قال موقع "كوين تريبون" الفرنسي إنّ الاقتصاد الصيني يواجه أزمة غير مسبوقة، إذْ تُظهر المؤشرات الاقتصادية تباطؤًا واضحًا في النمو حسب الموقع. فبينما تبحث الأسواق العالمية عن إشارات الاستقرار، يُظهِر الاقتصاد الصيني الذي يُنظر إليه منذ فترة طويلة باعتباره قاطرةً لا تتزعزع، علاماتٍ مثيرة للقلق تشير إلى نفاد قوته حسب الموقع الفرنسي.
وتكشف المؤشرات الاقتصادية التي نشرتها بكين مؤخّرًا عن واقعٍ أكثر قتامةً مما توحي به الخطابات الرسمية. وتكمن خلف هذه الأرقام تحدياتٌ هيكلية كبرى، إذ إن القطاع العقاري في أزمة، واستهلاك الأسر في حالة ركود، والتوترات الجيوسياسية تخنق آفاق النمو.
تفاقم التباطؤ الاقتصادي
تكشف الأرقام الأخيرة للإنتاج الصناعي الصيني عن تباطؤٍ واضح، حيث بلغ النمو 5.1 في المئة فقط في تموز/يوليو، وهو ما يمثل أدنى معدل له منذ آذار/مارس الفائت. وتعكس هذه النتيجة، التي جاءت أقل من توقعات المحللين، فقدان الاقتصاد للزخم رغم الجهود التحفيزية التي بذلتها بكين، والتي بدت أنها بدأت تؤتي ثمارها.
مستقبل الصين، ومستقبل الاقتصاد العالمي، سوف يعتمد على قدرة بكين على إعادة تشكيل نفسها في مواجهة التحديات الراهنة
وبالتزامن مع ذلك المؤشر، لم ترتفع مبيعات التجزئة، وهي مؤشر رئيسي لاستهلاك الأسر، إلا بنسبة 2.7 في المئة على أساسٍ سنوي وهي قفزةٌ متواضعة تعجز، حسب قراءة "كوين تريبون" التحليلية، عن إخفاء الركود المستمر في السوق المحلية. ومن ناحية ثانية، يعكس هذا التباطؤ في الاستهلاك ضعف ثقة الأسر، نتيجةً لحالة عدم اليقين الاقتصادي والكآبة السائدة، حسب الموقع الفرنسي.
ويرى موقع "كوين تريبون" أنّ الصورة تبدو أكثر قتامةً عندما ننظر إلى ديناميكيات سوق العمل، فقد ارتفع معدل البطالة إلى 5.2 في المئة تموز/يوليو المنصرم، والوضع مثير للقلق بشكل خاص في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة، والذين وصل معدل البطالة لديهم إلى مستويات تاريخية قبل أن توقف السلطات نشر هذه البيانات.
وهذا التجميد للمعلومات، الذي تم تبريره رسميًّا بمراجعة منهجيات الحساب، يترك حسب الموقع الفرنسي وتعكس هذه النتيجة، التي جاءت أقل من توقعات المحللين، فقدان الاقتصاد للزخم رغم الجهود التحفيزية التي بذلتها بكين والتي بدت أنها بدأت تؤتي ثمارها، حول الحجم الحقيقي للمشكلة.
وفي هذه الأثناء، يرى المراقبون أنّ العناصر والمؤشرات المتوفرة ترسم، مجتمعةً، صورة للاقتصاد الصيني المتعثر، حيث تبدو محركات النمو التقليدية متوقفة، ما ينذر بتحديات كبيرة في الأشهر المقبلة.
الأزمة العقارية
تتفاقم الأزمة في قطاع العقارات في الصين بوتيرة مثيرة للقلق، ومن المعروف أن قطاع العقارات كان سابقًا أحد ركائز النمو الاقتصادي في البلاد. ففي تموز/يوليو الفائت، انخفضت أسعار المساكن في 68 مدينة من المدن السبعين الكبرى في البلاد، وهو رقم قياسي مثير للقلق حسب الموقع الفرنسي.
ويشكل هذا الانخفاض في أسعار المساكن علامةً واضحة على ضعف الطلب الذي تفاقم بسبب اقتراب العديد من شركات التطوير العقاري الكبرى من الإفلاس، والتي تسببت ديونها الفلكية في إصابة السوق بالشلل والركود.
والآن أصبحت الأسر الصينية، التي كانت تميل تقليديًّا إلى الاستثمار في العقارات، مترددةً في تخصيص مدخراتها لقطاعٍ يُنظر إليه على نحو متزايد باعتباره حفرةً مالية. ويساهم انعدام الثقة هذا في زيادة تباطؤ النشاط الاقتصادي ويؤدي إلى تضخيم الحلقة المفرغة التي يصعب كسرها حسب "كوين تريبون".
التوترات الجيوسياسية
للتوترات الجيوسياسية تأثيرها أيضًا على هذا المشهد "المتراجع" للاقتصاد الصيني، وخاصةً تلك التوترات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث تؤثّر بشكلٍ كبير على الصادرات الصينية، التي تعدّ محركًا أساسيًا آخر لاقتصاد التنين الصيني.
على صعيدٍ آخر، أدّى انخفاض الطلب العالمي، إلى جانب العقوبات والقيود التجارية، إلى تقليص قدرة الصين على الحفاظ على مستويات صادراتها المعتادة.
ويُسلّط هذا الوضع، الذي يتّسم بمجموعةٍ من العوامل الخارجية والداخلية، الضوء على حدود النموذج الاقتصادي الصيني، الذي أشيد بمرونته ذات يوم.
وفي مواجهة هذه التحديات، تجد بكين نفسها مضطرةً، حسب الموقع الفرنسي، إلى إعادة تقييم أولوياتها الاقتصادية وإيجاد مصادر جديدةً للنمو لتجنب التراجع طويل الأمد.
تجد الصين نفسها عند نقطة تحولٍ حاسمة في تاريخها الاقتصادي، إذ يكشف تباطؤ الإنتاج وأزمة العقارات والتوترات الجيوسياسية عن نقاط ضعف عميقة لا يبدو أن تدابير التعافي الحالية قادرة على تصحيحها. ولتجنب الركود الدائم، لن تضطر بكين إلى تعزيز ثقة الأسر والمستثمرين فحسب، بل يتعين عليها أيضا تنويع اقتصادها بما يتجاوز القطاعات التقليدية.
ويرى موقع "كوين تريبون"، في ختام قراءته التحليلية، أنّ مستقبل الصين، وبالتالي مستقبل الاقتصاد العالمي، سوف يعتمد على قدرة بكين على إعادة تشكيل نفسها في مواجهة هذه التحديات، التي وصفها الموقع الفرنسي، بـ"غير المسبوقة".