تفتح قصائد الشاعرات العمانيات الجديدات أبوابًا لا بدّ أن تصل القارئ بعمق المجتمع العُماني. قد لا تكون هذه القصائد جدلية أو شائكة، جريئة أو معنية بقضايا كبرى ومواضيع حسّاسة، ولكنّها بانشغالها بالتفاصيل اليومية والمعاشة، إنّما ترسم صورة لعمان كمكان للعيش، بأجواء ومناخات لها خصوصيتها، وكأنهنّ يقلن: هكذا هو الشّعر هنا، في عُمان. هنا وقفة مع ثلاث تجارب شعرية عُمانية جديدة.
1-أمل السعيدي.. جهة الطفولة
اختارت الكاتبة والإعلامية العُمانية أمل السعيدي الشِّعر لأنّه يجمع بين المطلق/ السوريالي من جهة، واليومي من جهةٍ أخرى. ولأنّ التكثيف الموجود في اللغة الشّعرية قد لا يكون متوافرًا في بقية الأجناس الأدبية الأخرى. فالشِّعر، في قناعاتها، يُتيح للمرء أن يلمس أشياء مختلفة من عدّة زوايا مختلفة أيضًا. وبالنسبة لها، يبلور كلّ ما ذُكر سؤال: ما الشِّعر؟ تقول أمل إنّه التقاط الإيماءات المشتركة بين البشر.
تحضر عُمان في قصائد أمل السعيدي لأنّ الشِّعر عندها كان في البدايات مرتبط بمحاولة الإجابة على سؤال مثل: ماذا يقع خلف هذه القرية؟ تقول إنّ القرية التي كانت تسكنها لم يكن فيها أحد سوى عائلتها، ولأنّه لم يكن ممكنًا الذهاب أبعد منها، كان الشِّعر بمثابة ممرّات ومعابر لتجاوز الحدود المرسومة بصريًا للقرية، عدا عن أنّه وسيلةً لمحاولة فهمه، المكان، وإعطائه معنىً لا يتجاوز حدود علاقتها به، أي أنّه لا يخصّ أحدًا سواها.
تكتب السعيدي انطلاقًا من الطفولة، وإن لم تكن موضوعًا رئيسيًا، إلّا أنّها المكان الذي تولد منه قصيدتها التي تأتي أحيانًا لتكون محاولة لردم أشياء كثيرة حصلت آنذاك. أمّا الكتابة نفسها، فهي ما يُعطي للأشياء قيمة معيّنة، بل وتستنطقها أيضًا بطريقة لا بدّ أن تكون مختلفة، بغضّ النظر إن كانت هذه الأشياء هامشية أو لا.
الاشتغال على الأسلوب وبناء أسلوب خاص بها، هو ما يعني أمل في الوقت الراهن، لأنّ ذلك سيمكّنها من تجنّب الكتابة التقريرية من جهة، وإتاحة الإمكانية لقول الأشياء بشكلٍ غير مباشر من جهةٍ أخرى، أي دون الإشارة إليها بالمفردات التي تعبّر عنها. ولهذا السبب ربّما ترى أمل أنّه لا بدّ من أن يكون الكاتب صاحب خلفية فكرية ومعرفية أيضًا.
2-فاطمة إحسان.. تصحيح أخطاء
تكتب الشاعرة العُمانية فاطمة إحسان بحثًا عن الأجوبة، ممّا يعطي قصيدتها شكل سؤال ملحًّا تظنّ أنّها تملك إجابته، أو على الأقلّ قد تصل إليها من خلال الكتابة. هكذا، تتوالى الإجابات بفعل الأسئلة/ القصائد المتلاحقة، وهي إجابات متخيّلة بالضروة، تُسهب إحسان في توصيفها بعد أن ضلّت الطريق إليها، وكأنّها تقول أنّ الشِّعر يعبّد الطريق نحو من جديد.
وصلت إلى الشّعر بعد رحلة طويلة في عوالم محمود درويش وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة، وتعاملت معه، كما الكتابة بشكلٍ عام، بوصفه تصحيح أخطاء واستدراك متواتر لكلّ ما يُمكن استدراكه. أمّا نظرتها إلى الشّعر، فلم تتغيّر بالشكل الكبير الذي قد يحدث فارقًا، رغم ذلك، تقول إنّها تحن للعفوية في الكتابة، حين لم يكن هناك أي اكتراث بالعثرات، وحينما كان إكمال الطريق لا يتطلّب الكثير من الاكتراث أيضًا، وإنّما وعلى العكس تمامًا، الكثير من الخفّة، الأمر الذي تقول فاطمة إنّها فقدته منذ أن بدأت تتطلّع على تجارب الآخرين.
ملك عبد الله.. زوّادة الاحتمالات
جاءت الشّاعرة العُمانية ملك عبد الله إلى الشّعر من بوابة كتابة اليوميات والرسائل. تقول عبد الله إنّ الشِّعر أثار اهتمامها لأنّ والدها كان شاعرًا، ولأنّ الشِّعر نفسه كان له خصوصية ومكانة مميّزة عند عائلتها التي كانت تحفظ القصائد، بل ويتهاداها أفرادها أيضًا.
تحضر عُمان في قصائد ملك عبد الله باعتبارها مكان وعيها الأوّل، والمساحة التي تبلورت فيها فكرة أنّها تريد أن تكون شاعرة، أمّا من أين تأتي، فالإجابة من تجاربها المعاشة، لا سيما أنّها ترى بأنّ القصيدة يمكن أن تأتي من أي مكان، وبأنّ الشِّعر شيء متعلق بالذهاب بعيدًا وخلق الاحتمالات الكثيرة.
تتعامل عبد الله مع الكتابة على أنّها صوت وجودي وطريقة في الحلم، عدا عن أنّها انفتاح على الداخل/ الذات، وعلى الخارج/ الآخر. لذلك، جرّبت الشّعر الموزون، ثم قرأت الشّعر الغربيّ، وانتقلت بموجبه إلى قصيدة النثر التي تتيح للكاتب آفاقًا أوسع قابلة للتمدّد، كما أنّها قابلة للانكماش في آنٍ معًا. ولأنّ هذا الشكل من الكتابة، هو ما تراه ملك عبد الله الأكثر قدرةً على التعبير عنها.
اقرأ/ي أيضًا: