قبل أقلّ من أسبوع، أعلن قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل عن انشقاقه عن مليشيا حميدتي، والالتحاق في المقابل بالجيش السوداني، الأمر الذي أسفر ،حسب الترا سودان، عن تداعيات كبرى في وسط البلاد.
وقبل أن تمتصّ قوات الدعم السريع الصدمة، طالعنا 5 من أعضاء المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع، يوم السبت، بخبر انشقاقهم وانحيازهم إلى الجيش، متّهمين قائدهم السابق محمد حمدان دقلو بـ"التخطيط للاستيلاء على السلطة، والسيطرة على سواحل السودان على البحر الأحمر" لصالح جهات خارجية، مردفين أنّ "فشل طموحاته قاد إلى اندلاع الحرب الأهلية" في السودان التي تُشرف على إنهاء شهرها الثامن عشر دون بصيص أمل في أن تضع أوزارها.
اختار المنشقّون الجدد مدينة بورتسودان، وهي العاصمة المؤقتة حاليًا للبلاد، مكانًا لإعلان انشقاقهم، حيث بيّنوا في مؤتمر صحفي الأسباب التي دفعتهم للانشقاق، والتي عددوا من بينها ارتباط "حميدتي" بجهات خارجية.
لا تصمد قوات الدعم السريع أمام نزيف المقاتلين وفقدان الحاضنة المدنية
ووفقًا للمتحدث باسم المنشقّين الجدد فإنّ "مؤسسة الدعم السريع تقوم على جهود هؤلاء المستشارين، المنسحبين"، كاشفًا أن هناك "ثلاثة مستشارين آخرين لم يتمكنوا من الحضور لدواعٍ أمنية، وسيتم الإعلان عنهم لاحقًا من العاصمة الإدارية".
والمنشقون الذين تعاقبوا على الحديث في المؤتمر الصحفي هم:
- عبدالقادر إبراهيم علي محمد، مسؤول ملف شرق السودان، ورئيس قطاع منظمات المجتمع المدني بالمجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع ، ويحمل درجة دكتوراة في التخطيط الإستراتيجي القومي.
- محمد عبدالله ود أبوك، المحامي وعضو المجلس الاستشاي لقائد الدعم السريع ورئيس القطاع الإعلامي، ويحمل درجة دكتوراة في القانون الدولي العام وخبير في قضايا العدالة الانتقالية.
- نواي إسماعيل الضو، رئيس قطاع التخطيط الإستراتيجي بالمجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، ورئيس اللجنة الإستراتيجية العليا.
- محمد محمد عثمان عمر، وهو خبير في الإعلام الرقمي ومدير الإدارة الفنية بإعلام الدعم السريع، ومستشار باللجنة العليا للدعم السريع.
- عبدالرحمن علي حمدو، رئيس القطاع القانوني بالمجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، ومسؤول ملف شباب القبائل.
السيطرة على البحر الأحمر
قال عبد القادر إبراهيم، وهو المسؤول السابق عن ملف شرق السودان ومنظمات المجتمع المدني في المجلس الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، "إن مساعي سيطرة قوات الدعم السريع على سواحل السودان على البحر الأحمر لصالح دولٍ أخرى هي السبب الرئيسي لاندلاع الحرب".
وكشف إبراهيم أنّ الدعم السريع "طرح مشاريع بولاية البحر الأحمر بتكلفة 30 مليار دولار، تشمل 3 مطارات، و3 موانئ وإنشاء 6 معسكرات لتدريب قوات من ضمنها قوات بحرية لنشر 30 ألف مقاتل على طول الساحل"، مؤكدًا أنّ "التصديقات الأوّلية على هذه المشاريع تم تمريرها بنفوذ محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة حينها، لكن قيادة الجيش انتبهت لمخاطر المشاريع على السيادة الوطنية ورفضتها، مما دفع حميدتي للتهديد بالاستيلاء على السلطة حال رفض المشاريع بولاية البحر الأحمر".
ويرى إبراهيم أنّ "عدم موافقة الجيش على مشاريع حميدتي كان السبب الحقيقي للصدام بين الجيش والدعم السريع"، نافيًا بذلك أن يكون "الاتفاق الإطاري السبب الوحيد والأساسي في اندلاع الحرب"، مضيفًا أنّ "هناك أطماعًا شخصية لقائد الدعم السريع حيث كان يرغب في استلام السلطة بالقوة، لتنفيذ أجندة خاصة به وأخرى تخص دولًا أخرى".
"ارتباطات" مع إسرائيل
أمّا المستشار الثاني المنشق عن الدعم السريع، وهو محمد عثمان عمر، مدير الإدارة الفنية بالإعلام واللجنة الاستشارية العليا للدعم السريع، فقال "إن إعلام الدعم السريع يدار بواسطة شركة إسرائيلية من خارج السودان".
كما كشف خلال المؤتمر الصحفي أن التسجيلات المنسوبة لحميدتي "مفبركة وتدار من أطراف خارجية"، ووعد بفضح تفاصيل عنها في وقت لاحق.
وأضاف عمر أن كل المتحدثين باسم الدعم السريع الذين يظهرون في الإعلام لا علاقة لهم مع إعلام الدعم السريع، لذلك "يتخبطون وتصدر عنهم معلومات متضاربة".
واتهم خبراء أجانب وجهات خارجية بأنهم وراء التسجيلات المسربة بأسماء قادة الدعم السريع، وبث معلومات مضللة مثل الحديث عن مجاعة وصناعة أزمات واستخدام كلمة "دواعش"، لتأليب المجتمع الدولي والإقليمي.
ورأى عمر أن الاتفاق الإطاري الذي وقعته قوى الحرية والتغيير مع الجيش والدعم السريع في كانون الأول/ديسمبر 2022 ليس هو السبب في إشعال الحرب، وإنما الطموح الجامح لحميدتي وشقيقه عبد الرحيم في السلطة.
التداعيات
أخذت سيطرة قوات الدعم السريع في التراجع على أكثر من محور، لا سيما في الوسط، وبالتحديد في ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم، بعد انسحاب أحد أبرز قادتها العسكريين هناك، وهو أبو عاقلة كيكل، ومع انسحاب مجموعة من المستشارين في دائرة حميدتي الضيقة، يتوقّع المتابعون أن تتقلص الحاضنة السياسية لمشروع قوات الدعم السريع، علمًا بأنّ هذه القوات متّهمة بارتكاب جرائم حرب على أساس عرقي، وفي حال فقدت حزامها السياسي المدني ستعود إلى سابق عهدها كميليشيا، وهو الأمر الذي يخشاه "حميدتي" الذي حاول تقديم قواته بديلا عن الجيش السوداني، وضمن لها قبل اندلاع الحرب وضعًا عسكريًا ضمن الجيش الرسمي للبلاد.
لكنّ الخطر الكبير ـ المتمثل في نزيف المقاتلين وخسارة المدن ـ والذي تخشاه قوات الدعم السريع لم يتحقق بعد، فما تزال تبسط سيطرتها العسكرية على العديد من المدن الرئيسية، بما فيها العاصمة الخرطوم التي لم تنكسر فيها بعد. وبالتالي فإنّ الانشقاقات المؤثرة تظلّ إلى حدّ كبير هي الانشقاقات العسكرية، وهذه لم تستفحل بعد في صفوف قوات الدعم السريع.