20-مايو-2024
يورغن كلوب

انتهت حكاية يورغن كلوب مع ليفربول، بعد 9 سنوات قضاها مع النادي الإنجليزي، أعاد خلالها فريقه لأمجاد الماضي، وجعله من أقوى الأندية في إنجلترا والعالم، حاصدًا معه الكثير من البطولات محليًا وخارجيًا.

حينما أتى يورغن كلوب إلى ليفربول قادمًا من بوروسيا دورتموند عام 2015، كذب المدرب الألماني على الصحفيين، حينما وصف نفسه بالرجل العادي "نورمال ون" في وقت كانت الأنظار كلها تتجه نحو من سمى نفسه "السبيشال ون"، ونقصد البرتغالي جوزيه مورينيو.

كذب يورغن كلوب حينما وصل لليفربول ووصف نفسه بالرجل العادي "نورمال ون" في وقت كانت الأنظار كلها تتجه نحو من سمى نفسه "السبيشال ون"

لكنّ يورغن كلوب صنع حالة رائعة من التنافس الشرس على البطولات، وكان ندًّا حقيقيًا للمدرب ببيب غوارديولا، والذي اعترف بعد تتويج مانشستر سيتي بلقبه العاشر بالبريميرليغ والرابع تواليًا أن يورغن كلوب كان سببًا لجعله كما هو عليه، فقال في المؤتمر الصحفي بعد تتويج السيتي باللقب وهو متأثر للغاية لرحيل كلوب عن الدوري الإنجليزي: "سأفتقده بشدة.. يورجن كان جزءًا مهمًا حقًا من حياتي، وقد أوصلني لمستوى آخر كمدير فني".

كلوب
يورغن كلوب قاد ليفربول للفوز بدوري الأبطال

لم ينجح بيب غوارديولا في حبس دموعه حينما تم سؤاله عن رحيل يورغن كلوب، ولحسن حظه أن ثمة من سيخلف كلوب في منافسته، ولو كان ذلك يحدث في ناد آخر هو آرسنال، كذلك فضحت الدموع كل تلك المشاعر الجياشة بين المدرب كلوب ولاعبيه، بينهم جميعًا وبين مشجعي ليفربول.

يورغن كلوب هو ذاك الرجل الألماني، الذي تخلّى عن عادات الألمان في كثير من الأحيان، فهو ليس هذا الشخص المتحفّظ والبارد عاطفيًا، بل يملك بداخله بركانًا من المشاعر، نجح في نقلها بسلاسة إلى مدرجات الأنفيلد، وبثّ خلالها روح الحماس والتشجيع مع انطلاق صافرة بداية أي مباراة حتى نهايتها.

رجل السبعة مواسم تخلى عن عادته مع ليفربول، فعُرف عنه أنه لا يلتزم مع فريق بعينه أكثر من 7 مواسم، ولا أقل من ذلك، بدأ ذلك مع ماينز، وفعل ذلك مع بوروسيا دورتموند، لكنّ الأمور تختلف في إنجلترا، فرحلته هناك استمرت 9 مواسم كاملة.

حقق يورغن كلوب الكثير من الإنجازات مع بوروسيا دورتموند، فنال بطولة الدوري الألماني في عامين متتاليين، كذلك حقق كأس ألمانيا، وفاز بالسوبر الألماني مرتين، وبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا، قبل أن يعلن رحيله عن أسود فيستفاليا.

وجد يورغن كلوب ضالته بفريق يملك الكثير من العوامل المشتركة مع بوروسيا دورتموند، والعامل الأبرز هو الشغف الجماهيري الكبير لأنصار الفريقين، فبوروسيا دورتموند معروف بجماهيره الوفية التي تملأ مقاعد سيغنال إيدونا بارك، ولا يقل أنصار ليفربول شغفًا عن محبي دورتموند، وكلا الفريقان ينشدان أغنية "لن تمشي وحيدًا أبدًا" قبل وخلال وبعد كل لقاء.

لكنّ التحديات أمام يورغن كلوب كانت صعبة للغاية، وربما أكثر المتفائلين لم يتوقعوا أن ما حدث سيحدث، وأن الأيام القادمة ستكون لكتابة التاريخ، لأن كلوب أتى لفريق خائب ومتهالك، وبعيد بشكل كبير عن المنافسة في الدوري الإنجليزي، وآخر محاولة له كانت قبل موسم واحد، وقتها أطاحت زحلقة جيرارد الشهيرة بأحلام النادي في التتويج بلقب غاب عن الخزائن لعقود.

كلوب أتى إلى ليفربول في تشرين الأول/أكتوبر 2015، وقتها كان فريقه يحتل المركز العاشر في الترتيب، بتشكيلة لو حضرت الآن سيصارع فيها الفريق على الهروب من شبح الهبوط، نجوم الفريق الكبار كانوا لاعبين تحت المتوسط، أمثال مارتن سكيرتل وسيمون مينيوليه وجو ألين ولوكاس لييفا وكريستيان بينتيكي ومامادو ساكو وجوردان هندرسون وجيمس ميلنر، وأسماء أخرى لو استعرضناها لن يعرفها سوى أقاربهم.

ومع مرور الوقت بنى يورغن كلوب مشروعه بلاعبين يثق بهم، ولم يكونوا على رادار كبرى الأندية، كساديو ماني ومحمد صلاح ولاحقًا أليسون بيكر. رويدًا رويدًا أصبح لليفربول منظومته الخاصة، وحفظ الجميع عن ظهر قلب تشكيلة الفريق، فوصلنا لمرحلة نجد أن أفضل ظهيرين في إنجلترا وربما في العالم كانا روبرتسون وآرنولد، وفيرجل فان دايك هو أفضل مدافع في العالم، وأخطر خط هجومي تمثّل بمثلث الرعب ماني-صلاح- فيرمينيو.

أفضل ما حدث بالنسبة للمتابعين، وأسوأ ما حدث ليورغن كلوب، أن كل ذلك حدث في وقت يتواجد به بيب غوارديولا في الدوري الإنجليزي الممتاز، فريقه نجح في التتويج بالدوري الإنجليزي 6 مرات من آخر 7 مواسم، وخلالها ساهمت التفاصيل البسيطة، والبسيطة جدًا، في تحويل وجهة الكأس من ليفربول إلى الطرف الأزرق من مانشستر مرّتين.

بالمجمل نجح يورغن كلوب في إعادة إحياء ليفربول بعد رقاد دام أكثر من 30 عامًا، ففاز ببطولة الدوري الإنجليزي، وهو لقب استعصى على الفريق طويلًا، كذلك حقق كل ما هو ممكن من الألقاب من ناحية النوع لا الكم، فقاد ليفربول للفوز بدوري أبطال أوروبا، وبطولة السوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية، وكأس إنجلترا، وكأس الرابطة الإنجليزية، وبطولة الدرع الخيرية.

يورغن كلوب أدرك جيدًا أن كلّ الطاقات التي منحها لفريقه وجماهيرهم قد نفدت، وأراد أن يرحل دون أي صدمات، فأعلن قبل أشهر أن موسم 2023-2024 هو الأخير له مع الريدز، فمنح الإدارة مهلة جيدة  لاستقدام البديل، واستقر الحال بها عند الهولندي آرني سلوت، ليرث تركة ثقيلة خلّفها مدرب ألماني أحبّه الجميع، وادّعى يومًا أنّه رجلًا عاديًا، لكنّ هذا الرجل العادي أنقذ إرث ليفربول، وأعاد له هيبة فقدها منذ عقود.