قالت صحيفة واشنطن بوست، استنادًا إلى وثائق أمريكية مسربة، إن الأجندة العالمية للرئيس الأمريكي جو بايدن تواجه تحديات كبيرة، والسبب في ذلك عائد إلى أن عددًا من الدول الكبرى تتجنب الاصطفاف في المواجهة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
تتحدث الوثائق عن حسابات خاصة ومختلفة لكل دول عن تلك التي لدى واشنطن
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن تلك الدول، وفي مقدمتها باكستان والهند ومصر والبرازيل، تستغل التنافس الحاصل، بين القوى العظمى، في بعض الحالات، لتحقيق مكاسب خاصة بها، حسبما تظهره تقييمات الاستخبارات الأمريكية السرية، الأمر الذي يعرّض أجندة بايدن العالمية للخطر، حسب صحيفة واشنطن بوست.
تقدم الوثائق المسربة، التي هي جزء من الأسرار الأمريكية التي تم تسريبها عبر الإنترنت من خلال منصة الرسائل ديسكورد، لمحةً نادرة عن الحسابات الخاصة التي أجرتها القوى الناشئة الرئيسية (الهند والبرازيل وباكستان ومصر)، وهي حسابات لا تميل في الغالب إلى دعم الولايات المتحدة في مواجهتها مع روسيا والصين، بل وأكثر من ذلك تؤكد الوثائق المسربة أن تلك الدول غير راغبة في دعم طرف أو آخر بشكلٍ ملزم و"تسعى إلى الابتعاد" عن الصراع بين الولايات المتحدة والصين وروسيا "وذلك في عهد لم تعد فيه واشنطن القوة العظمى بلا منازع، ما يشير إلى فقدان الولايات المتحدة بريقًا عالميًا سابقًا كان يضمن لها مواقف دولية أكثر انحيازا لصالحها"، حسب واشنطن بوست.
كما تقدّم الوثائق الاستخباراتية المسربة، والتي لم يتم الكشف عنها سابقًا، رؤى جديدة حول العقبات التي يواجهها بايدن في تأمين الدعم العالمي لجهوده لرفض انتشار الاستبداد، واحتواء العداء الروسي خارج حدودها، ومواجهة التمدد الصيني العالمي المتزايد. في وقت تسعى فيه القوى الإقليمية، باعتبارها قوى مؤثرة، إلى البقاء على الهامش بعيدًا عن معركة بايدن تلك ضد روسيا والصين.
وبحسب الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ماتياس سبكتور، فإن الدول النامية، باتت في وضع "يجبرها على ضبط التوازن في الوقت الذي تواجه فيه أمريكا منافسة جديدة قوية من روسيا والصين عسكريًا واقتصاديًا"، معتبرًا أن الضبابية في المواقف "ستزول في غضون 10 أعوام ليتبين لمن سيؤول مركز الصدارة بعد الصراع الأمريكي الروسي الصيني، لذا فالدول النامية بحاجة إلى تنويع العلاقات والتحوط".
يتضح هذا بشكل نموذجي في باكستان التي تلقت مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والأمنية الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، حيث تعتمد الآن بشكلٍ كبير على الاستثمارات والقروض الصينية.
ووفقًا لإحدى الوثائق المسربة، جادلت هينا رباني خار، وزيرة الدولة الباكستانية للشؤون الخارجية، في آذار/ مارس بأن بلادها "لم تعد تحاول الحفاظ على أرضية وسطى بين الصين والولايات المتحدة".
وفي مذكرة داخلية بعنوان "الخيارات الباكستانية الصعبة"، حذرت خار، التي شغلت سابقًا منصب وزيرة خارجية باكستان، من أن إسلام أباد يجب أن تتجنب الظهور بمظهر استرضاء الغرب، وقالت إن غريزة الحفاظ على شراكة باكستان مع الولايات المتحدة ستضحي في النهاية بالفوائد الكاملة لما اعتبرته شراكة "استراتيجية حقيقية" للبلاد مع الصين.
ولا توضح الوثيقة الاستخباراتية غير المؤرخة كيف تمكنت الولايات المتحدة من الوصول إلى مذكرة خار.
وتصف وثيقة أخرى، مؤرخة في 17 شباط/فبراير، مداولات رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف مع أحد مرؤوسيه بشأن تصويت قادم للأمم المتحدة بشأن النزاع في أوكرانيا، وما توقعته الحكومة أن يكون ضغطًا غربيًا متجددًا لدعم قرار يدين الغزو الروسي.
