07-يونيو-2018

تساهم الأسلحة الأمريكية في جرائم اليمن (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

ما زال الجدل حول بيع الأسلحة للقوات السعودية، التي تمارس أشكالًا مختلفة من الانتهاكات الإنسانية في اليمن، يتصاعد يومًا بعد آخر، خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، المسؤولتين عن معظم التزويدات العسكرية التي تتلقاها الرياض. وقد عثر على قنابل أمريكية وبريطانية في أماكن وقعت فيها جرائم بحق المدنيين، مرات عديدات في السنوات الأخيرة، وهو ما يعني تورط هذه الدول في انتهاكات للقانون الدولي، ما يجعل الضغوط من المجتمع المدني وبعض النواب كبيرة على الحكومات هناك. وفي هذا التقرير المترجم عن مجلة " Just Security"، إضاءة على هذا النقاش مع معلومات عن الانتهاكات، فيما يتعلق بالولايات المتحدة.


ذكرت تقارير أنَّ وزارة الخارجية الأمريكية تراجع صفقة بقيمة مليارات الدولارات بين المملكة العربية السعودية والشركة المصنعة للسلاح رايثيون Raytheon. وفي حالة اتّخاد وزارة الخارجية قرار ترخيصها، يظل أمام "الكونغرس" ثلاثون يومًا للاعتراض عليها. وكانت اتفاقية أسلحة مشابهة ولكن أصغر حجمًا قد حصلت على الموافقة في حزيران/يونيو من عام 2017، وفرضت على السعودية ضمانات  لتغيير نهجها والشروع في برنامج تدريبي تديره الولايات المتحدة بقيمة 750 مليون دولار أمريكي لتخفيض عدد الضحايا المدنيين. وبعد مرور حوالي عام على تلك الاتفاقية، ومع تعليق اتفاقية أخرى، أصبح الوقت مناسبًا لأخذ خطوة إلى الوراء وتقييم فعالية أية ضمانات يتم إقرارها. يظهر هذا التحليل أن أعداد الضحايا المدنيين الذين سقطوا بسبب قصف التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن قد تزايدت في الواقع ولم تنخفض. ويثير هذا مخاوف جدية بشأن قدرة المملكة العربية السعودية واستعدادها لتقليص عدد القتلى من المدنيين، حتى وإن كانت هناك صفقة أسلحة ضخمة جديدة قيد المراجعة.

سوف تستخدم الأسلحة التي ستحصل عليها السعودية جراء صفقة السلاح الجديدة ضد المدنيين في اليمن

ومما لا شك فيه أن الأسلحة التي ستحصل عليها المملكة العربية السعودية جراء صفقة السلاح الجديدة هذه سوف تستخدم في اليمن، حيث تشنّ قوات التحالف الذي تقوده السعودية، على مدار الأعوام الثلاثة السابقة، حملة قصف كثيفة تسببت في سقوط الآلاف من الضحايا المدنيين وأُدينت على نطاق واسع بصفتها انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني. ورغم أن الولايات المتحدة لم تشترك بشكل مباشر في الحرب، إلا أنَّ دعمها كان جزءًا لا يتجزّأ من الحملة، وذلك عن طريق إمداد القوات الجوية السعودية بخدمات التزود بالوقود، والخدمات الاستخباراتية، والدعم التقني، والمعدات الحربية.

أثار هذا التورط مشكلات قانونية وسياسية خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة. وكما اتضح في مقالات سابقة نشرتها صحيفة Just Security، فإن دعم أمريكا الكبير للقوات التي تقودها السعودية والتي من المحتمل أن تكون قد ارتكبت جرائم حرب، قد ينتهك القانون الدولي ويمكنه أن يعرض مواطني الولايات المتحدة إلى المسؤولية القانونية الجنائية أو المدنية. وقد يتسبب أيضًا في إضعاف الأمن القومي للولايات المتحدة والإضرار بمصالحها طويلة المدى. وقال بروس ريدل، المسؤول الرفيع السابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في مقابلة له مع البرنامج الإذاعي New Yorker Radio Hour في شهر نيسان/أبريل: "لن يحمل العديد من اليمنيين الضغينة ضد المملكة العربية السعودية لبقية حياتهم فحسب، ولكن العديد منهم سيلقي باللوم على أمريكا أيضًا. إننا نغذي نيران جيل سيصير راغبًا في الثأر". وبالنسبة للكثير من دول العالم، من المحتمل أن تمثل الموافقة على صفقة سلاح ضخمة جديدة موافقة أمريكية فعلية على سلوك المملكة العربية السعودية في اليمن.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير أممي: التحالف السعودي متورط في دماء أغلب الأطفال الضحايا باليمن

