تمرّ العلاقات الإيرانية الروسية باختبار عصيب، حيث باتت إيران في أمسّ الحاجة للأسلحة الروسية المتطورة التي دفعت ثمن بعضها، وعلى رأس تلك الأسلحة منظومة أس 400 للدفاع الجوي ومقاتلات سوخوي 35، التي تماطل روسيا، حسب بعض الأوساط الإيرانية، في تزويد طهران بها.
ومثّل اللقاء الذي جمع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة التركمانستانية عشق آباد، نهاية الأسبوع الجاري، فرصةً لطرح موضوع تسليم الأسلحة الروسية لإيران بإتمام ما كان ناقصًا في صفقاتها.
وحرص الرئيس الإيراني بزشكيان في لقائه ببوتين على الإشادة بما وصفها بالعلاقات "الإستراتيجية" بين طهران وموسكو، قائلًا إن تعزيز تلك العلاقات يحظى بالأولوية، مشددًا في هذا السياق على ضرورة "إتمام توقيع وثيقة الشراكة الإستراتيجية بين البلدين" في أقرب وقت على حدّ تعبيره، وذلك في إشارة طبعًا إلى موضوع التسليح، خاصةً أن إيران واجهت الأسابيع الماضية حملةً غربية قوية بسبب "تزويدها لروسيا بصواريخ باليستية" الأمر الذي تنفيه طهران.
يقفز موضوع تسليح روسيا لإيران إلى الواجهة في وقتٍ تتزايد فيه حدة الصراع في الشرق الأوسط
وفي حال صحّت الاتهامات الأميركية والغربية لطهران، فإنّ أقلّ ما تتوقعه إيران من روسيا هو تزويدها بحاجياتها من الأسلحة الدفاعية والهجومية، وإن كانت مصادر غير رسمية تحدثت عن وصول بعض تلك الأسلحة الروسية لإيران فعلًا، لكنّ المسؤولين في إيران يتحاشون تأكيد مثل تلك المعلومات.
ويقفز موضوع تسليح روسيا لإيران إلى الواجهة في وقتٍ تتزايد فيه حدة الصراع في الشرق الأوسط وتزايد المؤشرات على تحول هذا الصراع بين إسرائيل وإيران نحو حرب مفتوحة بين القوتين الإقليميتين، خاصةً إذا ما نفذت إسرائيل تهديداتها بضرب أهداف حيوية في العمق الإيراني (المنشآت النووية أو النفطية).
فأمام هذه الاحتمالات والتحديات طُرحت بقوة تساؤلات عن مدى جدّية الدب الروسي، في الوقوف إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في مواجهة الرد الإسرائيلي المتوقع وتداعياته.
انتقادات إيرانية لموسكو
عقب اللقاء الذي جمع بزشكيان ببوتين أثيرت تساؤلات بين المحللين والمراقبين الإيرانيين حول الأسباب الكامنة وراء عدم تسليم روسيا الأسلحة الإستراتيجية، وعلى رأسها مقاتلات "سوخوي-35" ومنظومة "إس-400" للدفاع الجوي التي سبق أن أتمت إيران صفقة شرائهما؟
وفي هذا السياق، يقول الباحث الإيراني في مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني محمود شوري إنّ لديه تحفظات قوية في وصف العلاقات الإيرانية الروسية بالإستراتيجية، على الرغم مما شهدته تلك العلاقات من تطور خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والسبب بحسبه، هو تباين المواقف الإيرانية الروسية في عدة ملفات إقليمية ودولية، الأمر الذي يستحيل معه أن يعتبر أي الطرفين أنّ أمنه من أمن الطرف الآخر.
ولعلّ ذلك ما يفسّر إرجاء تنفيذ الصفقات العسكرية والتجارية بين البلدين، وإتمام التوقيع على اتفاقية التعاون بعيد المدى.
وبشأن تسليم روسيا لإيران مقاتلات سوخوي 35 ومنظومة الدفاع الجوي إس 400، يرى المحلل الإيراني محمود شوري أنّ موسكو ـ وهذا رأي سائد بين النخب في إيران ـ لا تقدم ما عليها لطهران إلا بعد فوات الآوان، معتبرًا أن ما أسماها "المطالبات الشعبية" في إيران بضرورة تنفيذ صفقات الأسلحة تأتي في محلها، في إشارة إلى الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران وإمكانية أن تؤدي تلك المواجهات لحرب إقليمية في الشرق الأوسط.
لكن هذه "الانتقادات" ينبغي ألا تحجب ما تداولته بعض وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية عن تسلّم إيران "لدفعة من المقاتلات الروسية المتطورة ومنظومة إس-400 للدفاع الجوي إلى إيران"، خاصةً أنّ المسؤولين في طهران تجنبوا تأكيد أو نفي تلك المعلومات. ولعلّ ممّا يعزز صحة تلك المعلومات أنّ القيادي السابق بالحرس الثوري العميد المتقاعد حسين كنعاني مقدّم قال في آب/أغسطس الماضي إن بلاده "تسلمت بالفعل من الحليف الروسي أنظمة إس-400 للدفاع الجوي وعددًا من مقاتلات سوخوي-35".
ويرى الباحث في العلاقات الدولية حسن بهشتي بور أنّ حرص المسؤولين الإيرانيين على عدم التعليق على تسلّم أسلحةٍ إستراتيجية من روسيا من عدمه قد يكون مقصودًا، فالضبابية في مثل هذه المواقف قد تكون مفيدةً للتضليل والحرب النفسية.
لكنّ الباحث الإيراني يضيف قائلًا إنه "قد لا تكون ثمّة حاجة لتأكيد وصول الأسلحة الروسية من عدمها، ذلك أنّ منظومة إس-400 إنما هي للدفاع الجوي ولا تستخدم لمهاجمة طرفٍ خارجي، وأنّ الرادارات الأجنبية ستلتقط أولى الترددات فور تحليق مقاتلات سوخوي-35 إذا بدأت مهمةً في الأجواء الإيرانية" وفق تعبيره.
على الطرف المقابل يرى المتابعون في إيران أنّ العلاقات الشخصية الوثيقة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا تدعم فرضية حصول إيران بسرعة على حاجياتها من الأسلحة الروسية الدفاعية والهجومية، خاصةً أن روسيا بادرت بعد اغتيال هنية إلى إرسال مبعوثٍ لإيران يدعوها لضبط النفس، لكنّ الموفد الروسي، حسب معلقين إيرانيين، تقاعس هذه الأيام عن القيام بنفس المهمة بعد ضرب إيران لإسرائيل.
كما يرى قطاع كبير من المتابعين الإيرانيين أنّ الخلاف الجزئي بين تل أبيب وموسكو بسبب موقف الأولى من الحرب في أوكرانيا لم يؤثر في العلاقات الإسرائيلية الروسية التي تبقى أكثر قوةً من العلاقات الإيرانية الروسية، وبالتالي من المستبعد أن تُسهم روسيا بشكلٍ كبير في رفع مستوى الردع العسكري الإيراني في وجه إسرائيل المدعومة أميركيًا وغربيًا.