حيث نصح المساعد رئيس الوزراء الباكستاني بأن دعم هذا الإجراء من شأنه أن يشير إلى تحول في موقف باكستان بعد امتناعها السابق عن التصويت على قرار مماثل حسبما جاء في وثيقة المخابرات. وأشار المساعد إلى أن دعم القرار سيتعارض مع المفاوضات مع روسيا بشأن قضايا التجارة والطاقة.
وامتنعت باكستان في نهاية المطاف عن التصويت على القرار. فعندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 شباط/فبراير ، كانت باكستان من بين 32 دولة امتنعت عن التصويت.
ورفض مسؤولون باكستانيون ومن دول أخرى وردت أسماؤهم في الوثائق المسربة التعليق على المعلومات الواردة حسب واشنطن بوست.
ويبدو أن الهند بدورها تتجنب الانحياز إلى أي طرف في الصراع بين واشنطن وموسكو، حيث تشير إحدى الوثائق المسربة إلى محادثة تمت في 22 شباط/فبراير بين مستشار الأمن القومي الهندي أجيت كومار دوفال ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، أكد فيها دوفال لباتروشيف دعم الهند لروسيا في ملفات متعددة، من بينها موقف الهند الرافض لدعم قرار الأمم المتحدة المدعوم من الغرب حيال الأزمة الأوكرانية على الرغم من "الضغط الكبير" الذي مورس على نيودلهي.
وتظهر الوثيقة المسربة أن دوفال قال لنظيره الروسي "إن الهند لن تحيد عن الموقف المبدئي الذي اتخذته في الماضي".
وبحسب صحيفة واشنطن بوست فإن بعض المسؤولين في دول الجنوب العالمي، يقدّمون أنفسهم كجسر دبلوماسي بين الخصوم الثلاثة. ومن بين هؤلاء الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي سعى إلى اكتساب دور عالمي رائد لبلاده بعد فترة من الانكفاء الذي ميز البرازيل في عهد سلفه اليميني المتطرف جايير بولسونارو.
وتفيد الوثائق المسربة أن دا سيلفا اقترح تشكيل "تكتل سلام عالمي" للتوسط بشأن الصراع الأمريكي الصيني والعمل على إنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو اقتراح طرحه بالفعل على الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته الصين في نيسان/أبريل الماضي.
وقد أثار لولا غضب دول الناتو عندما أشار إلى أنها تطيل أمد الصراع الأوكراني من خلال إمداد كييف بالسلاح، مقترحٍا أنه لتحقيق السلام، قد تتنازل روسيا عن بعض الأراضي التي تسيطر عليها في أوكرانيا مع احتفاظها بشبه جزيرة القرم، وهو اقتراح رفضه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
ووفقًا للمعلومات الاستخبارية الواردة في الوثائق المسربة، أيد مسؤولون في وزارة الخارجية الروسية خطة لولا، قائلين إنها ستعارض رواية الغرب "المعتدي- الضحية" بشأن أوكرانيا.
يذكر في هذا السياق، أنه بعد وقت قصير من عودة لولا دا سيلفا من الصين استضاف في برازيليا وزير الخارجية الروسي، ولكنه تراجع عن تصريحاته تلك الخاصة بأوكرانيا.
بالنسبة إلى مصر تبدو تداعيات التوترات الأمريكية مع روسيا حادة على نحو خاص فالقاهرة التي تتلقى أكثر من مليار دولار سنويًا من المساعدات من واشنطن عمقت العلاقات مع موسكو التي تتولى تشييد أول محطة للطاقة النووية في مصر وتعد بتزويدها بالمعدات العسكرية.
تستغل الدول التنافس الحاصل، بين القوى العظمى، في بعض الحالات، لتحقيق مكاسب خاصة بها
وتظهر الوثائق المسربة أن مصر تحاول التغلب على الأزمة بشأن أوكرانيا بتجنب طلبات المساعدة العسكرية من كل من روسيا والولايات المتحدة.
وكانت تقييمات المخابرات الأمريكية أظهرت في السابق أن عبد الفتاح السيسي أمر في البداية بإنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ لصالح روسيا سرًّا، لكن بدا فيما بعد أنه رضخ لضغوط الولايات المتحدة وأرجأ تلك الصفقة، ووافق بدلاً من ذلك على تصنيع قذائف مدفعية لأوكرانيا.