامتصاص ردود الفعل الدولية الغاضبة لاستخدامه السلاح الكيميائي ضد المدنيين.
ومنذ بداية العام الجاري استطاع نظام الأسد بدعم الميليشيات المدعومة من إيران، وغطاء جوي من المقاتلات الروسية، استعادة السيطرة على العديد من المناطق، كان أهمها الشطر الشرقي لمدينة حلب، ومنطقة "وادي بردى" بريف دمشق الغربي، وحي "الوعر" الحمصي الذي يشهد عملية تهجير قسري مماثلة تشمل مقاتلي المعارضة مع أسرهم.
كما أن حالة عدم الاستقرار التي يشهدها الشمال السوري، إن كان من جانب حوادث الاقتتال شبه الدائمة بين فصائل المعارضة، أو من ناحية تواجد "قسد" في ريف حلب الساعية لإنشاء فيدرالية كردية، ستجعل النظام يبدأ التجهيز لمعركته في محافظة إدلب، حيث توضح الخارطة العسكرية وقوعها بين قوات النظام والميليشيات الأجنبية من طرف، ومقاتلي "قسد" من طرف آخر.
ليس متوقعًا أن تصمد الهدنة حسب الاتفاق المبرم بين الطرفين لمدة تسعة أشهر بعد فشل معظم الهدن السابقة بسبب خروقات النظام
كذلك يشكل تواجد هيئة "تحرير الشام" في محافظة إدلب، المدرجة على لائحة التنظيمات الإرهابية للخارجية الأمريكية عاملًا إضافيًا من المرجح أن يستخدمه النظام السوري كذريعة لقصفها بحجة مكافحة الإرهاب، بالاشتراك مع حلفائه المتواجدين معه على الأرض، وكان لهم دور بارز في استعادة مختلف المناطق.
وليس متوقعًا أن تصمد الهدنة حسب الاتفاق المبرم بين الطرفين لمدة تسعة أشهر بعد فشل معظم الهدن السابقة بسبب خروقات النظام، إذ يبدو أن الأسد حاليًا سيتابع مخططه لتأمين محيط العاصمة من ناحية "الغوطة الشرقية" قبل أن يبدأ أية عملية عسكرية في محافظة إدلب التي تحولت لأكبر حاضنة لمقاتلي المعارضة، وسط مخاوف من حصول مجازر ترتكبها مقاتلات النظام باستهدافها العشوائي لمناطق المدنيين، الأمر الذي يجعل فصائل المعارضة أمام دوامة من الخيارات غير معلومة النتائج.
اقرأ/ي أيضًا: