يقول أحد النقاد: "الرواية هي تاريخ المرأة". ولعل السرد النسوي لا يكتسب قيمته من كونه خطابًا يسعى إلى القطعية مع الوضعيات التي طالما همشت المرأة، وعدتها كائنًا ناقصًا وحسب، بل أيضًا لأنه يقدم سرديات بديلة لنسق السلطة المهيمنة، وما تفرضه من استعمالات ذكورية للغة والثقافة. هنا وقفة مع أعمال روائية بارزة لخمس روائيات عربيات.
1- حجر الضحك
تقدّم رواية "حجر الضحك" (دار الريس، 1990) للروائية هدى بركات صورةً مختلفةً عن الحرب الأهلية اللبنانية، متخذةً من هذه الحرب خلفيةً وزمنًا لروايتها. فتحاول رؤية "حجر الضحك" التغلغل في حياة الإنسان اللبناني في تلك الفترة؛ تفاصيل يومه، مخاوفه، وما تركتهُ الحرب من آثار في نفسه، تصل أحيانًا إلى حد التشويه، وإعادة إنتاجها بصورة أخرى متوحشة ومليئة بالعنف. فتكشف هدى بركات عن حرب اجتماعية تتوارى خلف الحرب الأهلية، وتدور داخل الأسرة الواحدة، متّبعةً أسلوب سردٍ خالٍ من العنف، يجعل القارئ يعيش تلك الحرب بكلّ أحداثها وتفاصيلها.
تتناول هدى بركات في رواية "حجر الضحك" بجرأةٍ قضية الشذوذ الجنسي، من خلال شخصية خليل، المفكك والباحث عن هويته الجنسية، والمتقلّب في كونه ذكرًا أم أنثى قبل الحرب، وترصد تحولاتهِ المستمرّة بعد الحرب التي توقِظُ رجولتهُ فجأة، وتعيد صياغته لتنتج مقاتلًا صلبًا يمارس ما يعتقد أنّ على الرجال ممارسته، من قتلٍ واغتصاب مستمرٍ للنساء، كاشفةً عن دور الحرب في انتزاع الآدمية من الإنسان، وعن معاناة المرأة أمام الرجال المسلّحين، وعن معاناة الرجال العُزل أمام المسلّحين منهم.
[[{"fid":"89291","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":311,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
2- ثلاثية غرناطة
في "ثلاثية غرناطة" (منشورات الهلال، 1994) تأخذنا الروائية المصرية الراحلة رضوى عاشور إلى الأندلس في الفترة ما بين 1491 و1609، واصفةً لنا الصراع الذي عاشهُ المسلمون العرب في تلك الفترة بشكلٍ يوميّ مع محاكم التفتيش القشتالية، ومحاولاتهم المستمرّة للحفاظ على هويتهم العربية والإسلامية في ظلّ سعي السلطة إلى إلغائها. وتقدم رضوى عاشور في هذه الرواية وصفًا يكاد يكون شاملًا لما وقع من أحداث في تلك الفترة، من خلال سرد حكاية عائلة أبي جعفر الغرناطي، بكلّ أجيالها التي عايشت تلك الأحداث على مدار ما يقارب الـ 150 سنة.
تتناول رضوى عاشور حياة المسلمين في تلك الفترة على مرحلتين، قبل سقوط غرناطة، وبعد سقوطها وتنصير سكّانها، واصفةً مشاعر المسلمين آنذاك، بدايةً من حرق الكتب العربية في ساحة البيازين، كجزءٍ من مرحلة إلغاء الهوية العربية للسكّان، إضافة إلى منعهم من الحديث باللغة العربية، وإجبارهم على اعتناق المسيحية، مع رصد مشاعرهم أثناء تعميدهم وتغيير أسمائهم بما يتماشى مع ديانتهم الجديدة، منتهيةً بطردهم من الأندلس في الجزء الأخير من الرواية.
[[{"fid":"89296","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":269,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
3- خاتم
تذهب بنا الروائية رجاء عالم في روايتها "خاتم" (المركز الثقافي العربي،2007) إلى أماكن خفيّة في مدينة مكّة، متحدثةً عن الصراعات السياسية بين أمراء المدينة حول الحكم، وما ينتج عن ذلك من معارك تخطف ذكور المدينة. مقدِّمةً صورة عن الحياة الاجتماعية والسياسية في ظلّ تلك الصراعات.
