31-يوليو-2024
النظام السوري والصين

(Getty) تسعى إيطاليا التي تقود حملة التطبيع الأوروبية إلى إعطاء ذلك صفة قرارٍ جماعي

أكّد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والعلاقات الخارجية، بيتر ستانو، أنه لا تغيير في موقف الاتحاد حول سوريا. ويأتي تصريح ستانو بعد تعيين إيطاليا لسفيرٍ لها لدى النظام السوري وإعلانها أنّ دولًا أوروبيةً أخرى بصدد القيام بنفس الخطوة.

وكانت ثماني دول من الاتحاد الأوروبي هي إيطاليا والنمسا وكرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا قد طالبت رئاسة الاتحاد بسلوك طرقٍ جديدة للتعامل مع الأزمة السورية، مع اقتراح تعيين مبعوثٍ خاص لكلّ دولة "لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع كافة الأطراف السورية".

وكشفت رسالة الدول المذكور أن قضية إعادة اللاجئين والهجرة هي  ما حرّكهم تجاه التقارب مع النظام، دون أن تكون هناك ضمانات حقيقية لعدم تعرض اللاجئين حال عودتهم لانتقام النظام وأجهزته الأمنية.

رفضت ألمانيا ـ ذات التأثير القوي في السياسة الأوروبية ـ التوقيع على رسالة الدول الثماني، ما يعني أنّ برلين ما تزال على موقفها من النظام السوري

وتسعى إيطاليا التي تقود حملة التطبيع الأوروبية إلى إعطاء ذلك التطبيع صفة قرارٍ جماعي أو إعطائه على أقل تقدير ضوءًا أخضر أوروبيًا. مع الإشارة إلى أنّ 7 سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي مفتوحة في الوقت الحالي بدمشق، وهي سفارات رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك والمجر، والتحقت بهم مؤخرًا السفارة الإيطالية.

إعادة اللاجئين ومنع تدفق المهاجرين

ورد في الرسالة التي أرسلتها تلك الدول إلى مفوض السياسية الخارجية والأمنية في الاتحاد، جوزيب بوريل ما نصه: "يواصل السوريون مغادرة بلادهم بأعداد كبيرةً، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على الدول المجاورة، في فترة تزداد فيها حدة التوتر في المنطقة، الأمر الذي يهدد بتدفق موجات جديدة من اللاجئين".

كما لفتت الرسالة إلى أنّ "الأزمة الإنسانية المستمرة في سوريا تؤدي إلى تفاقم تدفقات الهجرة إلى أوروبا، ويجب على الاتحاد الأوروبي المساعدة في خلق ظروف معيشية إنسانية هناك لضمان العودة الطوعية والآمنة للاجئين". كما تهدف النقاط العشر التي تضمنتها الرسالة إلى أن تكون مقترحًا لـ"سياسة أوروبية واقعية واستباقية وفعّالة تجاه سورية".

وذهبت الدول الثماني في رسالتها إلى أنّ العقوبات، التي فرضها الاتحاد الأوروبي في الماضي على سوريا، "لم يكن لها التأثير المطلوب وكان لها تأثير سلبي على عامة السكان أكثر من تأثيرها على صناع القرار"، كما أشارت الدول الثماني إلى أنّ "جميع المناطق ليست مناطق حرب، بل هناك أيضًا مناطق آمنة يمكن للاجئين العودة إليها".

يشار في هذا السياق إلى أنّ عدة دولٍ أوروبية دعت في أيار/مايو الماضي إلى إعادة تقييم الأوضاع في سوريا، بما يسمح بإعادة اللاجئين إليها، على أساس أن الوضع في سوريا شهد تطورات نحو الأفضل أخيرًا على حد زعمها. وفي اجتماعٍ استضافته قبرص، قال وزراء خارجية النمسا والتشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا إنهم اتفقوا على عملية إعادة تقييمٍ تفضي إلى "طرق أكثر فعاليةً للتعامل" مع اللاجئين السوريين، سواء بالنسبة إلى دولهم أو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

يشار كذلك إلى أن التشيك قدّمت مبادرةً للإعداد لمهمةِ تقصي حقائق بقيادتها لإنشاء مناطق آمنة في سوريا "مع تزايد الضغوط على اللاجئين في أوروبا والشرق الأوسط، وذلك بهدف إعادتهم إلى بلادهم". لكن ذلك قد يكون صعبًا لجهة تحقيق توافق أوروبي حوله.

