تعمل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، المعروفة اختصارًا بـ "أيباك"، في الخفاء والعلن على التأثير في السياسة الأميركية، وذلك عن طريق الحضور المالي القوي في كل مناسبة انتخابية رئاسية أو تشريعية.
لكنّ المتابعين للشأن الأميركي الداخلي لاحظوا أنّ "أيباك" اتخذت، قبل الانتخابات النصفية لعام 2022، قرارًا غيّر بشكل كبير أهدافها وخطوط السياسة الأميركية.
حيث اختارت "أيباك" للمرة الأولى الإنفاق مباشرةً على الحملات الانتخابية، كما تبنّت إستراتيجيةً جديدة "تقوم على استخدام أموالها الضخمة لإقالة أعضاء الكونغرس التقدميين، الذين انتقدوا انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل وتلقّيها دعمًا عسكريًا بمليارات الدولارات الأميركية".
وتكشف الإحصائيات المالية للحملات الانتخابية الأميركية أنّه منذ عامين "غدت أيباك واحدةً من أكبر المنفقين الخارجيين في انتخابات الكونغرس".
تموّل أيباك الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين على حدّ سواء، وإن كانت الإحصائيات تشير إلى نيل الجمهوريين النصيب الأكبر من حصة تمويلاتها
يلاحظ موقع إنترسبت الأميركي أنّ "أيباك" وبمجرّد أن غيّرت إستراتيجيتها، حققت "نجاحًا فوريًا"، حيث تمكنت مع مجموعة "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل"، من إلحاق الهزيمة بالنائبين أندي ليفين الديمقراطي من ولاية ميشيغان، وماري نيومان الديمقراطية من إلينوي، المعروفين بانتقاداتهما اللاذعة "للتمويل العسكري الأميركي غير المشروط لإسرائيل".
في العام الجاري، الذي تصاعد فيه الغضب الشعبي من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وقبل دورة الكونغرس، أصدرت "أيباك" إعلانًا جريئًا، جاء فيه ما نصّه: "من خلال ذراع مشروع الديمقراطية المتحدة وأيباك باك، سنُنفق 100 مليون دولار على الانتخابات، أي نحو سدس ما أنفقته الجماعات الخارجية على الانتخابات الرئاسية لعام 2020".
وبحسب موقع إنترسبت فإنّ "أيباك" سعت لبسط نفوذها على 363 مقعدًا في مجلس النواب و26 مقعدًا في مجلس الشيوخ. ومن بين 389 مرشحًا موّلتهم أيباك، لم يخض 57 منهم الانتخابات التمهيدية، بينما لم يكن هناك أي خصم لـ 88 مرشحًا منهم". ما يعزز من صورة "أيباك" بين المرشحين كـ"صانعة ملوك".
تمويلات للحزبين الجمهوري والديمقراطي والمستقلين:
تموّل أيباك الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين على حدّ سواء، وإن كانت الإحصائيات تشير إلى نيل الجمهوريين النصيب الأكبر من حصة تمويلاتها، حيث دعمت هذا العام 233 جمهوريًا بإجمالي أكثر من 17 مليون دولار من الأموال، و152 ديمقراطيًا بأكثر من 28 مليون دولار، وثلاثة مستقلين هم: السيناتور جو مانشين من ولاية فرجينيا الغربية، وكيرستن سينيما من أريزونا، وأنغوس كينغ من ولاية ماين.
كما قدّمت "أيباك باك" أكثر من 3 ملايين دولار للّجان والمنظمات التابعة للحزبين الجمهوري الديمقراطي.
ومن الملاحظ أنّ "أيباك" في هذا العام أنفقت في كل السباقات الانتخابية، وذلك في الولايات الأميركية إذا استثنينا أوهايو. وقد حصلت كل من نيويورك وكاليفورنيا على الإنفاق الأكبر، تليهما ميسوري وماريلاند.
ويرى المتابعون أنّ هذا الإنفاق "حقّق هدفه المنشود، حيث تقلّص عدد أعضاء الكونغرس المعارضين للمساعدات المقدّمة لإسرائيل والمنتقدين لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل، إذ زادت "أيباك" إنفاقها الانتخابي لاستهداف المرشّحين والمشرّعين التقدميين الذين ينتقدون تل أبيب". حيث أنفقت أيباك بشكل كبير ضدّ منتقديها، ويُذكر في هذا الصدد أنّها أنفقت 30 مليون دولار على الإطاحة بجمال بومان وكيري بوش.
وتعليقًا على هذه الاختراقات الكبيرة لـ"أيباك" في السياسة الأميركية الداخلية، يقول أسامة أندرابي، المتحدث باسم حزب "العدالة الديمقراطي"، الذي قام بتجنيد ودعم المرشّحين ضد هجمات "أيباك" إن هذه الأخيرة "تُمثّل، مثل أي لجنة عمل سياسية كبرى، الأجزاء الأكثر تكسرًا في نظام تمويل الحملات لدينا، الذي يمنح حفنةً من المليارديرات وسيلةً لتعزيز مصالحهم على حساب الملايين من الناس العاديين".
مضيفًا: "إذا أردنا وقف ارتفاع التكاليف، وحماية مجتمعاتنا، ومنع حرب أخرى لا نهاية لها في الخارج، فعلينا أن نُبعد الأموال عن السياسة مرةً واحدة وإلى الأبد".