لا تستطيع القوات الجوية السعودية الملكية العمل بفعالية إلا بدعم أمريكي موسع. ووفقًا لما قاله ريدل، "إننا مساعدون على الحرب. إذا قررت الولايات المتحدة اليوم قطع الإمدادات، وقطع الغيار، والأسلحة، والخدمات الاستخباراتية وأي شيء آخر عن القوات الجوية السعودية، فسوف يتم إسقاطها غدًا". وهذا الاعتماد يجعل من افتقار الولايات المتحدة للإشراف الحقيقي أكثر الأمور إثارة للقلق.

اعترف الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية أمام لجنة مجلس الشيوخ في آذار/مارس، أن الولايات المتحدة لا تتعقب الطائرات السعودية التي تزودها أمريكا بالوقود، أو الأسلحة المصنوعة في الولايات المتحدة لتعرف ما إذا كانت تستخدم في قصف المدنيين. ورغم معرفة القوات المسلحة الأمريكية بقصف المدنيين اليمنيين، فإن الإجراء الذي ستتخذه للتعامل مع المشكلة ليس واضحًا.

السيناتور وارين: "جنرال فوتيل، هل تعرف القيادة المركزية الأمريكية هدف المهام التي تمدّ طائراتها بالوقود؟ أي، إلى أين تتجه الطائرة التي تزودها الولايات المتحدة بالوقود، ما هي الأهداف التي تقصفها، وما هي نتيجة المهمة"؟

الجنرال فوتيل:"أيها السيناتور، إننا لا نعرف".

السيناتور وارين: "جنرال فوتيل، عندما تتلقى تقارير مثل هذه من مؤسسات إعلامية ذات مصداقية أو من مراقبين في الخارج، هل تستطيع القيادة المركزية معرفة ما إذا كان وقود الولايات المتحدة أو أسلحتها قد استخدمت كجزء من هذا الهجوم؟

جنرال فوتيل:" سيدي السيناتور، لا أعتقد أننا نستطيع".

وفي حزيران/يونيو من عام 2017، عُقدت صفقة أصغر بين شركة "رايثيون" والمملكة العربية السعودية تجنبت إيقاف مجلس الشيوخ لها بمنتهى الصعوبة، إذ كان التصويت النهائي 53 مقابل 47. مُهد للصفقة عن طريق التزام المملكة العربية السعودية بإنفاق 750 مليون دولار أمريكي على تدريب قدمته الولايات المتحدة يهدَف إلى تخفيض عدد الضحايا من المدنيين. التزم وزير الخارجية السعودي كذلك بضمانات بارزة للتأكد من خفض وتقليل عدد الوفيات من المدنيين للحد الأدنى، بما يتضمن قائمة موسعة بأماكن لا يتم قصفها، وتحسين الإجراءات الداخلية، ووجود مستشارين من القوات المسلحة الأمريكية في مركز التحكم بالعمليات الجوية السعودية.

وقد تذرع مارك وارنر، السيناتور في مجلس الشيوخ عن ولاية فرجينيا، وأحد الديمقراطيين الخمسة الذين صوتوا لصالح الصفقة، بهذه الضمانات الجديدة في ذلك الوقت، وقال لصحيفة نيويورك تايمز: "إنني على علم بالقلق حيال معركة المملكة العربية السعودية في اليمن، بما يتضمن العمليات التي أدت إلى سقوط ضحايا من المدنيين. أنا أشاركهم القلق وأعتقد أن مسؤولية إدارة السعودية عملياتها بحرص تقع على كاهلها - بما تتضمنه هذه المسؤولية من العمل مع الولايات المتحدة لزيادة التدريب".

