نشرت وزارة الخارجية الأمريكية، تقريرًا وصل إلى نتيجة مفادها أن جيش الاحتلال لم يمنع في كثير من الأحيان هجمات المستوطنين في الضفة الغربية على المدن والبلدات الفلسطينية، كما أنه لم تقم بمحاسبة المستوطنين على هذه الهجمات.
شدد التقرير على أن جيش الاحتلال لم يمنع في غالبية الأحيان هجمات المستوطنين
ويقول التقرير، إنه وفقًا لبيانات مراقبة الأمم المتحدة ووفقًا لجهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك"، كانت هناك زيادة كبيرة في الهجمات من ناحية العدد والشدة والنطاق الجغرافي في العام 2021. واتسعت لتشمل المناطق المصنفة "أ" وفق اتفاق أوسلو، وهي المناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية للسلطة الفلسطينية، كما تتصاعد حدة الهجمات والأضرار الناتجة عنها.
وذكر التقرير أن "مراقبي الأمم المتحدة وثقوا 496 هجومًا للمستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، بما في ذلك 370 هجومًا أسفر عن أضرار في الممتلكات، و 126 هجومًا أسفرت عن إصابات، ثلاثة منها كانت قاتلة".
وبحسب التقرير، تغيرت خصائص الهجمات، ففي السنوات السابقة، كانت الهجمات متفرقة، وينفذها أفراد أو مجموعات صغيرة من أربعة إلى خمسة مستوطنين، لكن الهجمات من عام 2021، تنفذها مجموعات كبيرة من عشرات المستوطنين، ما يشير إلى أن "الهجمات كانت على الأرجح مخططة مسبقًا".
وشدد التقرير على أن جيش الاحتلال لم يمنع في غالبية الأحيان هجمات المستوطنين، ونادرًا ما اعتقلوا أو اتهموا مرتكبي أعمال العنف. ويشير التقرير، إلى أن بعض المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية، تؤكد وجود أفراد من الجيش الإسرائيلي خلال بعض الهجمات، وتتهم المنظمات الجنود بالتساهل وإتاحة الأجواء لاعتداءات المستوطنين دون التدخل لمنعهم.
وبحسب مواقع إسرائيلية، فإن هذا هو "أخطر تصريح ظهر حتى الآن في تقرير رسمي وعلني لوزارة الخارجية الأمريكية" بشأن عنف المستوطنين والطريقة التي تتعامل بها الحكومة الإسرائيلية معهم. وكان التقرير قد تحدد موعد نشره قبل فترة طويلة، ولكنه تزامن مع الهجوم الأوسع من قبل مستوطنين يهود على بلدة حوارة جنوب نابلس.
التواطؤ الذي يبرزه التقرير، سبق وظهر في عدة تقارير حقوقية فلسطينية وأخرى من منظمات إسرائيلية مناهضة للاحتلال، مثل منظمة بتسيلم، التي نشرت تقريرًا بعنوان "عنف المستوطنين يساوي عنف الدولة"، كما تحدثت منظمة يش دين الإسرائيلية، عن انعدام تقديم لوائح اتهام ضد المستوطنين، على خلفية أعمال العنف التي ينفذونها بالضفة الغربية.
وتحدثت تقارير عدة عن تواطؤ بين قيادة الجيش وجهاز الشاباك مع المستوطنين خلال الاعتداءات التي طالت القرى الفلسطينية، وبالأخص في بلدة حوارة، كمثال جديد على هذه الهجمات. ويكشف المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، عن أن قوة من الجيش والشرطة كانت متمركزة بالقرب من المكان، ورغم ورود إشارات ومعلومات عن تحرك للمستوطنين، إلا أنها لم تفعل شيئًا لمنع اعتداءاتهم.
ويشير هرئيل، بأن التحريض في وسائل التواصل الاجتماعي كان واضحًا، وصدرت دعوات للخروج والهجوم على بلدة حوارة، فقد دعا نائب رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة دافيدي بن تسيون، إلى محو قرية حوارة، وهى تغريدة حظيت بإعجاب وزير المالية والمسؤول عن ملف الاستيطان في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، الذي حذفها لاحقًا بعد تعرضه لانتقادات.
ويضيف هارئيل أن قيادة الجيش الإسرائيلي، بما فيها رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي، وقائد فرقة الضفة الغربية في جيش الاحتلال، وقائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، حضروا بعد ساعتين من وقوع عملية حوارة إلى مقر قيادة لواء الضفة الغربية، الذي يبعد مئات الأمتار عن مدخل بلدة حوارة، حيث عقدوا اجتماعًا مع كبار الضباط.
وقال هرئيل إنه "كان بمقدورهم فقط لو فتحوا نافذة المقر أن يشاهدوا ماذا يحدث في حوارة، مع ذلك استغرق اجتماعهم لتقدير الموقف حتى التاسعة مساءً، دون أن يتحركوا فعليًا لوقف ما يحدث في حوارة، فيما كانت النيران قد شبّت في عشرات البيوت".
ويعترف جيش الاحتلال، بحسب الصحفي الإسرائيلي بالفشل، ويقول إن القوات المتواجدة كان يجب أن "ترد بشكلٍ أكثر حزمًا"، مشيرًا إلى أن الهجوم قادته مجموعات منظمة.
