ينتهي إعلان لمرهم مرطب تنتجه شركة "أولد سبايس" (OLD SPICE) بالعبارة التالية: "للرجال جلود أيضًا". عبارة تنطلق من خلفية أن الاهتمام بالجلد هو شأن تجيده وتدمنه النساء فقط. الرجال "طبيعيون"، تعيش أجسادهم من دون عناية وتواجه غوائل الطبيعة وتحولات الجسد بالإهمال والتعايش.
يمكن للعلاقات الإنسانية أن تصبح أكثر أمنًا وأوسع إمتاعًا لو انتبه الرجال إلى كون أجسامهم ليست أعضاء غير متصلة كل واحدة تقوم بوظيفة محددة
إذا كان هذا الوصف مديحًا للرجال، فما الذي يدفع شركات إنتاج المراهم للالتفات للرجال اليوم، والاهتمام بجلودهم اليابسة؟ المسألة تكاد تكون محسومة. هذا الإعلان يقول للرجال: عليكم أن تلحقوا بركب النساء قبل فوات الأوان. قبل أن تصبحوا زائدين عن الحاجة. والحق أن احتمال تحول الرجال إلى كائنات زائدة عن الحاجة، مطروح وإن لم يكن ممكن التحقق راهنًا.
ورغم أنه غير ممكن التحقق، إلا أن مسألة طرحه تشير بلا لبس إلى أن الرجال فوتوا محطات كثيرة في رحلة البشر نحو تحصين أجسامهم وإعطائها معان أبعد بكثير من طبيعتها الحيوانية. ذلك أن ضرورة وجود الرجال كذكور ملقحة، لم تعد ملحة كما كانت عليه من قبل، يوم كان البشر يواجهون غوائل الطبيعة بأجسامهم ويدافعون عن أنفسهم وعائلاتهم ونسلهم ضد هجمات الحيوانات المفترسة بالكثرة والتضامن العضلي.
اليوم ثمة انتقاص من ضرورة الإنجاب وأهميته، لصالح استمرار الاهتمام بالمتعة المتأتية عن اتصال جسدين. وحيث أن البشر على امتداد تاريخهم، طوروا وسائل كثيرة لتحقيق المتع وجعلها أكثر تعقيدًا من طبيعتها الأصلية، فإن الحاجة للرجل لتحقيق المتعة لم تعد ضرورية كثيرًا. والحال، نحن أمام احتمال منظور، مؤداه، أن هذا الكم المتعاظم من الرجال فقد ضرورته، وأن العالم بحاجة ليبقى على السمت الذي يسير عليه، إلى أعداد أقل بكثير من الرجال، لتلقيح النساء الراغبات بالإنجاب. وإذا ما نجح العلم في ابتكار وسائل تلقيح اصطناعية ناجعة، فإن ضرورة بقاء الرجال تنتفي كليًا. ويمكن للعالم أن يستمر من دونهم بل وربما يصير أفضل حالًا، وأكثر أمنًا.
لم ينجح الرجال على مر التاريخ في مجاراة النساء في تحسين الطبيعة الحيوانية لأجسامهم، وجعلها معقولة وذات أبعاد تتجاوز الحاجة الصرف
هذا كله يتصل بالوظائف الجسدية البحت. إذ يحدث أن يكون الرجال ضروريين من دون الحديث عن وظيفتهم الجنسية. ويحدث أيضًا أن يكون الرجال موجودين بفعل أن العالم متنوع وقابل لتعايش أجناسه. لكن الثابت في كل هذا أن الرجال لم ينجحوا على مر التاريخ في مجاراة النساء في تحسين الطبيعة الحيوانية لأجسامهم، وجعلها معقولة وذات أبعاد تتجاوز الحاجة الصرف.
والأرجح أن لحاقهم بالركب يحتاج إلى تغيير عميق في ثقافتهم التي يحاولون فرضها على البشر جميعًا، من خلال تبنيهم لمفاهيم التنافس الضاري وإعلاء منطق الحروب والهزائم والانتصارات على كل منطق آخر. في حين أن الأنجع والأجدى أن يتبنى الرجال، والنساء أيضًا، مفاهيم تنشد التكامل والتضامن والألفة والتعاون: يمكن للشركات أن تنجح في أعمالها من دون رئيس مطلق الصلاحيات، ويمكن للدول أن تكون أكثر نجاحًا إذا غلبت منطق التعاون وتطلبت تعدد الرؤى والخطط على منطق تضييق حلقة أصحاب القرار. ويمكن للعلاقات الإنسانية أن تصبح أكثر أمنًا وأوسع إمتاعًا لو انتبه الرجال إلى كون أجسامهم ليست أعضاء غير متصلة كل واحدة تقوم بوظيفة محددة، فتكون اليدان للقتال والرجلين للهجوم، والفم لإشباع حاجة البطن، والأعضاء التناسلية لتحقيق المتعة. يمكنهم على نحو ما أن يتعلموا من حبيباتهم كيف يجعلون أجسامهم مرغوبة وباعثة متعة لهم ولشركائهم على نحو ما تفعل النساء منذ قرون.