توجه الفرنسيون اليوم الأحد 24 نيسان/إبريل نحو صناديق الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لاختيار رئيسٍ للبلاد لعهدة رئاسية جديدة مدتها 5 سنوات. وكما حدث في آخر انتخابات رئاسية عام 2017، يدور التنافس بين الرئيس الحالي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون "يمين الوسط" ومرشحة أقصى اليمين مارين لوبان. وعلى الرغم من تقدم ماكرون في استطلاعات الرأي إلا أن احتمال أن تحقق لوبان المفاجأة وتفوز بالسباق الرئاسي وارد جدًا وغير مستبعد، خاصة مع احتمال ارتفاع نسبة العزوف عن التصويت لتصل حدود أكثر من 30%، بعد أن وصلت نسبة المشاركة في الدور الأول 74% وبعدما خلت المنافسة في الدور الثاني من أي مرشح من اليسار واقتصار التنافس على وجوه اليمين الفرنسي.
توجه الفرنسيون اليوم الأحد 24 نيسان/إبريل نحو صناديق الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لاختيار رئيسٍ للبلاد
وكانت عملية التصويت قد بدأت يوم أمس السبت في أرخبيل سان بيار وميكلون قبالة سواحل كندا، ثم في غويانا الفرنسية في أمريكا الجنوبية، وفي جزر الكاريبي الفرنسية بالمارتينيك وغوادالوب وسان مارتن وسان بارتيليمي، ثم في الأقاليم بالمحيط الهادي، وتسكتمل عملية التصويت اليوم الأحد في الأقاليم الفرنسية ما وراء البحار، وفي بقية المدن الفرنسية.
وعلى الرغم من حدوث مفاجأة في الدور الأول بارتفاع نسبة المشاركة لتتجاوز حدود الـ70% رغم أن التوقعات كانت تشير إلى انخفاض نسبة الإقبال على الانتخابات بسبب الثقة المتدنية في الوجوه المتصدرة للشأن السياسي، فإن التوقعات الحالية بتراجع نسبة الإقبال تفرض نفسها في ظل تراجع محتمل في نسبة مشاركة سكان الضواحي في الدور الثاني من الانتخابات. علمًا بأن الضواحي الباريسية تضم كثافة سكانية كبيرة للفرنسيين من أصول أجنبية، ومعظمهم لا يجد نفسه معنيًا ببرامج المرشحين للدور الثاني المتقاربين في مواقفهما من الهجرة والأجانب والإسلام. فالمعركة في النهاية بين يمين ويمين، هذا فضلًا عن عدم دعوة المرشحين الخاسرين من اليسار إلى مشاركة أنصارهم في التصويت في الدور الثاني. علمًا بأن مرشح اليسار جان لوك ميلانشون الذي حلّ ثالثًا في انتخابات الدور الأول اعتبر أن المناظرة التلفزيونية بين لوبان وماكرون الأربعاء الماضي مملة وغير مجدية. ولا يستبعد المراقبون أن تكون نسبة العزوف الكبيرة عاملًا حاسمًا بالنسبة لكلا المرشحين.
وكانت المناظرة الرئاسية المتلفزة التي جمعت ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان واستمرت حوالي ساعتين، قد شهدت توترًا، حيث تخللتها اتهامات من أحدهما للآخر بتبنِّي رؤية غير واضحة ومضللة وغير طموحة لفرنسا ومستقبلها في عدد من القضايا. ففيما يخص موضوع الحجاب المثير للجدل، أكدت مرشحة اليمين المتطرف تمسكها بفكرتها بشأن حظره، حيث تعتبره "زيًا موحدًا فرضه الإسلاميون". لكنها شددت في نفس الوقت أنها لا تحارب الإسلام. ورد عليها الرئيس الفرنسي بالقول "سوف تتسببين بإشعال حرب أهلية، أقول ذلك بصدق". وأضاف "إنك تدفعين الملايين من مواطنينا إلى خارج الفضاء العام"، معتبرًا أن ذلك سيكون "قانون نبذ"، لكن لوبان ردت قائلة إنه سيكون "قانونًا للدفاع عن الحرية".
واعتبرت لوبان أنه أمر "يتعلق بتحرير المرأة، وكبح الأيديولوجيا الإسلامية". وأردفت "أنا لست ضد الإسلام، وهو دين له مكانه في فرنسا". وعلى صعيد السياسة الداخلية قالت لوبان "على مدى السنوات الخمس الماضية رأيت الشعب الفرنسي يعاني ويقلق، وأريد أن أقول إن هناك خيارًا آخر". وأضافت "سأكون رئيسة تهتم بتكاليف المعيشة، سأكون رئيسة العدل"، مؤكدة أنها ستحسن وضع الفرنسيين أكثر بكثير من منافسها.
بدوره قال ماكرون إنه في حال إعادة انتخابه سيسعى جاهدًا لجعل "فرنسا أكثر استقلالية وأقوى، يمكننا تحسين الحياة اليومية"، مشيرًا إلى انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ 13 عامًا، وأنه فخور بخلق فرص عمل خلال ولايته، مضيفًا "أفضل طريقة لتعزيز القوة الشرائية هي محاربة البطالة". وشدد على أن "بعض مقترحات لوبان ليست واقعية"، موجهًا كلامه لمنافسته "في كل المعايير التي طرحتها لا توجد كلمة بطالة".
على صعيد السياسة الخارجية، اتّهم ماكرون منافسته بالتبعية للسلطة الروسية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بسبب قرض مالي حصلت عليه من بنك روسي، بالإضافة لاعترافها بضم روسيا لشبه جزيرة القرم. ووجه ماكرون كلامه للوبان قائلًا "أنتِ تعتمدين على القوة الروسية، وتعتمدين على السيد بوتين، لقد حصلتِ على قرض من بنك روسي". وأضاف "يمكن تفسير كثير من خياراتك من خلال هذا الاعتماد، أنت لا تتحدثين إلى قادة آخرين بل تتحدثين إلى المصرف الذي أقرضك المال. عندما تتحدثين إلى روسيا هذه هي المشكلة".
وفي ردها نفت لوبان هذا الاتهام بشدة، مؤكدة أنها "امرأة حرة تمامًا وقطعًا، لأنني وطنية فرنسية ولا أزال"، وبرّرت لجوءها إلى البنك الروسي بأن ما من بنك فرنسي وافق على منحها قرضًا. وردًا على الإشارة إلى علاقتها بالرئيس بوتين، قالت لوبان "أدعم أوكرانيا حرّة، لا تتبع لا للولايات المتحدة ولا للاتحاد الأوروبي ولا لروسيا، هذا هو موقفي".
وفي نفس السياق قالت مرشحة اليمين المتطرف إنه "ينبغي لأوروبا ألا تحظر استيراد النفط والغاز من روسيا"، وأضافت أنها "توافق على العقوبات ضد نخبة رجال الأعمال الأثرياء الروس والنظام المالي"، لكنها لا توافق على الإجراءات المرتبطة بالطاقة، مشيرة إلى أن "العقوبة الوحيدة التي أختلف معها هي وقف استيراد الغاز والنفط الروسيين. ذلك ليس الأسلوب الصائب".
وبعد نهاية المناظرة كشف استطلاع للرأي أن ماكرون كان أكثر إقناعًا من مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. ووفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجرته شركة "إيلابي" لاستطلاعات الرأي لصالح محطة "بي إف إم" التلفزيونية، وجد 59% من المشاهدين الذين استُطلعت آراؤهم أن ماكرون أكثر إقناعًا مقابل 39% للوبان.
يذكر أن استطلاع أجرته مؤسسة أوبنيان واي-كيا بارتنرز لصالح صحيفة ليزيكو أشار إلى أن نحو 14% من الناخبين كانوا ينتظرون المناظرة لتحديد لمن سيصوتون، فيما قال 12% إنهم سيحسمون أمرهم إذا كانوا سيصوتون من الأساس.
استطلاع أجرته مؤسسة أوبنيان واي-كيا بارتنرز أشار إلى أن نحو 14% من الناخبين كانوا ينتظرون المناظرة لتحديد لمن سيصوتون
وكان الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون قد تصدر نتائج الانتخابات في الدور الأول بنسبة 28.5% وحلت بعده في المرتبة الثانية مرشحة أقصى اليمين مارين لوبان بنسبة 23.6%، وحلّ مرشح اليسار البارز ورئيس حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون في المرتبة الثالثة بـنسبة 21.1%.