28-يوليو-2024
أوروبا تراهن على كامالا هاريس (رويترز)

أوروبا تراهن على كامالا هاريس (رويترز)

على الرغم من أن الانتخابات الأميركية هي مسألةٌ أميركية داخلية في نهاية المطاف، ويثير التدخل في مسارها، دعمًا لهذا المرشح أو نقدًا لمرشح آخر، حساسيةً لا تخطؤها العين، فإنّ عددًا من بلدان أوروبا لم تستطع "ممارسة الحياد" في انتخاباتٍ أحد أطرافها؛ دونالد ترامب المعروف بمناهضته لنموذج علاقة بلاده التقليدي مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. هذه المعطيات كلّها تدفع أوروبا دفعًا للرهان على كامالا هاريس لإبعاد شبح عودة ترامب.

وفي حين عبّرت حكومات ومسؤولون أوروبيون، في ألمانيا مثلًا، عن رهانها على هاريس، تولّت المهمة في دول أخرى، مثل إسبانيا والسويد وبريطانيا، صحفٌ ومجلّات معروفة بخطها التحريري المناهض للشعبوية والترامبية.

يتوقع الأوروبيون، وعلى رأسهم ألمانيا، أن تعمل كامالا هاريس في حال فوزها على تعزيز علاقات التعاون مع أوروبا، بخلاف المرشح الجمهوري الذي كشف في عهدته الرئاسية الأولى عن استخفافٍ بالعلاقات التقليدية لبلاده مع أوروبا، بتبنّيه لسياسة "أميركا أولًا".

دافعت كامالا هاريس عن شراكة قوية عبر الأطلسي، وشددت على ضرورة العمل المشترك مع الحلفاء لمواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والإرهاب والجرائم الإلكترونية

وترجح قناة DW الألمانية أن تؤثر مواقف كامالا هاريس وأولوياتها في مجال السياسة الخارجية "بشكلٍ كبير على علاقات بلادها مع ألمانيا وأوروبا. فألمانيا شريك رئيسي لواشنطن في القارة العجوز، وتدرك هاريس أهمية هذه العلاقة، حيث أكدت في أكثر من مناسبة على ضرورة الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين ضفتي الأطلسي. فألمانيا ليست فقط واحدةً من أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، ولكنها أيضًا لاعب أساسي في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأكدت هاريس دعمها للتحالف الدفاعي وأثنت على ألمانيا لدورها ضمن هذا الهيكل" حسب دي أو.

ومن هذا المنطلق من المتفهّم أن يسارع المستشار الألماني أولاف شولتز ـ بمجرد إعلان الرئيس جو بايدن انسحابه من سباق الرئاسة الأمريكية ـ إلى القول إن فوز كامالا هاريس في انتخابات الخامس من تشرين الثاني /نوفمبر المقبل، هو أمر "ممكن"، مشيدًا بخصال نائبة بايدن. قائلًا إنها "سياسية كفؤة وذات خبرة ولديها رؤية واضحة جدًّا عن الدور الذي تؤديه بلادها وعن التطورات العالمية والتحديات المقبلة".

قبل أن يعود ويؤكد بأنه "مقتنعٌ بشدة" بأن "التعاون الجيد عبر الأطلسي سيستمر مهما كانت نتيجة الانتخابات الأميركية"، ومع ذلك تقر قناة دي أو الألمانية أنّ العودة المحتملة لدونالد ترامب وشعاره "أميركا أولًا"، يثير قلق برلين وباقي العواصم الأوروبية، خصوصًا بشأن مواقفه اتجاه حلف شمال الأطلسي.

بدورها أشادت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، بترشيح كامالا هاريس، متخذةً من أهمية المرأة على العموم في الحياة السياسية مدخلًا إلى تلك الإشادة، بقولها "الكثير من هرمون التستوستيرون ينتشر بأكثر من المستوى المتوقع في بعض الأحيان. (..) قد لا تسبب النساء القويات أي ضررٍ في مواقف معينة، بل قد تحققن فائدةً".

وأضافت بيربوك إن أمامنا وقت مثير، "ليس فقط للولايات المتحدة وإنما بالنسبة لنا هنا في أوروبا أيضًا". وأكدت أن "هناك مستوًى قويًا من الثقة بين برلين والرئيس الحالي في البيت الأبيض، مشددةً على "التزام بايدن الطويل بالعلاقة عبر الأطلسي".

في ذات السياق يعتبر ميتين هاكفيردي، خبير الشؤون الأميركية في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي له المستشار شولتس، أنّ هاريس "مناصرة بالفطرة للعلاقات الأطلسية".

وأضاف هاكفيردي لموقع ديرشبيغل أنه "لو طرح عليه السؤال قبل ثلاث سنوات لقال كامالا هاريس ليست أطلسية الهوى، عكس بايدن. لكن الآن أعتقد أنها تعلمت الدرس. فالهجوم الروسي على أوكرانيا لم يصدم الأوروبيين فحسب، بل صدم الولايات المتحدة أيضًا. إن فكرة الانفصال عن أوروبا لأسبابٍ اقتصادية والتركيز على آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، لا تناسب الولايات المتحدة التي باتت ترى أن روسيا والصين مرتبطتان ولا يمكن فصلهما".

يشار إلى أن كامالا هاريس دافعت بشكل عن شراكة قوية عبر الأطلسي وشددت على ضرورة العمل المشترك مع الحلفاء لمواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والإرهاب والجرائم الإلكترونية. كما تدعم المؤسسات والاتفاقيات المتعددة الأطراف. وعكس ترامب تدعو هاريس لتمتين العلاقة مع حلفاء بلادها التقليديين واحترام الأعراف الدولية. وهذا ما يفسر الدعم الواضح الذي تلقاه هاريس في الأوساط الأوروبية.

إلّا أنّ الرياح قد لا تجري بالضرورة بما تشتهيه السفن الأوروبية، لأن اختيارات الناخب الأميركي، المهمة بالنسبة للعلاقات الدولية، لا تتطابق دائمًا مع رؤية الأوروبيين الذي يتمنى البعض منهم ترشيح ميشيل أوباما.

وفي هذا الصدد عنونت صحيفة "إل بيريوديكو" الإسبانية إحدى افتتاحياتها بأنّ "مستقبل العالم يعتمد على الديمقراطيين الأميركيين".

حيث جاء في نص الافتتاحية: "إن مستقبل العالم يعتمد على مؤتمر الحزب الديمقراطي. (..) نحن الأوروبيون منحازون دائمًا في تقييماتنا للسياسة الأميركية. وستكون لتفضيلاتنا قيمة لو صوت مواطنو نيويورك وبوسطن وكاليفورنيا فقط. لكن الانتخابات تجري في 52 ولاية تحمل قيمًا ومشاكل بعيدة كل البعد عن تلك التي تهيمن على الرأي العام في أوروبا. يعتقد الكثير منا أن ميشيل أوباما هي الوحيدة التي لديها فرصة لخوض الانتخابات ضد دونالد ترامب (...). ليس من الواضح ما هي الإجابة الأفضل في أوقات الاستقطاب والشعبوية. ونظرًا لحالة الطوارئ التي يشهدها الوضع العالمي حاليًا، يبدو أن ميشيل أوباما تشكل البديل الأفضل من المنظور الأوروبي. لكن المندوبين الديمقراطيين هم من سيقررون. الميزة الوحيدة التي تتمتع بها هاريس هي أن ترامب يبدو أنه تقدم في السن بعد تقاعد جو بايدن. ولكن هذا العامل وحده لن يكون كافيًا للحسم في الفوز أو الخسارة" وفق الصحيفة الإسبانية.

وترى قناة دويتشه فيله الألمانية أن دخول كامالا هاريس حلبة المنافسة المباشرة ضد دونالد ترامب، خلط أوراق اللعبة في السباق نحو البيت الأبيض. معترةً أنّ أهم سلاحٍ لدى المرشحين هو إثارة الخوف من بعضهما البعض. حيث "سيسمع الأميركيون الكثير من الاتهامات الشخصية المتبادلة، ففيما يؤكد الديموقراطيون أن ترامب يهدد الديموقراطية الأميركية، سيقول الجانب الآخر إن هاريس ممثل لليسار الراديكالي الذي هدفه تدمير الحلم الأميركي. وقد يخدع الأوروبيون أنفسهم إذا استسلموا لنشوة الديمقراطيين بعد البداية الجديدة الحالية. أما الثقة بالنفس لدى الجمهوريين، الذين يعتقدون أنهم حققوا بالفعل النصر، فهي خادعة بنفس القدر. الديموقراطيون يحاولون بكل قواهم الاستفادة من زخم انسحاب بايدن ويلعبون جميع الأوراق بما فيها صغر سن هاريس مقارنةً مع ترامب".

ترى دويتشه فيله أن دخول كامالا هاريس حلبة المنافسة المباشرة ضد دونالد ترامب، خلط أوراق اللعبة في السباق نحو البيت الأبيض. معترةً أنّ أهم سلاحٍ لدى المرشحين هو إثارة الخوف من بعضهما البعض

وسبق لصحيفة وول ستريت جورنال أن قالت إنّ "أمام الولايات المتحدة الآن سباق رئاسي قد يخسره دونالد ترامب والجمهوريون. (...). تُصور هاريس الآن بذكاء في الحملة الانتخابية باعتبارها المستقبل في مواجهة الماضي، والجيل الجديد في مواجهة القديم، وتقارن سنها الصغير نسبيًا (59 عامًا) مع ترامب البالغ من العمر 78 عامًا. وقد نجح هذا النهج في الماضي بالنسبة للديمقراطيين، تذكروا جون كنيدي وبيل كلينتون وباراك أوباما. وقد حذرت نيكي هيلي الجمهوريين من أن الحزب الأول الذي سيختار مرشحًا من الجيل القادم سيكون له أفضلية سياسية هذا العام، وها نحن وصلنا إلى ذلك (...) اللغز هو لماذا يبدو أن كل هذا يربك حسابات الجمهوريين. إنهم يلجؤون لزوايا هجوم من غير المرجح أن تنجح، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية (...) بهذه الطريقة، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تنفير النساء وناخبي الأقلية الذين يرغب الجمهوريون في اجتذابهم".

يشار في هذا الصدد إلى أنّ أوّل استطلاع للرأي على المستوى الوطني أظهر تقدم كامالا هاريس على دونالد ترامب بفارقٍ ضئيل. وتخطت هاريس بنقطتين ترامب بنسبة 44% مقابل 42%، وفق استطلاع "رويترز/ إبسوس" الذي أجري في اليومين التاليين لإعلان بايدن انسحابه من السباق وتأييده ترشيح نائبته.

ويفسَّر أداء هاريس في استطلاعات الرأي، بحماسة الناخبين الديموقراطيين بعد إعلان الرئيس بايدن انسحابه من السباق الرئاسي. ويبد أن هاريس نجحت، مؤقتًا على الأقل، في إبطال مفعول الزخم الذي حظي به ترامب عقب مؤتمر الحزب الجمهوري وبعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها.

في المقابل حذرت صحيفة داغينز نيهيتر السويدية الليبرالية من أنّ حظوظ ترامب ما تزال كبيرةً، وكتبت الصحيفة: "بعد انسحاب جو بايدن تمت الإشادة بالرئيس لأنه فضّل مصالح بلاده قبل مصلحته الشخصية. ووُصفت كامالا هاريس بأنها مدعيةٌ عامة صارمة قادرة على مواجهة الأشرار مثل ترامب. وفي غضون 24 ساعة تحول الانقسام إلى وحدة بين الديمقراطيين. لقد تحطمت خطة الجمهوريين، التي كانت تهدف إلى تصوير بايدن على أنه كبير في السن وخرف، إلى ألف قطعة. لقد تم تحديد هذا الأمر بشكل أو بآخر، ويبدو أن ترامب قد هزم بالفعل. ولكن هذا المشهد قد يكون وهمًا كبيرًا. ومن ينظر بواقعية إلى ظروف الانتخابات يلاحظ أن ترامب ما يزال هو الأوفر حظًّا رغم كل شيء. لا ينبغي الاستهانة بالأمل والحماس، ولكن نأمل أن تدرك حملة هاريس أن الأمر سيتطلب الكثير من أجل الفوز".