فوّض المجلس الوزاري المصغر لحكومة الاحتلال (الكابينت)، أمس الأحد، رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، بتحديد نوعية وتوقيت الرد على "حزب الله" اللبناني، على خلفية حادثة "مجدل شمس"، فيما تتواصل تحذيرات المسؤولين الغربيين من تحوّل رقعة الصراع في الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية.
وقُتل 12 شخصًا من الطائفة الدرزية، أول أمس السبت، معظمهم أطفال، وأُصيب نحو 40 آخرين، جراء سقوط صاروخ على ملعب لكرة القدم في "مجدل شمس" بهضبة الجولان السوري المحتل منذ عام 1967.
وقالت الخارجية الإسرائيلية إنّ الهجوم نُفذ بواسطة صاروخ "فلق-1" البالغة زنة رأسه الحربية 53 كلغ، وفيما نفى "حزب الله" مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف "مجدل شمس"، فإن بيان الخارجية الإسرائيلية أشار إلى أن "حزب الله" هو الجهة الوحيدة التي بحوزتها هذا النوع من الصواريخ في المنطقة.
تحقيق مستقل فيما حدث
وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، رياض قهوجي، لوكالة الأنباء الفرنسية، إن القاعدة العسكرية التي استهدفها "حزب الله" تقع على بعد نحو 2,4 كيلومتر من "مجدل شمس"، مما يجعلها "ضمن هامش خطأ" الصواريخ غير الدقيقة.
القاعدة العسكرية التي استهدفها "حزب الله" تقع على بعد نحو 2,4 كيلومتر من "مجدل شمس"
لكنه أضاف أيضًا أنه لا يمكن استبعاد "احتمال إطلاق خاطئ" لصاروخ دفاع جوي إسرائيلي، ويجب إجراء تحقيق مستقل في ما حدث.
وتقع مرتفعات الجولان جنوب غربي سوريا، وهي ذات أهمية استراتيجية كبيرة، وتحتلها إسرائيل منذ حرب 1967، وضمتها إليها عام 1981، في خطوة لم تلق اعترافًا من الأمم المتحدة، التي تعترف بهذه الأرض جزءًا من سوريا.
وفي عام 2019، وقع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قرارًا يعترف رسميًا بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان.
ضغوط للرد بطريقة محسوبة
وقال مكتب نتنياهو، أمس الأحد، إن أعضاء "الكابينت" قد كلفوا رئيس الوزراء ووزير الدفاع بـ"اتخاذ القرار بشأن طريقة وتوقيت الرد على حزب الله"، وحضر الاجتماع الذي استمر لساعات عدة، رئيس هيئة أركان الجيش، هرتسي هاليفي، ومسؤولين أمنيين آخرين.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أنّ وزيري المالية، بتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي، إيتمار بن غفير، امتنعا عن التصويت.
وكشف موقع "واينت" العبري عن وجود: "ضغوط تمارس على إسرائيل للرد بطريقة محسوبة، بما في ذلك من قبل الولايات المتحدة، في حين يضغط الفرنسيون، من جهة أخرى، على الجانب اللبناني".
وأكّد وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، في مقابلة مع قناة "الجديد" اللبنانية، أن: "الولايات المتحدة الأميركية لا تؤيد توسيع الحرب، لكن إذا (كانت) إسرائيل تريد ذلك، فأميركا لن توقفها، ولن توقف إمدادها بالأسلحة"، وتابع مضيفًا: "تلقينا تطمينات من الدول المعنية تفيد بأن الرد الإسرائيلي سيكون محدودًا، وكذلك رد حزب الله (عليه)".
وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس الأحد، خلال مؤتمر صحفي في طوكيو: "أشدد على حق (إسرائيل) في الدفاع عن مواطنيها وإصرارنا على ضمان أنهم قادرون على فعل ذلك"، لكنه أضاف أيضًا أن واشنطن لا تريد: "رؤية تصاعد الصراع. لا نريد رؤيته يمتد".
وأوضح يلينكن أنه: "من المهم للغاية أن نساعد في تهدئة الصراع، ليس لتجنّب تصاعده، ولتجنب امتداده فحسب، وإنما لتهدئته لأنكم لديكم الكثير من الناس في البلدين، في إسرائيل ولبنان، نزحوا من ديارهم".
من جهته، أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في اتصال هاتفي مع نتنياهو، أمس الأحد، أنّ باريس: "ملتزمة بالكامل القيام بكل ما هو ممكن لتجنب تصعيد جديد في المنطقة". وفيما أعربت بريطانيا عن خشيتها من "تصعيد" الصراع في المنطقة، فإن الخارجية الألمانية دعت جميع الأطراف إلى "التصرف بهدوء".
ومن طهران، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن: "أي خطوة تنمّ عن جهل من النظام الصهيوني قد تؤدي الى توسيع عدم الاستقرار وعدم الأمن والحرب في المنطقة"، مشددًا على أن إسرائيل ستتحمل مسؤولية: "التداعيات غير المتوقعة وردود الفعل على تصرف أحمق كهذا".
في غضون ذلك، وعلى وقع التصعيد المتزايد، أعلنت شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية، أمس الأحد، تأخير مواعيد بعض من رحلاتها: "لأسباب تقنية تتعلق بتوزيع المخاطر التأمينية على الطائرات بين لبنان والخارج".
