19-أغسطس-2024
الضربة الرابعة لبوتين

(AFP) جنود أوكرانيون على ظهر دبابة من طراز تشالنجر 2

أكد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن التوغل العسكري للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك الروسية يهدف إلى إنشاء منطقة عازلة لمنع موسكو من شن المزيد من الهجمات عبر الحدود، في الوقت الذي وجهت روسيا تحذيرًا لبولندا من رد "مناسب وواضح"، إذا ما حاولت اعتراض الصواريخ الروسية في أجواء أوكرانيا.

وبدأت القوات الأوكرانية هجومًا مفاجئًا على مقاطعة كورسك الحدودية في السادس من آب/أغسطس الجاري، والذي وصف بأنه أكبر هجوم تتعرض له الأراضي الروسية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتقول كييف إن الهدف من الهجوم الضغط على موسكو في مفاوضات السلام.

الضربات الأوكرانية تدمر جسرين في كورسك

وقال زيلينسكي في خطابه الليلي، أمس الأحد، إن: "مهمتنا الأساسية الآن في العمليات الدفاعية بشكل عام: تدمير أكبر قدر ممكن من إمكانات الحرب الروسية والقيام بأقصى قدر من الإجراءات الهجومية المضادة"، وأضاف أن "هذا يشمل إنشاء منطقة عازلة على أراضي المعتدي"، في إشارة للتوغل الأوكراني في منطقة كورسك، وفقًا لما نقلت وكالة "أسوشيتد برس".

أكد الرئيس الأوكراني أن توغل كييف في مقاطعة كورسك يهدف إلى إنشاء منطقة عازلة لمنع موسكو من شن المزيد من الهجمات عبر الحدود

وكان مسؤولون أوكرانيون قد قالوا إن أوكرانيا دمرت جسرًا رئيسيًا في المنطقة، وضربت جسرًا ثانيًا قريبًا، مما أدى إلى تعطيل خطوط الإمداد، بينما تواصل توغلها عبر الحدود.

وأقر مدونون عسكريون مؤيدون للكرملين في روسيا بأن تدمير الجسر الأول، الذي يمتد فوق نهر سيم بالقرب من بلدة غلوشكوفو، من شأنه أن يعطل تسليم الإمدادات للقوات الروسية التي تصد توغل أوكرانيا، على الرغم من أن موسكو لا تزال قادرة على استخدام الجسور العائمة والجسور الأصغر في المنطقة.

وأصدر قائد القوات الجوية الأوكرانية، ميكولا أوليششوك، أول أمس الجمعة، مقطعًا مصورًا جرى تداوله على نطاق واسع، وأظهر المقطع غارة جوية أوكرانية قسمت الجسر إلى نصفين، وبعد أقل من يومين، ضربت القوات الأوكرانية جسرًا ثانيًا في روسيا، وفقًا لأوليششوك، والحاكم الإقليمي الروسي، أليكسي سميرنوف.

وقالت الوكالة إنها لم تتمكن من التحقق من هذه الادعاءات على الفور، ولكن إذا تم تأكيدها، فإن الضربات الأوكرانية من شأنها أن تزيد من تعقيد محاولات موسكو لتجديد قواتها في كورسك وإجلاء المدنيين.

وفي سياق متصل، حذر رئيس القسم الأوروبي في الخارجية الروسية، أوليغ تيابكين، بولندا من اعتراض الصواريخ الروسية في أجواء أوكرانيا، وذلك ردًا على تصريحات وزير خارجية بولندا، رادوسلاف سيكورسكي، منتصف الشهر الماضي، والتي أشار فيها إلى أن وارسو تدرس إمكانية إسقاط الصواريخ الروسية فوق أوكرانيا.

ونقلت وسائل إعلام روسية عن تيابكين قوله: "إذا انساقت وارسو بدافع المغامرة وحاولت اعتراض الصواريخ التي تستخدمها قواتنا المسلحة بصورة شرعية لتحييد التهديدات العسكرية الصادرة من أوكرانيا، فإن رد روسيا سيكون مناسبًا وواضحًا".

من جانبه، حث زيلينسكي حلفاء كييف، أول أمس السبت، على رفع القيود المتبقية على استخدام الأسلحة الغربية لمهاجمة أهداف أعمق في روسيا، بما في ذلك في كورسك، قائلًا إن قواته يمكن أن تحرم موسكو "من أي قدرة على التقدم"، إذا سمح لها باستخدام أسلحة بعيدة المدى.

