صباح الخميس 13 تشرين الأول/أكتوبر 2016، شاع الخبر في أنحاء العالم: "المغني الأمريكي بوب ديلان يفوز بجائزة نوبل في الآداب لعام 2016". هي المرة الأولى التي تُمنح فيها جائزة نوبل للآداب إلى مؤلف موسيقيّ، فهل كان بوب ديلان اختيارًا مفاجئًا ومتواضعًا بالنسبة لكثيرين من متابعي الشأن الثقافي؟
رأى البعض في فوز ديلان بالجائزة "تحية وداع خجولة من العولمة المتوحشة التي تعبد المال"
بداية، اسم ديلان ليس بغريب عن قوائم الأكاديمية السويدية فهو على لائحة المرشحين منذ سنوات، وله شهرة عالمية وممتدة لأربعة عقود خلت. تقول الأكاديمية في حيثيات منح الجائزة لديلان إنه "ابتكر تعابير شاعرية جديدة داخل التقليد الغنائي الأميركي"، ولا تنسى سارة دانيوس، الأمينة العامة للأكاديمية، أن تقول في تصريحات للتلفزيون السويدي إن "بوب ديلان يكتب شعرًا للأُذُن"، مؤكدة أن أعضاء الأكاديمية عبّروا عن "تماسك كبير" في إطار هذا الخيار.
اقرأ/ي أيضًا: نوبل للآداب 2016.. للمُحتج بوب ديلان
الأوساط الثقافية في العالم حبست أنفاسها قبل الإعلان عن الفائز بجائزة نوبل لهذا العام والتي عادة ما يتم الإعلان عنها قبل الفئات الأخرى. البعض فسّر وقت الانتظار الطويل باشتباك المعايير بين القيمة الأدبية والموقف السياسي. الأكاديمية بررت موقفها في وقت سابق من شهر أيلول/سبتمبر في أنها ارتأت التأخير لأسباب تتعلق بجدولها الزمني، لكن محللين رأووا في ذلك الإخلال بالتقاليد دليلًا على خلاف حول اختيار الفائز. ماتياس بيرغ، الصحافي المتخصص في الشؤون الثقافية في الإذاعة العامة السويدية، قرأ في هذا الموقف فرضية أن يكون أعضاء الأكاديمية قد اختلفوا بشأن فائز مثير للجدل على الصعيد السياسي، وكانت الترجيحات أكثر حول الشاعر أدونيس، الذي يحمل الجنسية الفرنسية، والذي صب غضبه على الثقافة العربية والإسلامية في كتابه الأخير، لكن يبدو أن الخلافات تسببت في الابتعاد عن ذلك الاختيار الذي يتوقع له إثارة الجدل، بحسب بيرغ.
الدهشة أصابت الكثيرين من مدمني ألعاب التخمين، فهناك أسماء عادة ما تتكرر كل عام، لكن حتى اللحظات الأخيرة قبل موعد إعلان الجائزة كل ما نعرفه أننا لا نعرف أي شيء. الأكاديمية تلتزم الصمت والسرية في وجه كل التكهنات وتحافظ دائمَا على منهج عمل ثابت، فهي تعد في شباط/فبراير لائحة بكل الترشيحات التي قُدمت لها، قبل أن تختصر هذه اللائحة إلى خمسة أسماء في شهر آيار/مايو، ثم تجري مداولات حتى إعلان النتائج في شهر تشرين الأول/أكتوبر. القائمة القصيرة التي تضم خمسة أسماء تبقى سرية ولا يتم الإعلان عنها إلا بعد مرور 50 عامًا على إعلان النتائج، أي أننا إذا أردنا معرفة من هم المرشحون الخمسة لعام 2016 فعلينا الانتظار لغاية العام 2066.
رأى البعض في فوز ديلان بالجائزة "تحية وداع خجولة من العولمة المتوحشة التي تعبد المال ولا تتورع عن حرث الأرض والناس، إلى القيم الإنسانية التي طبعت ستينيات القرن العشرين، وأشاعت أوهامًا وأحلامًا عن قدرة البشر على الإيمان بمستقبل أفضل وعلى الإتيان بالخير من خلال الوقوف إلى جانب الحق والضحية والطبيعة". بينما تساءل البعض الآخر باستنكار عن ذلك الهوس الذي يتملك الأكاديمية لإبراز نفسها من خلال منح الجائزة إلى أسماء مثيرة للجدل أدبيًا. هذا الرأي يرى في ألكسيفيتش، على سبيل المثال، صحافية مهمة تكتب بأسلوب يستفيد من أدوات الأدب، ولكن حين تُمنح جائزة نوبل فيجب أن تمنح لتكريم الأدب وليس لإعادة تعريفه. آخرون يرون انحيازًا للهامش يظهر مؤخرًا من جانب الأكاديمية السويدية، سواء على مستوى الأسماء أو الأنواع الادبية التي يأتي منها الفائزون.
في العام المقبل سنرى أن الأسماء المرشّحة ذاتها ستعود إلى الواجهة مع اقتراب نوبل 2017
اقرأ/ي أيضًا: نوبل للآداب.. حمى الترشيحات
بالطبع لا يزال الصحفيون أوفياء لهوايتهم الموسمية المفضلة بخصوص التكهنات والتنبؤ والحديث عن الأسماء ذاتها، وتأتي النتيجة بعكس التوقعات. العام الماضي فاجأت الأكاديمية الجميع بمنحها الجائزة إلى الصحفية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش، وحتى الآن لم يستسغ كثير من الأدباء هذا الاختيار. ربما لن يحدث أبدا أن يستسيغ البعض فوز ألكسيفيتش بجائزة نوبل للآداب نظرًا لكونها صحافية بالأساس تمتح كتاباتها من معين الأدب، وعلى المستوى العربي، فإن كثير من "المثقفين والأدباء" العرب لا يُدخلون الكتابة غير الروائية "non fiction" في دائرة الأدب أصلًا. الأمر يبدو مربكا أكثر هذا العام حين يتعلق الأمر بمغنٍ أمريكي عرفت الستينيات والسبعينيات قمة مجده الفني، له موقف سياسي واجتماعي، وتفوق على أسماء أمريكية كبيرة في عالم الأدب ليفوز بالجائزة.
الصحافة الأدبية تحب لعبة التكهنات، هناك أسماء دائمًا ما يتم تداولها على نطاق واسع مثل أدونيس، وهاروكي موراكامي، وفيليب روث، وليديا ديفيز، ونغوجي واثيونغو، ودون ديلليو، وجويس كارول أوتس، ولكن المستشار العام للأكاديمية السويدية لخّص هذه اللعبة وشبّهها بلعبة هدايا عيد الميلاد، البعض يريد معرفة ما تحويه هدايا عيد الميلاد والبعض الآخر يريد الإبقاء على عنصر المفاجأة. الأكاديمية تلتزم من جانبها الصمت وتميل إلى فكرة المفاجأة، بينما الصحافة الأدبية دائما ما تكتب وتكتب بشأن هذا التكهنات التي عادة ما تتركنا فارغي الأيدي.
في العام المقبل سنرى الجميع يتحدث عن توقعات شركات المراهنة، وسنرى أن الأسماء ذاتها ستعود إلى الواجهة، وغالبا ستفاجئنا الأكاديمية السويدية من جديد، ولكن أسئلة مهملة حول الأدب وحدودة وتعريفاته ستبقى تلح على المهتمين لإجابتها، أو على الأقل إعادة التفكير بشأنها من جديد.
اقرأ/ي أيضًا: