خلص تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" صدر، اليوم الخميس، إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أجبرت بشكل متعمد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة على النزوح القسري منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، متهمة جيش الاحتلال بارتكاب "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، مجددة دعوتها دول العالم لإدانة الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين.
التقرير المكون من 154 صفحة، وجاء تحت عنوان "يائسون، جائعون، ومحاصرون: تهجير إسرائيل القسري للفلسطينيين في غزة"، أشار إلى أن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي تسببت بنزوح أكثر من 90 بالمئة من سكان غزة، فضلًا عن تدمير واسع النطاق لأجزاء كبيرة من غزة، مشيرًا إلى ان جيش الاحتلال نفذ "عمليات هدم متعمدة ومنظمة للمنازل والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك في المناطق حيث يُفترض أنها تهدف إلى إنشاء مناطق عازلة وممرات أمنية"، وهو ما يتناقض مع مزاعم المسؤولين الإسرائيليين.
وتوضح المنظمة الحقوقية أنها أعدت تقريرها بعد مقابلة 39 نازحًا فلسطينيًا في غزة، بالإضافة إلى تحليل 184 أمر إخلاء وصور الأقمار الصناعية، مضيفة أن مقاطع الفيديو والصور التي تحقّقت منها أظهرت دمار واسع النطاق في المناطق المحددة على أنها آمنة، وأضافت "ألحق نظام الإجلاء الإسرائيلي ضررًا بالغًا بالسكان، وغالبًا ما كان هدفه بث الخوف والقلق فقط"، مؤكدةً أن جيش الاحتلال ضرب "مرارًا وتكرارًا طرق الإجلاء والمناطق الآمنة المحددة".
خلص تقرير المنظمة الحقوقية إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أجبرت بشكل متعمد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة على النزوح القسري
ورأت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها أن أوامر الإخلاء القسري كانت "غير متسقة وغير دقيقة وفي كثير من الأحيان لم يتم إبلاغ المدنيين بها قبل وقت كافٍ للسماح بعمليات الإخلاء أو لم يتم إبلاغهم بها على الإطلاق"، كما أن هذه الأوامر لم تأخذ بالاعتبار "احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم ممن لا يستطيعون المغادرة دون مساعدة".
وأضافت المنظمة الحقوقية إلى أن سلطات الاحتلال "منعت جميع المساعدات الإنسانية الضرورية والمياه والكهرباء والوقود إلى المدنيين المحتاجين في غزة، باستثناء جزء يسير منها"، مضيفة أن الهجمات التي شنها الاحتلال الإسرائيلي "الحقت أضرارًا ودمرت الموارد التي يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والبنية التحتية للمياه والطاقة والمخابز والأراضي الزراعية".
ولفت التقرير إلى أن الهجمات الإسرائيلية "جعلت مساحات شاسعة من غزة غير صالحة للسكن"، حيثُ تعمّد جيش الاحتلال "هدم البنية التحتية المدنية أو ألحق بها أضرارا جسيمة، بما في ذلك عمليات هدم المنازل بشكل ممنهج، بهدف مفترض هو إنشاء منطقة عازلة ممتدة على طول حدود غزة مع إسرائيل وممر يقسم غزة"، لافتةً إلى أن "هذا التدمير الهائل يشير إلى نية تهجير العديد من السكان بشكل دائم".
وكان تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية قد كشف عن عمل جيش الاحتلال على إنشاء بنية تحتية جديدة في شمال غزة، بما في ذلك بناء مواقع متطورة في المناطق التي دمرها سابقًا، مجهزة بهوائيات اتصال، فضلًا عن إنشاء أبنية ثابتة ومتنقلة، وكذلك بنى تحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء، وبحسب التقرير فإن هذه المشاريع يتم تنفيذها في المناطق التي استولى على منازلها الاحتلال أو دمرها، وحولها إلى كومة من الركام، بعد أن أجبر سكانها البالغ عددهم 500 ألف على النزوح إلى الجنوب.
وتقول "هيومن رايتس ووتش" إن تقريرها خلص إلى أن "التهجير القسري كان واسع النطاق"، وأن الأدلة أظهرت أنه كان "منهجيًا وجزءًا من سياسة" الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما اعتبرته "جريمة ضد الإنسانية"، مرجحة أن يكون التهجير المنظم للفلسطينيين في غزة "مخططًا له بأن يكون دائمًا في المناطق العازلة والممرات الأمنية"، مضيفة أن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في غزة ترقى إلى "التطهير العرقي".
ودعت المنظمة الحقوقية دول العالم إلى إدانة "التهجير القسري الذي تُمارسه إسرائيل بحق المدنيين في غزة باعتباره جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية"، وطالبتها بـ"على إسرائيل لوقف هذه الجرائم فورًا والامتثال للأوامر الملزمة المتعددة الصادرة عن محكمة العدل الدولية والالتزامات المنصوص عليها في رأيها الاستشاري الصادر في تموز/يوليو الماضي".
وحثت "هيومن رايتس ووتش" المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، على أن "يُحقق في تهجير إسرائيل للفلسطينيين ومنعهم من ممارسة حقهم في العودة، باعتباره جريمة ضد الإنسانية"، مشددة على وجوب تبني دول العالم "عقوبات محددة الأهداف وغيرها من التدابير، بما في ذلك مراجعة اتفاقياتها الثنائية مع إسرائيل".
وأعادت "هيومن رايتس ووتش" في نهاية تقريرها تجديد دعوتها للولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى التي تطلب فيها أن تُعلق على الفور عمليات نقل الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى إسرائيل، مشيرة إلى أن "الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة يعرضها لخطر التواطؤ في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".
جيش الاحتلال يعمل على إنشاء بنية تحتية جديدة في قطاع غزة بما في ذلك بناء مواقع متطورة في المناطق التي دمرها سابقًا.
اقرأ أكثر: https://t.co/j0X6ifBkTt pic.twitter.com/hLv5CtjHdR— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 14, 2024
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قد قال في تدوينة على منصة "إكس"، أمس الأربعاء، إن أسواق قطاع غزة تعيش "حالة مزرية"، مشيرًا إلى أن "الأطعمة الطازجة والبيض واللحوم بالكاد متوفرة، ووصلت الأسعار إلى مستويات قياسية"، وشدد البرنامج في تدوينته على أن نقص المساعدات يزيد "من صعوبة الحياة بالنسبة للعائلات"، مطالبًا السماح للبرنامج بالوصول إلى الأشخاص الأكثر حاجة.
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، دعت لجنة من الخبراء في الأمن الغذائي العالمي جميع الجهات الفاعلة في شمالي قطاع غزة لـ"التحرك الفوري" لاتخاذ "إجراءات فاعلة"، محذرة من أن "حجم الكارثة الوشيكة على الأرجح أكبر بكثير من أي شيء رأيناه حتى الآن في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023".
ونبهت اللجنة المستقلة إلى أن هناك "افتراض وجود زيادة سريعة في المجاعة وسوء التغذية والوفيات المفرطة بسبب سوء التغذية والمرض" في شمالي القطاع، مشددة على أن "عتبة المجاعة ربما تم تخطيها بالفعل، أو ربما (تكون) في المستقبل القريب"؛ وبحسب بيانات الأمم المتحدة فإن الذين ما زالوا في شمالي القطاع يتراوح عددهم ما بين 75 إلى 95 ألف فلسطيني.