19-سبتمبر-2024
القوات الأميركية في العراق

جاء إعلان السوداني بعد أيام من زيارة بزشكيان للعراق (رويترز)

على الرغم مما تتداوله بعض الأوساط من خلافٍ بين حكومة محمد شياع السوداني في بغداد وإيران حول بعض الملفات العالقة، إلا أن زيارة بزشكيان الأخيرة لبغداد آتت أكلها، على الأقل فيما يخص ملف انسحاب القوات الأميركية من العراق. فبعد الزيارة، أعلن رئيس الوزراء العراقي عن قرب موعد جدولة انسحاب القوات الأميركية من بلاده، الأمر الذي يعتبره متابعون للشأن العراقي "انتصارًا لسياسة إيران" في العراق.

فعلى الرغم من مضي 3 أعوام و9 أشهر على مصادقة البرلمان العراقي على قرارٍ يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود القوات الأجنبية، ظلت الحكومة العراقية تتلكّأ في جدولة ذلك الانسحاب، ولذلك يعد تصريح محمد شياع السوداني الأخير اختراقًا في الموقف الحكومي العراقي، فضلًا عن كونه متناسبًا مع سياسة طهران التي تسعى بشكلٍ حثيث ودائب إلى إخراج القوات الأميركية من المنطقة انتقامًا لاغتيال القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع 2020. كما تحمّل طهران الوجود الإيراني في العراق مسؤولية الاختراقات الأمنية التي تتعرّض لها بين الفينة والأخرى.

وكان شياع السوداني قال في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ"، يوم الثلاثاء الماضي، إنه: "لم تعد هناك حاجة لوجود القوات الأميركية في بلاده لأنها نجحت إلى حد كبير في هزيمة تنظيم الدولة"، وإنه يعتزم: " الإعلان عن جدول زمني لانسحابها في وقت قريب".

وتتحدث بعض الأوساط العراقية عن توصل الحكومة العراقية والإدارة الأميركية إلى اتفاق في أيلول/سبتمبر الجاري حول انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، وفق خطة يجري تنفيذها على مراحل خلال العامين المقبلين/ ويربط الباحث الإيراني مهدي عزيزي "بين توقيت الإعلان وزيارة بزشكيان إلى العراق"، معتبرًا أنّ: "مباحثات الوفد الإيراني في العراق أسهمت في تقريب وجهات نظر المكونات السياسية العراقية حول الانسحاب الأميركي".

ضغطت إيران على بغداد لبرمجة موعد لانسحاب القوات الأميركية من العراق 

وفي حين تعتقد الأوساط المقربة من إيران والمعارضة للوجود الأميركي في المنطقة أن انسحاب الجيش الأميركي من العراق سوف يزيد من استقرار البلد السياسي، يرى آخرون أنّ الجو سيخلو لإيران والمليشيات المحسوبة عليها لبسط الهيمنة على البلاد وتحقيق مصالحها الاقتصادية والأمنية على حد سواء.

ويرى متابعون أنّ خطوة الحكومة التي يرأسها شياع السوداني استُبقت من إيران، بتخفيق الضغوط عليها من المكونات الشيعية من جهة، والتقريب بين وجهات نظر الأوساط الكردية مع الحكومة المركزية من جهة ثانية، ما سرع الإعلان عن جدولة الانسحاب الأميركي من العراق.

كما تدّعي الأوساط المحسوبة على إيران أنّ انتصار العراق على الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المكنّى "داعش" لم يتم بفضل القوات الأميركية بل بفضل من يسمونهم "متطوعي الحشد الشعبي وسلاح وقيادة مستشاري الجمهورية الإسلامية".

تحدي الموازنة

مع الإعلان العراقي الرسمي عن قرب الانسحاب الأميركي، تواجه بغداد تحديًا كبيرًا يتمثل في الموازنة في علاقتها بين خصمين لدودين هما إيران والولايات المتحدة الأميركية. ومن الملاحظ أنّ الحكومة العراقية اتبعت في الآونة الأخيرة نهج الوساطة لاستعادة ثقل العراق ودوره الإقليمي، حيث توسطت في عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وبين مصر والأردن من جهة وإيران من جهة ثانية.

وليس من المستبعد أن تعرض حكومة بغداد فكرة الوساطة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وهي وساطة من شأنها أن تزيد من ثقل بغداد الإقليمي. لكنّ هذا الدور يقتضي من العراق موقفًا غير انحيازي لأحد الخصمين مع محاولة التمتع بأكبر قدرٍ من الاستقلالية في قراراتها ومواقفها. ولا شكّ في أنّ أول مقتضًى من مقتضيات السيادة والاستقلال سيطرة البلد على أراضيه وأجوائه، وهو ما يتنافى مع وجود قوات أجنبية على أراضيه لكن أيضًا يتنافى مع سيطرة ميليشيات محسوبة على قوة إقليمية بعينها على ترتيباته الأمنية.