وقالت الشركة عبر منصة "إكس"، اليوم الاثنين، إنه جرى: "إعادة جدولة بعض رحلات طيران الشرق الأوسط ليوم 29 تموز (يوليو) 2024".
الرد سيتجاوز بقوته الهجمات السابقة
ووسط المخاوف الدولية من أن يؤدي الرد الإسرائيلي إلى تطور الصراع في المنطقة إلى حرب إقليمية، حثّت دول غربية وعربية رعاياها على مغادرة لبنان، بما فيها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى بريطانيا، الدنمارك، النرويج، السويد، فرنسا، بلجيكا، هولندا، السعودية، والكويت.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية نقلًا عن مصدر مقرّب من "حزب الله"، أمس الأحد، إن "حزب الله" أخلى مواقع له في جنوب لبنان والبقاع "يعتقد أنها قد تكون هدفًا طبيعيًا لإسرائيل".
وحتى الآن غير معروف طبيعة الرد الإسرائيلي، لكن صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية أشارت إلى وجود سيناريوهات تشمل "مسارات عمل أقسى وأكثر قوة" بالمقارنة مع الهجمات التي نفذها جيش الاحتلال في مواجهة حزب الله.
واندلعت المواجهات الحدودية المتصاعدة والمتواصلة بين حزب الله من طرف، وجيش الاحتلال من طرف آخر، في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى". ويقول "حزب الله" إن المواجهات الحدودية "جبهة إسناد" لدعم الفصائل الفلسطينية في غزة، وحتى يوم أمس لا تزال المواجهات محصورة في القرى الحدودية في جنوب لبنان، وشمال فلسطين المحتلة.
وقال موقع "واينت" العبري إن إسرائيل تستعد لشن هجوم على حزب الله قد يؤدي إلى اندلاع "أيام من القتال"، وشدد على أن العملية الإسرائيلية المتوقّعة ستكون "محدودة"، لكنها ستتجاوز بقوتها الهجمات التي تشنها إسرائيل على حزب الله منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
فيما نقلت "يديعوت أحرونوت" عن مسؤول إسرائيلي رفيع (لم تسمه) تقديراته بأنه: "على الرغم من أن الرد سيكون قاسيًا، إلا أنّه لن يؤدي إلى حرب شاملة"، ورجّح المسؤول أن "الهجوم الإسرائيلي (المحتمل) سيقابل برد أقوى من المعتاد من قبل حزب الله"، مشددًا على أنه "لا توجد نية لإشعال حرب إقليمية".
ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول إسرائيلي، اليوم الاثنين، أن: "تل أبيب تريد إيذاء حزب الله، لكنها لا تسعى إلى حرب إقليمية شاملة"، فيما قال مسؤولان إسرائيليان للوكالة إن: "إسرائيل تتأهب لاحتمال اندلاع قتال لبضعة أيام بعد هجوم الجولان".
وفي سياق سيناريوهات الرد الإسرائيلي المُحتمل على حادثة "مجدل شمس"، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، في حديث لـ"التلفزيون العربي"، أن: "الكثير من المؤشرات تدعم أن تقوم إسرائيل بالابتعاد عن الأهداف التقليدية الكلاسيكية التي سبق وأن قامت بها".
وأضاف موضحًا "هناك تحذيرات في مدينة حيفا من قبل الكثير من المؤسسات المدنية الإسرائيلية لضرورة توخي الحيطة والحذر ليوم الغد (الإثنين)، بمعنى هناك توقع لتوسيع دائرة القصف من قبل حزب الله كرد على العمل الذي يمكن أن تقوم به إسرائيل".
واعتبر الشوبكي أن هذه التحذيرات: "مؤشر على أن طبيعة الفعل الإسرائيلي مختلف تمامًا عن الأعمال السابقة"، مشيرًا إلى وجود توقعات بأن يقوم "حزب الله" بالرد على الهجوم الإسرائيلي، وذلك في سياق المعادلة التي وضعها الحزب، والتي تقول إن "الاعتداء الإسرائيلي يرد عليه بالمثل".
وأوضح الشوبكي أن: "التصريحات الغربية ما يقرأ في محتواها يخالف ظاهرها، في الظاهر يتردد أن إسرائيل غير معنية بالحرب، لكنهم مستسلمين لفكرة أن إسرائيل سترد"، وأضاف: "لذلك توضح هذه التصريحات أنها ليست تصريحات طمأنة من إسرائيل لن تذهب إلى حرب، وإنما تصريحات في محاولة لاحتواء رد حزب الله".
وتوقّع الشوبكي أن يكون الرد الإسرائيلي "قاسيًا"، لكنه أضاف أيضًا بأن:ه "على اللبنانيين أن يأخذوا بعين الاعتبار أن إسرائيل لا تريد حربًا واسعة، وبالتالي يجب أن يكون رد حزب الله هادئ ومحسوب ودقيق جدًا"، لافتًا إلى التصريحات الغربية مرتبطة بـ"احتواء رد حزب الله".
وكان "حزب الله" قد أعلن تبنى إطلاق صواريخ على مواقع عسكرية إسرائيلية في هضبة الجولان، لكنه نفى تورطه في الهجوم على "مجدل شمس"، قائلًا: "لا علاقة للمقاومة الإسلامية بالحادث على الإطلاق، وتنفي نفيًا قاطعًا كل الادعاءات الكاذبة بهذا الخصوص".