لا تحدّد رجاء عالم لروايتها زمانًا معيَّنًا، غير أنّها تدور في فترة الحكم العثماني، وتتمحور حول شخصية خاتم، المولودة بعد وفاة إخوتها الذكور في إحدى معارك الصراع على السلطة بين الأمراء. تولد خاتم دون تحديد جنسها، ذكرًا كانت أم أنثى، وتمضي جلّ وقتها باحثةً عن هويتها الجنسيّة، حيث تظهر تارةً محبّةً لملابس الرجال ومجالستهم برفقة والدها، وتارةً أخرى راغبةً في معرفة أسرار النساء دون الاقتراب منهنّ والانجرار إلى عالمهنّ الخاص، ناسفةً بذلك كل محاولات القارئ في تحديد هويتها الجنسيّة.
تكمن المفارقة الأبرز في نهاية الرواية، عند اكتشاف جثّة خاتم بعد أن قام رجال الأمير بقتل كل ذكور المدينة إثر محاولة خلعهِ من قبل أحد الأمراء، وهنا نكتشف أنّ شخصية خاتم هي في الأصل ذكر، ولكنّ والدها حاول إخفاء الأمر من أجل حمايتها، دون أن ينجح في ذلك.
[[{"fid":"89301","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":329,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]
4- يا سلام
تُعيد الروائية نجوى بركات في روايتها "يا سلام" (دار الآداب، 1999) كتابة الحرب الأهليّة اللبنانية من منظورٍ مختلف، متحدّثةً عن الأسباب التي كانت تقفُ وراء اندلاع تلك الحرب، وتلك التي كانت تحولُ بينها وبين انتهائها، وما منتحتهُ من نفوذٍ ومكاناتٍ مهمة لبعض المقاتلين في ظلّها وبعد أن تنتهي، ودورها في استخراج العنف المكبوت في نفوس البعض، ودور العنف في تشويه النفس البشرية.
تسهِبُ نجوى بركات في وصف الحالة النفسيّة للبنانيين في تلك المرحلة، من خلال شخصيّات الرواية الرئيسية التي كانت تعيشُ حالةً من الظلم القهر والتهميش قبل الحرب، متحدثةً عن العنف الذي تولّدهُ هذه الأمور داخل النفس البشرية، وعن دور الحرب والسلاح في إخراجهِ، وتحويلهِ إلى وسيلةٍ للردّ على ما عاشوهُ من قهرٍ وتهميش، وجعلهِ طريقة للتعامل مع الأخرين، بدايةً من تخويف المدنيين منزوعيّ السلاح وإذلالهم، مرورًا بعمليات القتل والخطف، إلى اغتصاب النساء، والعنف الجسدي الذي يرافقُها، والذي يصلُ أحيانًا إلى درجة حرق جسد الضحية وتشويههِ.
يبدأ النص في رواية "يا سلام" بحوار بين الغيوم، وينتهي بحوار آخر. وما بينهما نتعرّف على أصدقاء الأبرص: لقمان ونجيب وسلام، الذين يؤسسون شركة لإبادة الجرذان، لكن الذي يحدث أنهم يمارسون قتل بني جنسهم كما تفعل الجرذان تمامًا.
[[{"fid":"89306","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":291,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]
5- البشموري
صدرت رواية "البشموري" (دار الهلال، 1998) للروائية المصرية سلوى بكر، والتي تقدم صورة موسّعة عن مرحلة تاريخية مهمشة في تاريخ مصر أثناء الحكم العباسي، متحدِّثةً عن الثورة البشمورية التي قادها أقباط مصر في تلك الفترة ضدّ السلطات العباسية بعد ارتفاع الضرائب وسوء أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية وتفشّي الفقر وانتشار المجاعات آنذاك، والخلاف بين الكنيسة اليعقوبية والملكانية.
تروي سلوى بكر في روايتها مراحل ثورة البشموريين، بدايةً من نشأتها وحتّى انتهائها على يد السلطات العباسية، وقيام السلطة ذاتها بنفي قسمٍ من البشامرة إلى أنطاكيا، وبيع القسم الآخر في أسواق النخاسة في الشام وبغداد، وتجنيد البعض منهم لاستخدامهم في إنهاء ثورات أخرى.
كما تُسهِبُ سلوى بكر في رواية البشموري في وصف الحالة الاجتماعية والثقافية والسياسية في عدّة مدن من خلال رحلة الراهب بدير الذي نفي إلى أنطاكيا بعد اعتقاله على يد السلطة العباسية، رغم كونه مبعوثًا إلى قائد ثورة البشامرة لإقناعه بالعودة إلى كنف السلطة، ومن خلال هذا الوصف الدقيق للأمكنة، تأخذنا الروائية سلوى بكر لعيش تلك المرحلة من الزمن بكلّ أجوائها وتحولاتها السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية.
[[{"fid":"89311","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":287,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]
اقرأ/ي أيضًا: