تستمر التحليلات الإسرائيلية، في الحديث عن صعوبة تحقيق أهداف الجيش الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة، نظرًا لتعقيد الواقع، وعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق أي إنجاز على الأرض، يمكن أن يعود فيه إلى دولة الاحتلال، باعتباره "غنيمة" العدوان على غزة. ورغم عدد الضحايا الكبير في قطاع غزة، والدمار الهائل، فإن هذه التحليلات، تكشف عن فشل جيش الاحتلال، في الوصول إلى أي "إنجاز".
وقال المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، إنه "بعد مرور ما يقرب من 100 يوم على الحرب، من الواضح أن إسرائيل لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها المعلنة". مضيفًا: أن "هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر هز، مع الإخفاقات الفادحة التي كشفها في أجهزة الاستخبارات، والمفهوم الدفاعي للجيش الإسرائيلي، والبطء في مواجهته، البلاد بشدة. وكانت إحدى نتائج ذلك تشكيل إجماع واسع النطاق على نحو غير عادي حول الحاجة إلى توجيه ضربة قاتلة لحماس"، وفق تعبيره.
قال المعلق العسكري لـ"هآرتس": حماس ورغم توجهها نحو "صفة الجيش"، إلى أنها ما تزال قادرة على العمل في صيغ بديلة، مثل تشكيل "فرق حرب عصابات لامركزية"
وأضاف: "احتلال الجزء الشمالي من قطاع غزة، وتوسيع العملية الآن إلى المناطق الوسطى والجنوبية، قد ألحقا أضرارًا جسيمة بحماس، وأدى إلى معاناة إنسانية شديدة بين جميع سكان قطاع غزة، ولكن إسرائيل لا تقترب من تحقيق نصر حاسم، كما أنه ستجد صعوبة في تحقيقه مستقبلًا في ظل الظروف التي خلقتها".
وأوضح ذلك، بالقول: "من الصعب إخفاء ذلك، لأسباب ليس أقلها أن الجيش الإسرائيلي في خضم تقليص قواته في غزة، وهو ما يعكس الانتقال إلى مرحلة جديدة في الحرب، وهو تطور حاولت الحكومة طمسه علنًا". متابعًا القول: "كانت الصعوبات واضحة منذ اللحظة التي تم فيها اتخاذ القرار بإرسال قوات برية إلى القطاع لهزيمة حماس، لكنها لم تمنع صناع القرار السياسي (وبدرجة أقل الرتب العليا في الجيش الإسرائيلي) من صياغة أهداف سيكون من الصعب تحقيقها ضمن الإطار الزمني المخصص".
وأشار إلى أن، حماس ورغم توجهها نحو "صفة الجيش"، إلى أنها ما تزال قادرة على العمل في صيغ بديلة، مثل تشكيل "فرق حرب عصابات لامركزية". قائلًا: "إن البساطة في استخدام الجانب الضعيف للقوة تلعب دورًا في تعزيز نقاط قوته. لم تنجح هذه الفرق في احتواء الفرق الإسرائيلية، لكنها لا تزال موجودة على الأرض، تخرج من فتحات الأنفاق لتقنص الجيش الإسرائيلي وتدفعه الثمن، كل يوم تقريبًا".
كما أشار هارئيل إلى أن الأنفاق باعتبارها "النقطة الثانية الحاسمة"، بالقول: إن "مشروع أنفاق حماس، معروف لدى الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك"، ولكن تعقيده واتساعه فاجأ إسرائيل، وهو يمنح المنظمة رصيدًا قيمًا تحت الأرض، وهو ما يكاد يكون بمثابة فاصل في المعركة الحالية". مضيفًا: "تقوم إسرائيل بالكشف عن الأنفاق وهدمها، لكن وتيرة الهدم لا تواكب حتى الآن الجدول الزمني المخطط للعملية العسكرية. وما دامت حماس تتمتع بمساحة آمنة نسبيًا، حيث تكون الأصول الرئيسية محمية ضد الهجمات، فمن الصعب للغاية هزيمة المنظمة".
أمّا عن الانخفاض في عدد قتلى الجيش الإسرائيلي، وباستثناء اليوم الذي قتل فيه حوالي 10 جنود، فإن ذلك يعود إلى "تقليص القوة، أو قد تكون مرتبطة أيضًا بخطوة محسوبة من قبل حماس. وإذا كانت إسرائيل على أية حال على وشك تقليص هجومها بشكل كبير، فإن المنظمة لديها حافز أقل لتحمل المخاطر". مشيرًا إلى أنه من الصعب شن "حملة ضد منظمة أيديولجية ومنظمة"، معتبرًا أن الحرب الإسرائيلية، لا تحرم عناصر حركة حماس من "العزيمة والروح القتالية".
واستمر هارئيل، قائلًا: "في الشهرين الأولين، كان الافتراض السائد في القنوات التلفزيونية الإسرائيلية -والذي لم يكن له أساس من الصحة منذ البداية- هو أن نقطة الانهيار للمنظمة ستأتي في أي لحظة، وذلك تحت ضغط خسائرها والضرر الذي لحق بها، مما سيوقف عناصرها عن القتال. وهذا لم يحدث ومن المشكوك فيه أن يحدث". وأضاف: "السيناريو الآخر الذي نشره المحللون بسخاء متفائل لم يتحقق أيضًا. سكان غزة، على الرغم من الاكتظاظ والنقص الحاد في الغذاء وتدهور النظام الصحي، لا ينتفضون ضد حكم حماس".
لا تفوق استراتيجي
وقال هارئيل، إن الجيش الإسرائيلي، يكتشف الأنفاق ويخوض الاشتباكات، لكنه "يجد صعوبة كبيرة في ترجمة هذا إلى نصر استراتيجي".
ويحاول توضيح هذه النقطة من خلال موقف الجيش الإسرائيلي، بالقول: "لدى الجيش تفسير مزدوج لذلك. أولًا، يقولون، لقد اعترضنا منذ البداية على الحديث عن القضاء على حكم حماس وقتل كل عنصر فيها. لقد تحدثنا عن تفكيك منهجي لقدرات حماس العسكرية والتنظيمية، وهذا ما يحدث الآن، كما يقول الجيش. وثانيًا، كان تقييمنا هو أن تحقيق هذه الأهداف سيستغرق حوالي عام".
وأضاف: "هذا الأسبوع، اكتشف الجمهور الإسرائيلي أيضًا، ولو متأخرًا ومن دون إعلان رسمي، أن الجيش الإسرائيلي قد انتقل بالفعل إلى المرحلة الثالثة من العملية، تنفيذًا للوعد الذي قطعه للولايات المتحدة".
قال هارئيل، إن الجيش الإسرائيلي، يكتشف الأنفاق ويخوض الاشتباكات، لكنه "يجد صعوبة كبيرة في ترجمة هذا إلى نصر استراتيجي"
وحول ذلك، قال هارئيل: "تم تقليص حجم القوات في شمال غزة، وتركز النشاط على مخيمات اللاجئين في وسط القطاع وعلى مدينة خان يونس جنوبهما. ويؤكد الجيش أنه بهذه الطريقة سيكون من الممكن تحقيق نتائج أكثر حسمًا تدريجيًا". مضيفًا: "يشبه الجيش الإسرائيلي المرحلة الثانية من العملية، المناورة البرية، بعملية السور الواقي في عام 2002، والتي كبحت تدريجيًا العمليات الفلسطينية في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية". مشيرًا إلى أن الأمر في المحصلة احتاج إلى ثلاثة أعوام، من أجل حسمه، ولكن الأمر في قطاع غزة، أصعب بكثير مما كان في الضفة الغربية قبل 20 عامًا.
الطرق الالتفافية
وفي المحور الأخير من مقال هارئيل، قال: "العجز عن تحقيق نصر سريع يدفع الحكومة والمؤسسة الأمنية إلى التركيز على الحلول الالتفافية. وأبرزها الملاحقة المطولة لقادة حماس، وخاصة يحيى السنوار". مشيرًا إلى أن بعد شهر ونصف من وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي في خانيونس، فإنه لا يمتلك أي علامات على وجود السنوار هناك.