اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنّ المعضلات التي تواجه السياسة الخارجية الأميركية حاليًا بلغت مستوى غير مسبوق، وتجعل دور واشنطن في "إدارة العالم" يبدو أصعب مما كان عليه الحال حتى إبّان حقبة الحرب الباردة، نظرًا للأزمات المتفجّرة في أكثر من مكان بدءًا بالشرق الأوسط وحرب إسرائيل على غزة التي تتدحرج نحو مواجهة إقليمية مفتوحة، مرورًا بالتحدي الصيني والكوري الشمالي وما يُهدّد به حلفاء أميركا في سيول وتايبيه، وصولًا إلى شرق أوروبا وحرب روسيا على أوكرانيا وتهديدها المتزايد لحلف شمال الأطلسي.
بناءً على ذلك، وصفت "نيويورك تايمز" إدارة ملفات السياسة الخارجية بأنها "أصعب" بكثير مما يتخيل معظم الأميركيين، بل هي بعبارتها "أقرب إلى المستحيل" في عصرٍ يتطلب من الولايات المتحدة إدارة قوى عظمى، وشركات عملاقة، وأفراد وشبكات فائقة القوة، وزوابع هوجاء، ودول غارقة في الفشل، وأجهزة استخبارات فائقة الفعالية.
وأبرزت "نيويورك تايمز" في مقالتها، التي كتبها توماس فريدمان، أنّ كل ما ذُكر آنفًا متداخل ببعضه، ويخلق شبكةً معقدة بشكل لا يُصدّق من المشاكل التي يتعين حلها لإنجاز أي شيء.
نيويورك تايمز: خيار ترامب الذي يرتكز على فرضية "أميركا وحدها" هو وصفةٌ لأميركا ضعيفة ومعزولة وهشة وفي اضمحلال
وقارن مقال "نيويورك تايمز" بين الوضعية الراهنة بالأوضاع التي كانت سائدةً خلال حقبة الحرب الباردة، والتي اتسمت بما يطلق عليها "الدبلوماسية الجريئة" وكان بطلها آنذاك وزير الخارجية هنري كيسنجر الذي لم يستغرق منه الأمر جهدًا مضنيًا لصياغة اتفاقيات فك الارتباط التاريخية بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 بين إسرائيل ومصر وسوريا.
فقد كان كيسنجر يتعامل مع دول، بعكس وزير الخارجية الأميركي الحالي أنتوني بلينكن الذي يعتقد مقال "نيويورك تايمز" أنه لم يكن محظوظًا عندما تولى المنصب، حيث اضطلع هو ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومدير وكالة الاستخبارات المركزية بيل بيرنز بمهام صعبة وأداروها بشكل جيد، على حد تعبير الصحيفة الأميركية.
وعقدت "نيويورك تايمز" في مقالها مقارنةً ثانية بين الشرق الأوسط في عهدي كيسنجر وبلينكن، لافتةً إلى أن المنطقة تحولت الآن من منطقة تضم دولًا قوميةً "صلبة" إلى منطقة تتكون من دول فاشلة، ودول أشباح، ورجال: "ثائرين متمكنين ومدججين بصواريخ دقيقة التوجيه"، حسب تعبيرها، في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان، و"الحوثيون" في اليمن، والجماعات الشيعية في العراق.
أما في سوريا، فالحكومة هناك مسؤولة عن دمشق فقط، أما بقية أرجاء البلاد فهي عبارة عن خليط من المناطق التي تسيطر عليها روسيا وإيران وتركيا وحزب الله والقوات الأميركية والكردية.
أمام هذه الوضعية، لا يمكن للولايات المتحدة التواصل مع "شبكة" حماس في قطاع غزة إلا عبر الوسطاء القطريين والمصريين. ومن بين التعقيدات التي تواجهها السياسة الخارجية الأميركية اليوم أن لدى الحركة جناحًا عسكريا داخل غزة وآخر سياسيًا خارج القطاع.
وإزاء هذه التعقيدات، يرى توماس فريدمان أن الشيء الواضح له في عالم الجغرافيا السياسية الجديد الذي سيتعين على رئيس الولايات المتحدة القادم إدارته هو أنه بحاجة إلى كثير من الحلفاء، مضيفًا أن إدارة المشاكل الدولية الراهنة لا تقتصر على "أميركا وحدها" بل على "أميركا وأصدقائها" معًا.
وهذا هو السبب الذي يجعل توماس فريدمان يفضل مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس على خصمها الجمهوري دونالد ترامب لتكون رئيسةً للبلاد، لأنها عملت في إدارة الرئيس الحالي جو بايدن الذي كان يعدّ أعظم إرث سيتركه في السياسة الخارجية هو قدرته على بناء تحالفات.
ويضيف فريدمان قائلً:ا "صحيح أن الحفاظ على التحالفات ليس بالأمر السهل أبدًا، لا سيما في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة غير مستعدة عسكريًا لمواجهة روسيا وإيران والصين المنخرطة منذ سنوات في تعزيز قدراتها العسكرية، بينما تفتقر واشنطن حرفيًا إلى الأسلحة اللازمة للقتال على الجبهات الثلاث في وقت واحد".
لكن فريدمان يعود ليعرب عن ثقته بأن نائبة الرئيس كامالا هاريس مؤهلة فعلًا لمنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة في حال فازت بالرئاسة بعكس ترامب: "الذي يخطئ في قضيتين هما بناء التحالفات ومكافحة الهجرة" وفق تعبيره. فخيار ترامب التلقائي الذي يرتكز على فرضية "أميركا وحدها" هو وصفةٌ لأميركا ضعيفة ومعزولة وهشة وفي اضمحلال، حسب مقال "نيويورك تايمز".