يتّضح أنَّ القوّات الجويّة السعوديّة تقتل المدنيّين في اليمن بمعدل يزداد ارتفاعًا

رغم ذلك، يتّضح أنَّ القوّات الجويّة السعوديّة تقتل المدنيّين بمعدل يزداد ارتفاعًا، وذلك منذ بدء التدريب والإجراءات الاحترازية. وطبقًا لبيانات قدمها مشروع بيانات أحداث وموقع النزاعات المسلحة الذي يقع مقرّه في جامعة ساسكس، أُبلغ عن مقتل حوالي 1550 مدنيًّا بسبب الغارات الجويّة لقوّات التحالف منذ الموافقة على صفقة الأسلحة السابقة والالتزام بالضمانات في منتصف حزيران/يونيو 2017. وفي النصف الأوّل من عام 2017، وقبل تجهيز الضمانات الجديدة، أُبلغ عن مقتل ما يقارب 503 مدنيًّا.

وأُبلغ عن مقتل 664 مدنيًّا منذ بداية 2018. أي أنَّ عددًا أكبر من المدنيّين تعرض للقتل بعد صفقة الأسلحة في حزيران/يونيو خلال وقتٍ أقلّ، في حين انخفضت معدّلات الضربات الجويّة القاتلة للمدنيّين انخفاضًا طفيفًا إذا ما أخذت نسبتها من معدّل القصف الكلّي. أسفر ما يقارب 11% من الضربات المُسجلة في النصف الأوّل من 2017 عن قتلى بين المدنيّين، في حين انخفضت النّسبة في 2018 إلى 9%. ومن ثم، وعلى الرغم من الضمانات السعوديّة، صارت حملة القصف بأكملها أشد فتكًا بالمدنيّين، وليس أقلّ.

يُعدّ الحصول على معلومات دقيقة عن الصراع في اليمن أمرًا مفرط الصعوبة بالطبع. تُجمع معلومات المشروع من التقارير الإخباريّة، والحسابات الواقعية، لذا قد تبالغ أو تقلّل من عدد القتلى المدنيّين. ومع ذلك، لا يوجد سبب للظنّ بأنَّ نسبة الخطأ يُمكن أن تختلف بشكل ملحوظ بين النصف الأوّل من عام 2017 والنصف الأوّل من عام 2018، الاختلاف الذي يتمثّل في 141 قتيلًا إضافيًّا. يجب أن تعطينا بيانات المؤسسة فهمًا دقيقًا بشكل معقول لأيّ ارتفاع شديد يحصل لعدد القتلى من المدنيّين بسبب التحالف.

والأكثر من ذلك أنَّ هذه المعلومات متّسقة مع الشهادات المرويّة وغيرها من التقديرات مما وفّرته الأمم المتّحدة ووسائل الإعلام الإخباري. وصرّحت كيت غيلمور، نائبة المفوّضية الساميّة لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة في آذار/مارس 2018، بأنَّ "أعداد الخسائر من المدنيّين ارتفعت بشكل جذري خلال الأشهر الستّ الماضية"، وكانت قد بلغت ذروتها في كانون الأول/ديسمبر 2017 مع مسؤولية الضربات الجويّة السعوديّة عما يزيد على 60% من الضحايا المدنيّين في اليمن.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب جرائمها في اليمن.. ضغوط أوروبية لوقف بيع السلاح للسعودية

يسلّط تقرير أعدّته لجنة الخبراء التابعة للأمم المتّحدة -بتكليف من مجلس الأمن- الضوء على عدد من أعضاء الهجمات السعوديّة، التي خلصت اللجنة إلى ترجيح انتهاكها للقانون الدولي الإنساني. تتضمّن هذه الحالات ضربة جويّة نُفّذت في أيلول/سبتمبر 2017 ضدّ مجمع سكنيّ عائليّ بعيد في مدينة حجّة، أدّى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح 16 آخرين، من بينهم 14 طفلًا وامرأة. عثر محققو الأمم المتّحدة على زعنفة ذيل لقنبلة موجّهة من نوع  Paveway ذات الصناعة الأمريكيّة في موقع الهجوم. وطبقًا للجنة، يشير موقع المجمّع البعيد أنَّ الضربة كانت متعمدة على الأرجح. ولم يتمكّن المفتّشون من الحصول على دليلٍ على وجود مقاتلين أعداء في المنطقة السكنيّة، لكن حتى لو كان بعضهم موجودًا، فمن المرجّح أنَّ الضربة قد أغفلت التناسب والمتطلبات الاحترازية اللازمة لحماية المدنيّين.

في انتهاك آخر محتمل للقانون الدولي الإنساني في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017، قصفت قوات التحالف التي تقودها السعودية سوقًا ليليًا في مدينة صعدة، مما أسفر عن مقتل واحد وثلاثين شخصًا، من بينهم ثمانية أطفال. وعلى الرغم من أن الأدلة المادية لم تُجمع من مكان الحادث، فقد خلُصت لجنة الأمم المتحدة إلى أن الضرر كان مؤشرًا شديد الدلالة على استخدام قذائف جوية موجهة بدقة. وفي نهاية شهر نيسان/ أبريل، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن حفل زفاف قُصف في مدينة صنعاء، مما أسفر عن مقتل أكثر من عشرين وإصابة العشرات بجروح. ويشير الحطام من القذيفة المستخدمة في تلك الهجمة الجوية إلى أنها صُنعت من قبل شركة رايثيون Raytheon، وهي الشركة التي تخضع صفقتها حاليًا لمراجعة وزارة الخارجية.

تثير الخسائر المدنية المستمرة والواسعة الانتشار الناجمة عن القصف السعودي احتمال عدم تنفيذ صفقات تسليح أمريكية

تثير الخسائر المدنية المستمرة والواسعة الانتشار الناجمة عن القصف السعودي احتمال عدم تنفيذ الضمانات الموعودة وأن برنامج التدريب الموعود قد توقف أو أنه غير فعال. ومن غير الواضح كم أنفق من المبلغ الذي يُقدر بـ 750 مليون دولار على التدريب للحد من الإصابات بين المدنيين أو إن تم إنفاق أي شيء على الإطلاق. وعندما سُئل عن دعم الولايات المتحدة وتدريب القوات الجوية السعودية، قال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية والمعروفة اختصارا بـ "سنتكوم" لمجلة Just Security: "قمنا بإنشاء علاقات اتصالات متبادلة مع المملكة العربية السعودية، للحرص جزئيًا على مشاركة التطبيقات الأفضل مع القوات الجوية الملكية السعودية وتقديم المشورة لهم حول كيفية تجنب وقوع إصابات بين المدنيين. وتماشيًا مع قانون الولايات المتحدة، والاتفاقات واللوائح القائمة، يُمكن لجهات الاتصال أيضًا الاستجابة لطلبات القوات الجوية الملكية السعودية للحصول على معلومات حول التهديدات التي قد يتعرض لها أمن الحدود السعودية، وشبكات التهديد المرتبطة بها. ويسدي المنسقون المشورة إزاء أفضل التطبيقات لعمليات الاستهداف الجوي. إلا أنهم لا يشاركون في الاختيار المحدد للأهداف أو تحديد الأولويات والمواءمة بين الاستجابات للبعثات القتالية".

بدون فهم أفضل لأساليب العمل الداخلية للجيش السعودي، من الصعب القول بشكل قاطع ما إذا كان التدريب والضمانات التي وضعت في العام الماضي تُحدث فرقًا. وفي الوقت نفسه، نحن نعلم أن الإصابات بين صفوف المدنيين الناجمة عن الغارات الجوية لقوات التحالف التي تقوده السعودية آخذة في الارتفاع. كيف سيؤثر ذلك على صفقة الأسلحة الجديدة لشركة رايثيون، لم يتضح ذلك بعد. بيد أن آخر عملية بيع للأسلحة واجهت تصويتًا أكثر صرامة مما كان متوقعًا في مجلس الشيوخ. وعلى الأرجح، فقد ساعدت الضمانات السعودية في ذلك الوقت للحد من عدد الضحايا المدنيين على تمريرها في النهاية. وبالنظر إلى أوجه القصور التي حدثت في العام الماضي، يتعين أن تخضع هذه الصفقة الكبيرة إلى المزيد من التدقيق.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مسؤولة أمريكية تقرّ بانتهاكات السعودية في اليمن.. فهل يُحظر بيع السلاح لها؟

كارثة اليمن الإنسانية.. متى يتحرك الغرب لوقف طيش ابن سلمان؟!