لليوم الثاني، استمعت "محكمة العدل الدولية" إلى شهادات عدة دول ومنظمات حقوقية بشأن سياسات وممارسات "إسرائيل" في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن أجل تقديم إجراءات استشارية بشأن التبعات القانونية الناجمة عن تلك الممارسات.
وأظهرت جلسات المحكمة، المستمرة حتى 26 شباط/فبراير الجاري، بمشاركة أكثر من 50 دولة ستقدّم مرافعات بشأن ممارسات دولة الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ عزلة "إسرائيل" التي تبدو أكبر من أي وقت مضى.
وقال خبير قانوني دولي لوكالة "الأناضول" إن جلسات الاستماع تُظهر أن "إسرائيل" أصبحت أكثر عزلة مما كانت عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تاريخ بدء حربها العدوانية على قطاع غزة التي خلّفت أكثر من 30 ألف شهيد وزهاء 70 ألف مصاب.
وأوضح فيكتور قطان أن أي قرار سيصدر عن المحكمة لصالح الفلسطينيين سيكون بمثابة تأكيد على شرعية حقوقهم من قبل الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة.
إفلات "إسرائيل" من العقاب على الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية منذ عقود جعلها تعتبر نفسها "استثناءً"
وأشار إلى أن جلسات الاستماع ناقشت نقطتين، تتمثّل الأولى في: "الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل عبر إطالة أمد احتلالها، ورفض حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، والتغيرات الديموغرافية الكبيرة وانتهاكات حقوق الإنسان والفصل والتمييز العنصري".
أما النقطة الثانية، فتتمثل: "في عواقب انتهاكات القانون الدولي". وقد ثبت انتهاك دولة الاحتلال له في أحداث عدة أهمها حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة منذ 137 يومًا.
وبيّن أنه: "إذا قدمت المحكمة رأيًا استشاريًا جيدًا بالأغلبية، على سبيل المثال أن الاحتلال غير قانوني وأن إسرائيل ارتكبت جريمة الفصل العنصري وأن الدول ملزمة بالامتناع عن تجارة الأسلحة معها، فسيتم إرساله مجددًا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة".
وأضاف أنها: "ستتخذ قرارًا يأخذ هذا بعين الاعتبار". كما أوضح أن رأي المحكمة سيسمح لبعض الدول بتنفيذ القانون الدولي، ويمنحها سببًا لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع "إسرائيل".
وتابع موضحًا: "حتى لو لم يصدر قرار من مجلس الأمن الدولي، يمكن للدول فرض عقوبات من جانب واحد، وسنرى ما إذا كانت ستفعل ذلك".
تغيير التركيبة الديمغرافية للأراضي الفلسطينية
وفي كلمته خلال جلسة اليوم، قال مدير الشؤون القانونية في وزارة الخارجية البلجيكية، بيت هيربوت، إنه: "كلما طال أمد الاحتلال، كلما كان من الضروري مناقشة التزامات قوات الاحتلال على نطاق أوسع".
وشدّد على أن "إسرائيل" تسيطر على أراضي الفلسطينيين بـ"القوة"، مؤكدًا أن بلاده تعارض إنشاء "إسرائيل" مستوطنات في الأراضي الفلسطينية، معتبرًا أن ذلك "مخالف للقانون" وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
وفي السياق نفسه، بيّن أستاذ القانون الدولي في جامعة بروكسل الحرة، فايوس كوتروليس، أن: "إسرائيل تهدف إلى إحداث تغيير في البنية الديمغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال سياستها الاستيطانية".
وقال إن هذه السياسة: "تنتهك العديد من القواعد الأساسية للقانون الدولي"، مشدّدًا على أن: "عدم شرعية الاحتلال تفرض مسؤوليات معينة على إسرائيل والدول الأخرى، وكذلك المؤسسات الدولية"، لافتًا إلى أن بلجيكا دعت إلى هدم المستوطنات وإعادة الممتلكات المصادرة.
إسرائيل تريد تحويل الاحتلال إلى ضم
واتهم رينيه لوفيبر، المستشار القانوني لوزارة الخارجية الهولندية، "إسرائيل" بمحاولة جعل الاحتلال في الأراضي الفلسطينية سياسة "ضم للأراضي".
وقال رينيه في الجلسة ذاتها، وباسم وفد بلاده، إن هولندا: "تؤكد أن الاحتلال هو بطبيعته استخدام مؤقت للقوة، لأنه لو كان دائمًا لأصبح ضمًّا".
ولفت رينيه، وهو أستاذ القانون الدولي بجامعة أمستردام، إلى أن الاحتلال، بحسب القانون، هو: "عدم قدرة القوة المحتلة على توطين مواطنيه في الأراضي المحتلة". ولذلك، فإنه: "لا يمكن لإسرائيل أن تمارس السيادة على الأراضي الفلسطينية ولا أن تضم أراض محتلة".
كما اعتبر أن سياسات التهجير الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تشكّل "جريمة حرب" بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وشدّد لوفيبر، باسم وفد بلاده، على حق الشعوب في تقرير مصيرها، مؤكدًا أنه حقٌ دائم عالميٌ وثابت تضمنه الاتفاقيات الدولية.
"إسرائيل" تعتبر نفسها غير مقيدة في أفعالها ضد الفلسطينيين
في الجلسة نفسها، طلب ممثلو جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري، غير ملزم، يعتبر احتلال "إسرائيل" للأراضي الفلسطينية غير قانوني.
وقال سفير جنوب إفريقيا لدى هولندا فوسيموزي مادونسيلا، إن دولة الاحتلال الإسرائيلي: "تعتبر نفسها غير مقيدة في أفعالها ضد الفلسطينيين".
ولفت إلى أن الدليل على ما سبق: "وحشية وعنف العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد غزة وانتهاك القانون الدولي، بما في ذلك الأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية".
وفيما أشار إلى أن نحو 30 ألف فلسطيني قُتلوا خلال آخر 4 أشهر، فإنه أكد أن هذه: "ليست مجرد إحصائيات بل دماء الشعب الفلسطيني وأشلاؤه".
إفلات "إسرائيل من العقاب جعلها ترى نفسها استثناءً
بدوره، أكد أسعد شومان، الممثل الخاص لرئيس وزراء مملكة بليز، إحدى دول منطقة الكاريبي، أن الشعب الفلسطيني: "لديه حق غير قابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال الكامل".
ولفت إلى أن: "جميع الشعوب، باستثناء الفلسطينيين، حصلوا على حق تقرير المصير"، مؤكدًا أن: "الحق في تقرير المصير هو أحد أهم مبادئ القانون الدولي الأساسية".
وقال إنه: "لا يمكن السماح لإسرائيل بمواصلة انتهاك أحد أهم مبادئ القانون الدولي مع الإفلات من العقاب"، الذي أكد أنه: "يولد اللاإنسانية". وشدّد على أن الإفلات من العقاب على الاحتلال المستمر منذ عقود جعل إسرائيل تعتبر نفسها "استثناءً".