زعمت وزارة الخارجية الروسية، والمدونون المؤيدون للكرملين أن قاذفات "هيمارس" المصنوعة في الولايات المتحدة استُخدمت لتدمير الجسور على نهر السيم، ولم يتسن لـ"أسوشيتد برس" التحقق من هذه الادعاءات بشكل مستقل.

مكاسب محفوفة بالمخاطر

لم تكشف كييف في السابق الكثير عن نطاق وأهداف توغلها في روسيا بالدبابات والمركبات المدرعة الأخرى، وهو أكبر هجوم على البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، والذي فاجأ الكرملين وشهد سقوط عشرات القرى ومئات السجناء في أيدي الأوكرانيين.

وتوغل الأوكرانيون في عمق منطقة كورسك في عدة اتجاهات دون أن يواجهو مقاومة تذكر، وزعم القائد الأعلى للجيش الأوكراني، أولكسندر سيرسكي، الأسبوع الماضي، أن قواته تقدمت عبر مساحة ألف كم من المنطقة، على الرغم من أنه لم يكن من الممكن التحقق بشكل مستقل مما تسيطر عليه القوات الأوكرانية فعليًا، وفقًا لـ"أسوشيتد برس".

ويقول المحللون إنه على الرغم من أن أوكرانيا قد تحاول تعزيز مكاسبها داخل روسيا، إلا أن ذلك سيكون محفوفًا بالمخاطر، نظرًا لموارد كييف المحدودة، لأن خطوط الإمداد الخاصة بها الممتدة في عمق كورسك ستكون معرضة للخطر.

سرية بوتين لعدم "إثارة الهلع"

واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن التوغل الأوكراني في كورسك الروسية، هو الضربة الرابعة الكبرى التي يتلقاها الرئيس الروسي، فلاديمر بوتين، منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية في شباط/فبراير 2022.

وأشارت الصحيفة إلى أن بوتين فشل في الإطاحة بالحكومة الأوكرانية في بداية الغزو، بالإضافة إلى التمرد الذي قاده زعيم مرتزقة فاغنر، يفغيني بريغوزين، ضد القيادة العسكرية الروسية النظامية، والهجوم الذي نفذه متطرفون مسلمون باستهداف قاعة حفلات موسيقية شهيرة في العاصمة موسكو.

ورأت "واشنطن بوست" أنه في كل هذه المرات، كان بوتين ينتظر 24 ساعة على الأقل قبل أن يظهر علنًا ويقدم أي تعليق، وبحسب الباحثة، تاتيانا ستانوفايا، فإن بوتين يستخدم "الأسلوب نفسه دائمًا"، مشيرةً إلى أنه يلجأ للسرية لأنه "يفضل عدم إثارة الهلع".

وتضيف الصحيفة أنه في الوقت نفسه، يلجأ كبار المسؤولين الروس إلى التظاهر لإخفاء إخفاقاتهم بدلًا من المخاطرة بإغضاب بوتين، إذ بعد بدء هجوم أوكرانيا على كورسك في وقت سابق من هذا الشهر، أصر رئيس هيئة الأركان العامة، فاليري غيراسيموف، الذي يتولى شخصيًا القيادة العملياتية للحرب في أوكرانيا، على أن الهجوم الأوكراني قد توقف.

ووفقًا لـ"واشنطن بوست"، فإنه بعد نحو أسبوع من تكليف بوتين للجيش بطرد القوات الأوكرانية، أصبح من الواضح أن الهجوم الذي نظر إليه الكرملين في البداية على أنه بمثابة إزعاج أو استفزاز قصير الأجل، من المرجح أن القوات الروسية ستستغرق أسابيع، وربما شهورًا لمعالجته.

وقللت ستانوفايا من أن تكون سلطة بوتين عرضةً لتهديد داخلي بعد حرب كارثية، وصدمات متكررة، مشيرةً إلى أن العديد من الروس، وخاصة أعضاء النخبة، توقعوا الأسوأ في الحرب لكنهم أدركوا أنه لا يوجد بديل لبوتين في النظام السياسي القمعي في روسيا.

وكان استطلاع رأي أجراه مركز ليفادا، وهي وكالة استطلاع رأي مستقلة، في تموز/يوليو قد أشار إلى أنه حتى مع إعلان وسائل الإعلام الروسية عن المكاسب الروسية في شرق أوكرانيا في ذلك الوقت، فإن 58 بالمئة من الروس يؤيدون إنهاء الحرب، مقارنة بـ34 بالمئة فقط يريدون الاستمرار في القتال.