على خطى الولايات المتحدة الأميركية، بدأت ألمانيا تنفيذ مخرجات قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة بواشنطن التي تبنّت خيارًا هجوميًا توغليًا في تطويق المنافسين (الصين وروسيا) في أكثر مناطقهما حيويةً، ويتعلق الأمر أساسًا بمنطقة بحر الصين الجنوبي ومنطقتيْ المحيط الهندي والهادئ.
وفي هذا الصدد تتنزل زيارة وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، للفلبين ولقائه بنظيره الفلبيني، فرديناند ماركوس جونيو، والإعلان من مانيلا أن البلدين بصدد توقيع اتفاقية تعاونٍ دفاعي هذا العام، الأمر الذي أثار حفيظة الصين التي لطالما اعتبرت التقارب بين جيرانها والدول الرئيسية في حلف شمال الأطلسي "الناتو" (الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا) تهديدًا لأمنها ومصالحها في المنطقة.
وفي لهجةٍ اتسمت بالقوة، عبّرت وسائل إعلام صينية رسمية عن انزعاج بكين من برلين بوصفها خطوة ألمانيا بالنهج الانتهازي، معتبرةً أن برلين، ومن ورائها واشنطن، تهدف إلى تسليط الضوء على نفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فضلًا عن كون خطوتها الأخيرة تتماشى مع استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ الأميركية.
لكن وسائل الإعلام الصينية الرسمية حرصت على تأكيد أن تكثيف جهودها لإشراك المزيد من الدول الخارجية في قضية بحر الصين الجنوبي لمواجهة بكين، لن تدفع الولايات المتحدة أو ألمانيا أو أي دولة أخرى لحمايتها حمايةً حقيقية. بالنظر لمجموعة من الأسباب الموضوعية، ليس أقلها، حسب الصينيين، أن واشنطن وبرلين وحلفاؤهما: "غارقون حاليًا في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وبالتالي فإن المدى الذي يمكنهم فيه تقديم مساعدةٍ كبيرة للفلبينيين أمرٌ مشكوك فيه"، بحسب صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية الصينية.
يعتقد الصينيون أن واشنطن تستغل النزاعات الحدودية بين الصين وجيرانها لجرّ دول الجوار إلى حلفها بما ينسجم مع توسيع مظلتها الأمنية في المنطقة
وتابعت الصحيفة، في لهجةٍ لا تخلو من تهديد لمانيلا، أنه: "في حين ترحب مانيلا بالتعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها بهدف استفزاز بكين في بحر الصين الجنوبي، يجب أن تعلم جيدًا أن ألمانيا أو المملكة المتحدة أو فرنسا أو اليابان أو الولايات المتحدة لن تحميها حقًّا"، مضيفةً أن: "السبب الرئيسي وراء تعزيز ألمانيا التعاون العسكري مع الفلبين، هو إظهار موقفها المتصلب تجاه الصين للولايات المتحدة".
وأردفت القول: "إن سعي برلين لزيادة وجودها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ جزئيًا، يهدف في المقام الأول إلى التوافق مع استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ الأميركية لاحتواء الصين". كما نقلت الصحيفة الصينية الحكومية عن الخبير العسكري تشانغ جون شي قوله إن: "أحد المجالات الرئيسية للتعاون العسكري بين ألمانيا والفلبين هو المعدات العسكرية، وقد تبيع ألمانيا طائراتٍ وصواريخ وأنظمة تحكّمٍ ومعداتٍ عسكرية أخرى لمانيلا في المستقبل".
وتنظر الصين بقلقٍ بالغ إلى الحضور الأميركي الغربي في نطاقاتها الحيوي، لا سيما في الفترة الأخيرة، التي نشطت فيها لقاءات المسؤولين الأمنيين والعسكريين الأميركيين بنظرائهم الآسيويين، وتوقيع عددٍ من الاتفاقيات الأمنية والدفاعية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، فضلًا عن إجراء المناورات العسكرية وتحريك الآليات العسكرية المستمر هناك.
وفي هذا السياق، اعتبرت الصين أنّ اجتماع الرباعية الأمنية ضمن صيغة كواد الأخير: "يخلق التوترات من خلال تضخيم التهديد الصيني في بحر الصين الجنوبي"، ووصفت ذلك بأنه: "طريقة أميركية نموذجية لإثارة القلق الأمني، لجعل بعض الدول الإقليمية تعتمد بشكل أكبر على الكتلة التي تقودها الولايات المتحدة".
وتعليقًا على المخاوف الصينية، قال المختص في الشأن الآسيوي في "معهد فودان للدراسات والأبحاث"، جينغ وي، إن الصين: "تتابع بقلق التطورات التي تستهدفها بصورة مباشرة"، مؤكدًا أن بكين: "كانت العنوان الأبرز في جميع الاجتماعات التي عقدها وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان مع حلفائهما في المنطقة خلال الأيام الماضية، والتي تمخضت عن ترتيبات أمنية مرتبطة بمفهوم الدفاع المشترك".
ويعتقد المحللون الصينييون - بما في ذلك الموقف الصيني الرسمي - أنّ الولايات المتحدة: "تستغل النزاعات الحدودية بين الصين وجيرانها لضرب إسفين في العلاقات وجرّ دول الجوار إلى حلفها بما ينسجم مع توسيع مظلتها الأمنية في المنطقة".
وفي سبيل تحقيق ذلك، تعمل واشنطن، حسب جينغ وي، على تضخيم التهديدات الصينية مثلما تفعل مع إيران في الشرق الأوسط، للإبقاء على هيمنتها ونفوذها في المنطقة.
وتابع الباحث الصيني قائلًا: "ليس من المستغرب أن تأتي المناورات العسكرية المشتركة بين مانيلا وواشنطن في بحر الصين الجنوبي بعد وقتٍ قصير من توصل الصين إلى اتفاق مؤقت مع الفلبين بشأن إدارة الوضع في شعاب ريناي جياو في بحر الصين الجنوبي في 22 تموز/يوليو المنصرم".
وكانت الفلبين قد أكملت مهمة إعادة الإمداد في ريناي جياو تحت إشراف خفر السواحل الصيني في 27 تموز/يوليو الماضي بعد الاتفاق بينهما.