وتقول التشيك إن البعثة مهمةٌ للمساهمة في الجهود الشاملة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لدعم اللاجئين السوريين، حيث أشارت وزارة الداخلية التشيكية إلى أنّ براغ "تشارك بنشاط" في تنفيذ استنتاجات مجلس الاتحاد الأوروبي، والتي دعت إلى "عودة آمنة وطوعية وكريمة للسوريين، على النحو الذي حدّدته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".

على الرغم من أن جوزيب بوريل أبدى تحفظاته على رسالة الدول الثماني، إلا أنه لم يستبعد اتخاذ إجراء عملي نيابةً عن الشعب السوري، مذكّرًا الدول الأوروبية بأنّ النظام السوري يحتفظ بعلاقات وثيقة مع روسيا وإيران، وهذا ما يجعل العوائق قائمةً، حسب المتابعين، أمام تطبيع العلاقات بين النظام والكتلة الأوروبية وإحداث تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي حول سوريا، على الأقل في الوقت الحاضر. ويضاف إلى ذلك ثبات موقف بروكسل، على أنّ النظام السوري ارتكب جرائم حرب يجب أن يعاقب عليها.

كما رفضت ألمانيا ـ ذات التأثير القوي في السياسة الأوروبية ـ التوقيع على رسالة الدول الثماني، ما يعني أنّ برلين ما تزال على موقفها حول النظام السوري.

ومن المستبعد أن يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفًا جماعيًا حول سوريا دون وضع الموقف الأميركي بعين الاعتبار. وإن كانت ورقة اللاجئين تلمس وترًا حسّاسًا بالنسبة للأوروبيين ويلقى أي حديثٍ عنهم آذانًا صاغيةً في بروكسل عاصمة القرار الأوروبي.

الاتحاد الأوروبي على موقفه

قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والعلاقات الخارجية، بيتر ستانو، إنّ موقف الاتحاد الأوروبي حول سوريا ـ كما هو متوافقٌ حولَه من قبل كل الدول الأعضاء في الاتحاد ـ لم يتغير حتى الآن: فلا تطبيع مع نظام الأسد، ولا رفع للعقوبات، ولا مساعدات لإعادة الإعمار، حتى ينخرط نظام الأسد بشكلٍ بنّاء في عملية سياسية تتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

وأضاف ستانو أن الدول الأعضاء لها الحق الكامل في اتخاذ قرار بفتح سفارة في دولة ثالثة. وفي حالة سوريا، بعض الدول الأعضاء لم تغلق يومًا سفاراتها في دمشق، وبعضها أبقى على علاقاتٍ بالحدّ الأدنى.

ولفت ستانو إلى أنّ دائرة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS) دعت الدول الأعضاء إلى عقد اجتماع في بروكسل في أيلول/سبتمبر المقبل، للتباحث أكثر حول موقف الاتحاد الأوروبي حول سوريا.

وأضاف: "كما قال مفوض السياسة الخارجية، بوريل، علينا أن نكون براغماتيين من دون أن نكون ساذجين، كيف كان النظام يتصرف لعقود، أمر معروف جيدًا وموثق جيدًا، وأيضًا بدعم مباشر من روسيا وإيران. إنّ الاتحاد الأوروبي يقف دائمًا مستعدًا لبحث كلّ السبل لدعم الشعب السوري وتطلعاته المشروعة بشكل أفضل".

وبحسب ستانو يبدو أنّ الدول الموقعة على الرسالة تريد أن تسير في ذات الاتجاه للدول العربية التي أعادت تفعيل علاقاتها مع النظام، مع إنشاء لجنة اتصال وزارية عربية للتواصل مع دمشق، بغية إيجاد حلول للأزمة وتطبيق الحل السياسي بما يتماشى مع القرار 2254، وبالتالي يمكن اعتبار هذا الاتجاه محطةً "للتواصل عن قرب" والبقاء على اطلاع، أكثر من كونها تفعيلًا للعلاقات الدبلوماسية لأجل التطبيع".