من جانبه، اعتبر الصحفي المختص في الشؤون الأمنية رونين بيرغمان، في مقال نشر بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن أعمال العنف المتكررة التي يقوم بها المستوطنون في البلدات الفلسطينية، تظهر لامبالاة الجيش الإسرائيلي في مواجهة المستوطنين.
ويعترف بيرغمان أن الجيش اعتبر اعتداءات المستوطنين في حوارة إرهابًا، ولم يكتفي باستخدام التعبير الذي استخدمه لسنوات وهو "تدفيع الثمن".
ويقدم بيرغمان في مقالته عدة سؤالًا، قائلًا: "لماذا لا يتحرك الجيش حيال هذا الإرهاب كما يتحرك ضد الفلسطينيين؟، لو هاجمت مجموعة من الفلسطينيين مستوطنة في رد فعل انتقامي، لفتح الجيش النار الحيّ باتجاههم. وإذا كانت اعتداءات المستوطنين إرهابًا، فأين كان الجيش عندما نفذوا عملياتهم الإرهابية في الماضي؟".
يجيب بيرغمان على سؤاله، بالقول إن "الجيش فقد السيطرة على ما يحدث في الضفة الغربية منذ سنوات"، ويضيف "يبدو لي أن الجيش فقد أيضًا السيطرة على ما يحدث في صفوف قواته"، موضحًا أن "الأمر يعود على ما يبدو إلى الروح السائدة لدى قادة قيادة المنطقة الوسطى في الجيش وفرقة الضفة الغربية. فقد عممت الفرقة مؤخرًا فيلمًا عن المزارع في الضفة الغربية، دون أن تبين أنها بؤر استيطانية أقيمت بالقوة على أراضٍ فلسطينية، وليست كما تبدو في الفيلم، مزارع جميلة".
ويورد بيرغمان حادثة توزيع قائد الفرقة الضفة الغربية آفي بلوط كتابًا يشجع الاستيطان في الضفة الغربية، يتحدث عن "تخليص الأرض من الفلسطينيين، وإنقاذها على يد شعب إسرائيل" [بحسب مال ورد في المقال]، دون أن يتم اتخاذ إجراء ضده.
ويكشف بيرغمان، أن قيادات في الجيش باتت تعترف، في الآونة الأخيرة وتقرّ بما تحدث عنه الفلسطينيون بالضفة الغربية ومنظمات حقوقية مختلفة، بأن هناك وحدات في الجيش الإسرائيلي، قد اختارت أن "تعمل مع المستوطنين دون خجل".
بدوره، يتساءل المعلق العسكري في صحيفة "إسرائيل هيوم" يوآف ليمور، لماذا لم تزيد قوات الأمن الاسرائيلية من عدد أفرادها في بلدة حوارة، مع تزايد التحريض عليها. وبحسب ليمور، فإن اللافت في أعقاب هجمات المستوطنين في حوارة، مثلما هو الحال في أعقاب جميع اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، وأملاكهم وسرقة أراضيهم ومزروعاتهم في السنوات الماضية، أنه لم تنفذ أجهزة الأمن الإسرائيلية اعتقالات في صفوفهم.
وكان رد الجيش على هذه الاعتداءات بتعزيز قواته في الضفة ضد الفلسطينيين حصرًا، وليس من أجل وضع حد لتصرفات المستوطنين.
وبالعودة إلى عام 2021 فقد شهد تصاعدًا لافتًا في العنف الصادر عن الاستيطان الإسرائيلي بالضفة الغربية، وإلى جانب الأرقام المرتفعة للاعتداءات المتكررة، شهد يوم 14 أيار/ مايو استشهاد 11 شاباً فلسطينياً في الضفة الغربية، من بينهم 4 شبان على الأقل برصاص المستوطنين الذين شاركوا الجنود بإطلاق النار، ولم يقتصر ذلك على الضفة الغربية فقد استشهد موسى حسونة في مدينة اللد برصاص مستوطن قبلها بأيام.
وفي حينه، أظهرت أرقام تقديم لوائح الاتهام مقارنةً مع عدد الاعتداءات بالإضافة إلى الحالات التي شهدت عنف مستوطنين بحضور الجيش التواطؤ الكبير بين المؤسسة الأمنية والاستيطان بالضفة الغربية. فيما أظهرت اعتداءات المستوطنين أنها ليست ظاهرة فردية أو حالات استثنائية، بل هي تعبير عن بنية المشروع الاستعماري في فلسطين وهي متماهية تمامًا معه، وتتوافق معه على أدوار معينة ولو ضمنيًا، أمّا القلق الإسرائيلي الرسمي الذي يظهر بشكلٍ متقطع، فهو يدور تحديدًا حول الخشية من أن تساهم هذه الأعمال في تصاعد الحالة النضالية الفلسطينية الرسمية، أو أن تساهم في زيادة الصدام بين المستوطنين وجيش الاحتلال.
لا يعبر القلق الإسرائيلي، عن خشية جدية من عنف واعتداءات المستوطنين، لكنه يعبر عن قلقٍ أمني
ولا يعبر القلق الإسرائيلي، عن خشية جدية من عنف واعتداءات المستوطنين، لكنه يعبر عن قلقٍ أمني، فقد تحدثت عدة مقالات إسرائيلية، عن أن الهجوم من قبل المستوطنين على حوارة تسبب في تعطيل جيش الاحتلال عن عملية مطاردة منفذ عملية حوارة، وأخرى عن إمكانية حدوث صدام واسع بين المستوطنين والجيش.