بات ينتابني شغف وفضول عميقان في منحى رصد نفسيات وذهنيات وتصرفات الأشخاص غير الموهوبين، الذين خالطوا جماعة الأدب في البلاد العربية، فباتوا يعتقدون أنفسهم كتّابًا، ويتصرّفون على هذا الأساس. ولأن الساحة الأدبية العربية أضحت تفتقر إلى معاييرَ صارمةٍ، تحول دون وصول المغشوش إلى واجهتها، فقد صار بعضهم نافذًا فيها، مستغلًّا نفوذه ذاك في إقصاء وتهميش الأقلام الحقيقية، بل إنه صار في أحايينَ كثيرةٍ يمثّل المشهدَ الأدبي في منابرَ عالميةٍ وازنةٍ، مما يُعطي انطباعًا بأن العرب متخلّفون أدبيًا.
إن الفنون المسرحية والروائية والسينمائية خاصة، مدعوة للاستثمار جماليًا، في الواقع العربي المنخور بروح الزيف والادعاء
إن قلة الحياء والقدرة على تحمّل الصدمات الناتجة عن ذلك، هما الصفتان البارزتان في هذا الصنف، إذ لا يجد وجوهُه حرجًا في تقديم أنفسهم ونصوصهم، حتى في حضرة القامات الكبيرة، وإذا وجدوا حشمة منها، فإنهم يتوغلون في ادعاء صداقتها، والقول على لسانها إنها زكّتْ "تجاربهم الإبداعية"، وقالت فيها كلامًا محمودًا، والدليل ليس مكتوبًا، فقد يتورّط القلم الكبير شفويًا، لكنه لا يفعل كتابيًا، إلا في حالات نادرة محكومة بالمصالح، بل إن الدليل صور يزرعونها في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تكاد أن تتحوّل إلى بيوت لهم، ومكالمات هاتفية يجرونها مع هؤلاء الكبار، في حضرة من يريدون أن يقنعونهم بصداقتها.
اقرأ/ي أيضًا: هل استطاع مارتن لوثر كينج تحقيق حلم حياته؟
ولأن المغشوش حليف المغشوش، على وزن "الشاعر أخو الشاعر" كما قال رامبو، طبعًا يقصد الشاعرَ الحقيقيَّ، فقد تحالف هذا الصنف مع أشباهه، وتبادلوا أنساغ الحضور، حتى صاروا أسيادَ الواجهة، متواطئين مع إدارة ثقافية لا تملك الخلفية الكافية لفرز المبدع من الهزيل، ومنظومة إعلامية لا تملك النزاهة الكافية في التعامل مع المبدع دون الهزيل، والنتيجة: نطيحة ومتردية وما أكلت الرداءة، والحديث قياس على المسرح والسينما والتشكيل وهلمّ فنًّا.
إن الفنون المسرحية والروائية والسينمائية خاصة، مدعوة للاستثمار جماليًا، في هذا الواقع العربي المنخور بروح الزيف والادعاء، بالاشتغال على ما يحفل به من نفسيات وذهنيات وسلوك، فقد اشتغلت خلال عقود الاستقلالات الوطنية الأولى، على صورة المثقف الثوري/الحالم، ثم صورة المثقف المهموم/المتأزم، وآن لها أن تشتغل على صورة المثقف المزيّف، حتى تكون منسجمة مع التحول الحاصل في الحياة الثقافية العربية.
مَخرج: لا يضحكني مثلُ مراهنة المزيف على زيفه في الوصول/كيرس.. ساحرة في الميثولوجيا اليونانية.
اقرأ/ي أيضًا: