تواصل طائرات الاحتلال الإسرائيلي قصفها لقطاع غزة لليوم السادس على التوالي، وتُعد موجة القصف الحالية الأعنف منذ سنوات. ورغم وضوح غايات الاحتلال وأهدافه، وهي الانتقام من المقاومة الفلسطينية وتدمير القطاع وقتل أهله، إلا أن البعض في الغرب والعالم العربي يرى أن إسرائيل تدافع عن نفسها، وأن المقاومة هي المسؤولة عما تتعرض له غزة.
اللافت أن هؤلاء لا يحمّلون الفلسطينيين مسؤولية ما يتعرض له القطاع الآن فقط، بل مسؤولية حصار دولة الاحتلال له ومعاناته الممتدة منذ أكثر من عقد ونصف. بل، أكثر من ذلك، التعامل مع القطاع بوصفه قاعدة عسكرية لـ"حركة حماس"، وليس مكانًا يعيش فيه أكثر من مليون شخص في ظل ظروف بائسة.
يريد هؤلاء تشويه تاريخ مدينة غزة، والقطاع بأكمله، التي شنت دولة الاحتلال عدة حروب ضدها على مدار أكثر من 17 عامًا دمّرت خلالها أجزاءً كبيرة منها، وفرضت على سكانها واقعًا بائسًا يصرّ مؤيدو الكيان الذين تبنّوا سردياته الزائفة على تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤوليته، وإنكار أن تكون إسرائيل هي التي أوصلته إلى ما هي عليه اليوم عبر ممارساتها الاستعمارية والإجرامية.
في هذه المقالة وقفة مع 5 كتب عن غزة يسلط بعضها الضوء على تاريخها، ويتناول بعضها الآخر الممارسات الإجرامية الإسرائيلية بحقها وحق سكانها بوصفها سياسات إبادة جماعية بالدرجة الأولى.
1- غزة في أزمة
يضم كتاب "غزة في أزمة" (شركة المطبوعات، 2012/ ترجمة أنطوان باسيل) عدة مقالات لكلٍ من نعوم تشومسكي وإيلان بابه، وحوارات معهما أيضًا، حول مجموعة مختلفة من القضايا والمواضيع المرتبطة بالقضية الفلسطينية، والصراع العربي - الإسرائيلي، والممارسات الإجرامية والعنصرية لدولة الاحتلال بحق الفلسطينيين.
ويشتمل الكتاب على فصلين حول قطاع غزة، يتحدث تشومسكي في الأول "أبيدوا جميع البهائم: غزة 2009" عن المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في القطاع خلال ما يُعرف بـ"عملية الرصاص المصبوب"، بين 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 و19 كانون الثاني/ يناير 2009. ويتناول إيلان بابه في "ساحات المذابح في غزة 2004 - 2009"، أحوال القطاع وسياسات دولة الاحتلال تجاه القطاع منذ نكبة 1948، ثم نكسة 1967، فاتفاق أوسلو، والانسحاب الإسرائيلي من غزة 2005، وصولًا إلى المذبحة التي ارتكبها جيش الاحتلال خلال عملية الرصاص المصبوب.
2- غزة: بحث في استشهادها
في كتابه "غزة: بحث في استشهادها" (مركز دراسات الوحدة العربية، 2020/ ترجمة أيمن ح. حداد)، يسلط نورمان فنكلستاين الضوء على أحوال قطاع غزة وما تعرض له سكّانه من مذابح متتالية وحصار خانق من قِبل دولة الاحتلال. ويركّز الكاتب في هذا السياق على إظهار زيف "الدوافع الأمنية" التي يتذرع بها الاحتلال لارتكاب جرائمه بحق الفلسطينيين، ويؤكد أن جميع جرائمه لم تكن سوى أداة لتلبية احتياجاته الاستراتيجية من جهة، وإظهار قوته ومنع الوصول إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين من جهة أخرى.
3- غزة: التاريخ الاجتماعي تحت الاستعمار البريطاني 1917 - 1948
يُعيد أباهر السقا في كتابه "غزة: التاريخ الاجتماعي تحت الاستعمار البريطاني 1917 - 1948" (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2018) قراءة التاريخ الاجتماعي لمدينة غزة، من منظور سوسيولوجي، خلال الفترة بين أواخر الحكم العثماني، مرورًا بالاستعمار البريطاني، وحتى النكبة.
وعبر هذه القراءة، يقدّم السقا تاريخًا مفصلًا للمدينة، حيث يستعرض التركيبة السوسيواقتصادية والسياسية للمدينة وسكانها وعائلاتها، ويسلط الضوء على العلاقات بينهم وبين الاستعمار البريطاني، وعمليات تحديث المدينة، والتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت عليها، والبنى الاقتصادية والثقافية والتعليمية، ناهيك عن طبيعة الحياة اليومية في المدينة وعاداتها الاجتماعية والعلاقة بين مكوناتها وصولًا إلى الحراك السياسي والاجتماعي وغيره.
4- تاريخ غزة
يؤرخ عارف العارف في هذا الكتاب لتاريخ مدينة غزة، التي يستعرض أهميتها التاريخية، وأسمائها المختلفة ومعانيها، ثم يتوقف عند "بُناتها الأقدمون"، المعينيون والسبأيون والعويون والكفتاريون وغيرهم. ويتناول العارف بعد ذلك أحوال المدينة في عهد الكنعانيين والفراعنة والهكسوس والآشوريين والفرس والأنباط والرومان وصولًا إلى الفتح الإسلامي للمدينة.
ويفرد كذلك عدة فصول لأحوالها وطبيعة الحياة فيها في عهد الدولة الطولونية والإخشيدية والفاطمية والسلجوقية وصولًا إلى الاحتلال الصليبي للمدينة وتحرير صلاح الدين الأيوبي لها. ثم ينتقل إلى الحديث عنها في ظل حكم المماليك، والعثمانيين، والاستعمار البريطاني. كما خصص فصولًا للحديث عن سلوك وطبائع سكانها وعاداتهم وأنماط عيشهم وحياتهم اليومية.
5- غزة: حافظوا على إنسانيتكم
يوثق الناشط الإيطالي فيتوريو أريغوني في كتابه "غزة: حافظوا على إنسانيتكم" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2011/ ترجمة مالك ونوس)، ما شاهده خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال 2008 - 2009، إذ يضم الكتاب 22 تقريرًا يروي فيها: "قصة المذبحة التي استمرت ثلاثة أسابيع".
ويضيف أريغوني في تقديمه للكتاب: "هذه الأوراق مؤذية وملطخة بالدماء كما أنها مشبعة بالفسفورة الأبيض، وهي حادة كحدة شظايا قنبلة". وتابع: "إذا كانت الحقيقة هي الضحية الأولى لأي حرب، فإنه من أولى أولويات إسرائيل المطلقة أن تغتالها قبل الصراع وخلاله وبعده. أما واجبنا كناشطين، أو بشكل أعم كبشر، فهو توثيقها ونشرها من أجل الحرية والعدالة".