16-أكتوبر-2024
هاريس وترامب

بدأت الصين في تحضير سياستها للتعامل مع من سيفوز في الانتخابات الأميركية بين هاريس وترامب (لوموند)

تَعتبِر الصين أنّها أمام خيارين أحلاهما مرّ بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس. وإذا استعرنا لغة صحيفة لوموند الفرنسية فإن الصينيين يبحثون عن "أفضل السيّئيْن" بين المرشحيْن لدخول البيت الأبيض، وقيادة الولايات المتحدة لمدة 4 سنوات قادمة. فلدى الصين مخاوف من أن تتسبّب عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى سدّة الحكم في تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، لكن القادة الصينيين يخشون في الوقت ذاته من أن تواصل كامالا هاريس الدبلوماسية الهجومية التي يتبعها جو بايدن بشأن تايوان.

نقلت صحيفة لوموند عن مراسلها في العاصمة الصينية بكين هارولد ثيبولت قوله "إنّ الصّين تتابع الحملة الانتخابية الأميركية بأقصى درجات الاهتمام، وهي لا تتساءل عن المرشح الأفضل لمصالحها، لأنها مقتنعة أنه لا وجود له، لكنها تبحث عن أفضل السيئين" وفق تعبيره.

في أروقة صنع القرارات الدبلوماسية في وزارة الخارجية الصينية، هناك إجماع على أنّ "التدابير المناهضة للصين هي واحدة من القضايا التي من النادر أن تثير نوعًا من عدم التوافق في واشنطن".

وفي هذا الصدد تنقل صحيفة لوموند عن وانغ دونغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بكين، الأكثر شهرةً في البلاد في العلوم السياسية، والذي زار الولايات المتحدة في كثيرٍ من الأحيان قوله إن "الجمهوريين والديمقراطيين يتصارعون تقريبًا حول كل شيء، إلا عندما يتعلق الأمر بالصين، فهي ملف التوافق الوحيد في الكابيتول هيل".

تتابع الصين الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة باهتمام بالغ وعينها على من سيكون في البيت الأبيض بعد أقل من شهر

ويذهب وانغ دونغ في تحليله إلى القول إن ثمة مدرستين فكريتين في الصين تحددان طبيعة الحكم على ترامب وهاريس.

حيث ترى المدرسة الأولى أن ترامب سيكون دون شك التحدي الأكبر، فالاقتصاد الصيني يعاني بالفعل والرئيس السابق يهدد بفرض ضرائب وتصعيدٍ جديد في الحرب التجارية بين البلدين، خاصةً أنه كان محاطًا خلال ولايته الأولى بـ"الصقور الفائقة" من المهووسين بالتهديد الصيني.

في المقابل، فإن إدارة بايدن ـ وعلى الرغم من أنها فرضت ضريبةً بقيمة 100% على السيارات الكهربائية الصينية، ولم تدخر جهدًا في تعزيز التأخر التكنولوجي الصيني خاصةً في رقائق الإلكترونيات ـ  فإنها سعت لإعادة تأسيس التواصل مع بكين ومنع مخاطر انحراف العلاقات.

ويتّضح ذلك، حسب أصحاب هذه المدرسة في التحليل السياسي، من خلال زيادة عدد اللقاءات في الأشهر الأخيرة في فيينا وبانكوك ومالطا وواشنطن وبكين، بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي، ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، اللذين يُنظر إليهما اليوم على أنهما نقطة الاتصال الأولى لإدارة الخلافات.

أمّا المدرسة الثانية فترى الأمور عكس ذلك، فهي تشعر حسب وانغ دونغ، بالقلق من أن هاريس قد تواصل الخط الدبلوماسي لبايدن، الذي حث حلفاء الولايات المتحدة على رص الصفوف ضد الصين، وحاول دفع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى إدراج التهديد الصيني على جدول أعماله. وهكذا وافقت مانيلا في 2023 على السماح للقوات الأميركية بالوصول إلى 4 قواعد إضافية في الفلبين، التي قد تلعب دورًا مهمًّا في حالة نشوب صراع في بحر جنوب الصين أو إذا شنت الصين يومًا ما هجومًا على تايوان. وقد التزم بايدن عدة مرات بأن تتدخل الولايات المتحدة للدفاع عن تايبيه إذا ما غزا جيش التحرير الشعبي الجزيرة.

لكن في هذا الموضوع، وهو الأكثر حساسيةً من وجهة النظر الصينية، أدلى ترامب بتصريحٍ مفاجئ، فقد اتهم - في مقابلةٍ مع مجلة "بلومبيرغ بيزنس ويك" وأثارت صدمة في تايبيه - التايوانيين بنهب صناعة الرقائق الدقيقة الأميركية ودعاهم إلى دفع تكاليف الدفاع عنهم، مشبهًا حماية الجيش الأميركي بشركة تأمين لا تستحق تأمينها إلا إذا قمت بدفع قسطها، وهي تصريحات لم تمر مرور الكرام على الصين.

وفي هذا السياق، يقول وانغ هوي ياو، مؤسس مركز الصين والعولمة، وهو معهد أبحاث دبلوماسي في بكين، إن ترامب يقول أشياء عن تايوان يمكن أن تزيل مصدرًا كبيرًا من الاحتكاك، دون تجاهله أن تصريحات المرشح الجمهوري تبقى دائمًا موضع شك.

ويرى هوي ياو أن قرارات ترامب تبقى أيضًا غير قابلة للتوقع إذا تم انتخابه، فقد تلجأ بكين إلى محاولة إيقاظ "صانع الصفقات" فيه، عبر إغرائه بفرص خلق الوظائف، كما يفعل اليوم منتجو البطاريات والسيارات الكهربائية الصينيون الذين يعلنون عن فتح مصانع في الدول الأوروبية الأكثر ملاءمةً للصين، والمجر في مقدمتها.

ولم يغب عن الدبلوماسية الصينية أيضًا أن الملياردير إيلون ماسك، الداعم البارز لترامب، يعتمد بشكل كبير على أكبر سوق للسيارات في العالم وهو الصين، إذ ينتج مصنع تسلا الضخم الواقع في جنوب شنغهاي أكثر من نصف سيارات العلامة التجارية، وهي نقطة مهمة لبكين تأمل في استخدامها كرافعة ضغط.

ومع ذلك، يقول هوي ياو إن الصين لا تعيش في الأوهام، "لقد أصبح الأمر بنيويًا، إنه توافق بين الحزبين. إن الإدارتين الأخيرتين، سواء كانت ترامب أو بايدن، لم تتعاملا مع العلاقة مع الصين إلا من زاوية التنافس الكامل".

لذا تراهن بكين على الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا نقطة اتصال، وإذا كان إيلون ماسك هو أحدهم في معسكر ترامب، فإن المرشح لمنصب نائب الرئيس الديمقراطي، تيم والز، هو الذي يثير الاهتمام في معسكر هاريس.

فالحاكم الحالي لولاية مينيسوتا درّس اللغة الإنجليزية في الصين وبالتحديد في مدينة فوشان جنوب شرقي البلاد، وهو في عمر 25 عامًا  عام 1989، وسبق له أن قال مستذكرًا حفاوة استقبال الصينيين "طالما حييت، لن أُعامَل أبدًا بمثل هذا الكرم".

وإن دلّت هذه القراءات التحليلية الصينية على شيء فهي تدل على حجم الاهتمام بما ستُفرزه الانتخابات الرئاسية الأميركية المزمع إجراؤها الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. فهذا البلد الذي لا تُجرى فيه انتخابات ـ والعبارة لصحيفة لوموند ـ ينتظر بفارغ الصبر نتيجة الاقتراع على الجانب الآخر من المحيط الهادي، الذي لا تأثير لهم عليه ولكنهم يعتبرونه حاسمًا لتحقيق طموحات الصين، نظرًا لتعاظم المنافسة بين القوتين في السنوات الأخيرة".